في ظلال المونديال - تعليقات على كأس العالم 2022 في الدوحة، قطر

طباعة 2023-04-13
في ظلال المونديال - تعليقات على كأس العالم 2022 في الدوحة، قطر

بعد انتهاء كأس العالم باركت لسيدة في البلد بالنجاح، فردت عليّ بقولها: "لم يكن ذلك نجاحًا فقط، بل كان هبة حضارية". لقد أثار هذا الحدث الكبير مثقفين كثيرين عبر عالمنا. وفي يوم أو يومين كتب وأرسل إليّ فلاسفة ومثقفون من أمثال عبد السلام بن عبد العالي[1] وحسن أوريد[2] وأحمد المرزوقي[3] نصوصًا في غاية الجمال تعبيرًا عما حدث، بالإضافة إلى محاولات التفسير الحضاري والتعليق السياسي المنفعل بالحدث. وهذه تعليقات وتحقيقات واستبصارات من بعض الأحداث سجلتها اعتبارًا من كأس العالم وأحببت عرضها.

1

في البدء أوجه الشكر لمن سعى للحصول على المونديال من قبل أن ينفذ بعشر سنين، ويمتد ذلك الشكر إلى جميع الذين أنجزوه هذا الإنجاز الموفق المهيب من مختلف مستويات إنجازهم ومهماتهم.

2

ليس هناك من أمة ولا لعبة ولا سياسة دون حضور جوانب من الثقافة، وليس هناك من ثقافة بشرية مجردة من انحيازاتها الظاهرة والمستترة، ولكن سادة العالم في زماننا يريدون أن يتبعهم الآخرون، ويحرصون على محاولة تجريد الآخرين من ذواتهم بإيهامهم أنهم يقدمون شيئًا عالميًّا يشاركون فيه السادة، وما يفعلونه لا ينحاز لأحد ما دام من صناعتهم وينسجم مع ثقافة الغالبين، وذلك لأن الباقين أصبحوا ملحقين فاقتنعوا بأن يكونوا ملتحقين، وتخيلوا أن موقع الهامشية على السادة المتسلطين هو الموقع الصحيح وأن العالم كذلك، وأن موقع بقية العالم من العرب والمسلمين والبوذيين والهندوس والأفارقة وسواهم لا يكون ولا يحدث إلا بأن يكونوا في موقع الهامش للسيد الغربي المنتصر، وتلك حالة دونية نفسية أحيانًا لا ينتبه أهلها لموقعهم فيها، ويقنعون أنفسهم بأنهم من موقع التبعية سيكونون أصحاب دور ومشاركة، ولن يكونوا مذكورين ما لم يكونوا أتباعًا.

3

لا يغيب عن أحد الدور الكبير للمال في صناعة الحدث، فالفقر لا يصنع مشروعًا كهذا، غير أن الثروة أيضًا بلا حسن إدارة وبلا تدبير تنتهي إلى الفقر والضيق والإفلاس وتضر بأهلها، فالاستفادة من الثروة يلزم بوجود إدارة حازمة للموارد. ومن حضر وشاهد علم أن الثروة لقيت حسن إدارة، فكانت مشاركة وبكفاءة في إيجاد بنية خدمية أسهمت في إنجاز الحدث، وسوف تبقى فائدتها لعقود مديدة.

4

ظهور الهوية العربية الإسلامية في خطبة الافتتاح للأمير ثم الافتتاح بالقرآن، والإصرار على حضور الذات من البداية إلى لحظة النهاية، موقف يحترمه كل عربي ومسلم، إذ كان علينا أن نطل على العالم من شرفتنا المحترمة ومن ثقافتنا، وليس من تقاليد التبعية المثقلة بعقد النقص كما يفعل التابعون، فالمسافة بين الافتتاح بالقرآن وتلبيس البشت "المشلح" هوية واحدة جعلت الجميع في إطار العروبة والإسلام والإقليم، مشاركين وضيوفًا، وذلك يشكر للقيادة والعاملين جميعًا.

5

الكرم العربي ذلك الخلق الباذخ والمستمر ظهر في كل زاوية من خدمة النقل المجاني بين كل المواقع والملاعب، إلى خروج السكان للشوارع بالقهوة والمرطبات والطعام يضيفون الضيوف الغرباء. وكان من ألطف المشاهد أن مجموعة من البريطانيين دعاهم مستضيف وضلوا الطريق، فكانوا يفتحون الأبواب في عدد من البيوت يبحثون عن بيت مضيفهم ثم لا يكون هو البيت المقصود فيغلقون ويخرجون، حتى وصلوا غايتهم، فقال أحدهم: هل تتخيل في بلدك أن تفتح بابًا في بريطانيا وتتأكد أنه ليس المقصود، ثم تخرج إلى آخر وكل بيت يحييك أهله ويقولون تفضل حتى تصل غايتك ولا يتهمك أحد ولا يجرمك كما يحدث في بلادك؟!

6

اللفتة الإنسانية لذوي الاحتياجات الخاصة وتقديم أحدهم للحفل، وتوفير مكان خاص للمصابين بالتوحد، سابقة لم يعرفها العالم ولا ملاعبه سابقًا، فقد كانت هذه الفئات محرومة من قبل، رغم الشعارات التي دوخوا بها العالم ولم يحققوا مثل هذا يومًا.

7

يزعم الغربيون ألّا حظ للسياسة في الألعاب، بينما هم من يرفق سياستهم بكل مفصل ثقافي ورياضي في العالم. ومن الأمثلة الصارخة على هذا إخراج روسيا من المشاركة رغم أنها كانت منتصرة وهي من رتبت الدورة السابقة (موسكو 2018)، فمنعها حلف الناتو بقرار سياسي عسكري من المشاركة في الألعاب ووضعوا بولندا مكانها.

8

حضور فلسطين في الملاعب والميادين. وقد كانت الفيفا تمنع الشعارات السياسية، لكنها أقرتها وطالبت برفعها في التغطيات السابقة لصالح معركتهم في أوكرانيا، ثم ألغوها ربما حذرًا من أن يستغلها العرب في قضيتهم، ولكن الشعوب رفعت راية فلسطين في كل مكان، وكان شعارًا ممنوعًا في مؤسساتهم، فأظهرته الشعوب بكل شجاعة وإخلاص، وتعالت هتافات به من جهات عديدة.

9

حضور مشاعر الوحدة العربية الإسلامية، من التعاطف مع السنغال، ثم حفلة المناصرين للمغرب في البرلمان التركي، ثم الموقف العربي الإسلامي مع المغرب، فقد وحدتنا الكرة ولو لم توحدنا السياسة، ورأينا مشاعر الوحدة صارخة في كل مكان سوى ما كنت تراه من صراخ وقفز بين المشاهدين في الملاعب والساحات والبيوت عبر العالم.

10

سيطر خطاب الغضب والانتقام في الإعلام الغربي المتهور، فلم يعرفوا في اندفاعهم وحسدهم كيف يعبرون عن حقدهم على العالم الإسلامي الذي يحل جديدًا على عالم كان لهم منذ قرون ليسلبهم كل ما كان لهم. كان لي صديق قضى وقت الألعاب في بريطانيا، فكان يقول إن حجم الغضب والكراهية وسوء التعليقات البريطانية لا يعقل طوال المدة. أما في أميركا فكانت القنوات لا تنقل إلا لحظة اللعبة مجردة، حتى إنهم غيبوا حفل الافتتاح وغيره. أما حساد العرب فلم يجدوا إلا القهر والغبن، ولم يجدهم إنفاق أموال شعوبهم على التشويه، ولا زبر الأوربيين معهم ضد الحدث، فقد حاق بهم الخسار والهوان فصمتوا غبنًا وقهرًا.

وقد أثار حقد الإعلام الغربي على العرب والحدث بعض الصحفيين المنصفين، فنشرت مجلة (The Nation) الأمريكية مقالًا طويلًا[4] استعرضت فيه بسخرية شديدة محاولات الإساءة الغربية الفاشلة لقطر وللعالم الإسلامي العربي، الذي سحب البساط والنفوذ من الغرب في حدث عالمي هائل كهذا، وكشف أن غير الغرب أقدر. فالدولة الصحراوية، على حد وصف الكاتبين، "أثبتت أنها قادرة على تحقيق أعظم نجاح تنظيمي للمونديال في التاريخ".

11

ظهور شعارات من ثقافتنا الإسلامية مثل بر الوالدين، وقد تجلى في حفل الافتتاح من بر الابن بأبيه، ثم احتفال بعض اللاعبين مع أمهاتهم ورقصتهم في الملعب، ثم كانت خاتمة ذلك بتكريم الملك محمد السادس لأمهات اللاعبين في المغرب. وهذا أمر لا يعرفه من ليس في ثقافته شعور ببر الوالدين، ولا حضور لهذه الثقافة. وكان من خطاب الحاقدين أن قالوا إنها رقصة قرود! فكل من خالفهم ليس إنسانًا، بل يرمى بصفة حيوانية منبوذة عندهم. أذكر ما قاله تشرشل عن غاندي الذي اختطف شعبه من المستعمر البريطاني فوصفه بأنه القرد العاري، فإذا أحد مهاجري الهند أو قوم غاندي يجلس في كرسي تشرشل حاكمًا بكل مميزات منصبه وقرارته، فمن وصفهم بالقرود يحكمون شعبه والدنيا دول، فخففوا من عنصريتكم!

12

فرض اللغة العربية في الملاعب، فلأول مرة تصبح اللغة العربية إحدى لغات منظمة الفيفا، وتعلن بها في الملاعب وتلقى بها الخطب في الميادين.

13

انتصار الإعلام العربي وإشاعته ومرافقته لهذا الحدث ناقلًا ومعلقًا بعدة لغات، بل أحيانًا بعدة خيارات للسماع في اللغة الواحدة، فقد أدت (بي إن سبورت) ما لم يسبق إليه، وكانت الجزيرة رافدًا إعلاميًّا تحليليًّا مرافقًا طوال الحدث وقبله وبعده.

14

تمت هزيمة الانطباعات الإسرائيلية بأن يكونوا مقبولين في المنطقة. وقد حاول صحفيون صهاينة أن يقابلوا عددًا من العرب ومن القطريين، ولكن صدمة هؤلاء الصحفيين الكبرى بأنه مجرد أن يعرف الشخص هوية  الصحفي، فإنه يحتقره ويهرب منه، وكأنه قذارة لا يليق به لقاءه ولا الحديث معه، وتبين بالواقع أن أساطير التطبيع مجرد خنوع للحكام، وأنه مرفوض تمامًا من الشعوب.

15

هزيمة المخنثين أو الشواذ، أو من أراد الغرب فرضهم بديلًا عن العلاقات الإنسانية الفطرية بين البشر، وإن لطفوا أنفسهم بأوصاف "مثليين" و"مجتمع الميم"، أولئك الذين قال عنهم أحد المعلقين إنه طُلب منهم إغلاق مؤخراتهم فأغلقوا أفواههم، وظهروا بحركة في الميدان سمجة، ثم كانت هزيمة الشخصيات الرسمية المبتذلة منهم التي حاولت مخالفة القانون في الملاعب، وهذه المخالفة القانونية لا يرضونها في بلادهم، ولكنهم أباحوا لأنفسهم أن يفعلوها في بلاد الآخرين.

16

كان قرار منع الخمور في الملاعب صائبًا، وقد ظهرت لهم فائدة القرار أمنًا وغيابًا للسفاهة التي كانت تسيطر على ملاعبهم، فقد أمنت النساء من التحرش والفجور، وأمنت الفرق من الاعتقالات المعتادة في ملاعبهم، كما قال أحدهم أول مباريات لا يعتقل فيها مشجعون بريطانيون. كما إن مخالفة عاداتهم ومسلماتهم الخاطئة وفرض ذاتك وثقافتك ولو غرّموك خير من أن يروك مجرد صورة ممسوخة لعالمهم الثالثي التابع.

17

السجود شكرًا لله عند تسجيل الأهداف، وكانوا ينكرون على لاعبينا السجود لله شكرًا وينكرون علينا رفع إصبع الشهادة ولا ينكرون على أنفسهم التصليب وشعاراتهم الدينية في كل لحظة، ويعللون رفضهم لشعاراتنا بأنهم يربطون بين الإشارة بالتوحيد إلى داعش ولا يربطون جرائمهم بالتصليب. وقد كانت ثقافتهم تتسل لنا بلا وعي، حتى إنني أذكر أن صديقًا لنا قال إنه في إحدى قرى الجزيرة العربية كان اللاعبون في فريق الحي إذا سجل أحدهم هدفًا أو دخل الملعب صلّب على جسده تقليدًا لما كان يراه في التلفاز، وكان الأطفال يتوقعون ذلك شعارًا رياضيًّا وليس دينيًّا. والسجود في الأصل عندنا للشكر، وهو تقليد تعظيم وتقدير حتى عند غيرنا، فقد سجد الرئيس الأميركي الثالث جيفرسون عند قبر شكسبير. وفي شرع من قبلنا كان مشروعًا السجود للوالدين كما في قصة يوسف: "ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا". وقيل لأبيه ولخالته لأن أمه كانت قد توفيت، كما أشار الطبري في تفسيره [13/ 352][5]. وكذا سجد الشيخ الشعراوي شكرًا لله على هزيمة عبد الناصر عام 67، وسجد شكرًا لله عام 73، الأولى لأن شعار الحكومة كان الظلم والسجون والشيوعية والثانية لأن الحرب بدأت بالله أكبر، وتم التخلي وقتها عن كثير من المظالم، وهذا نقلًا عن مقابلة معه في جريدة عكاظ، وكان سجوده الأول في الجزائر وسجوده الثاني وهو في مكة[6]. وقد سجد قديمًا الشاعر الفرزدق عند بيت الشاعر لبيد بن ربيعة العامري:

وجلا السيولُ عن الطلول كأنها *** زبرٌ تُجدّ متونها أقلامُها

ولما أنكروا عليه قال: إنكم تعرفون سجدة الشكر، وأنا أعرف سجدة الشعر، ولا يعاب الإنسان حين يعبر عن تدفق عواطفه.

18

ظهرت في المونديال أو كأس العالم هذه الحالة من تدفق العواطف العامة عبر العالم ما لم يسبق أن شهدوه. فمن ذلك البكاء، ومن نماذج ذلك انهيار وزير الاقتصاد المغربي الأسبق فتح الله ولعلو بالبكاء وهو يحاور الوزير الفرنسي فدرين، كان ذلك على شاشة تلفزيونية فرنسية، أثناء الحوار، قائلًا :"أيها الأوربيون احترموا حقنا في التقدم"[7]. ولا عيب في غلبة المشاعر على أحد، بل قد تدل على الصفاء والصراحة في التعبير. وقد كان عمر رضي الله عنه بكاء وكذا هارون الرشيد، ومن حكام العرب المعاصرين صدام حسين فقد كان ينهار باكيًا أحيانًا وهو يقتل رفاقه! ومن مظاهر الانفعال ما جاء في قول الشاعر الجاهلي الأعشى الكبير من قصيدته أأزمعت من آل ليلى ابتكارا:

فــــــلما أتـــانـــا بـــــــــــعـــــيـــــــد الكـــــــرى *** سجدنا له ورفعنا العَمارا[8]

فَفاضَت دُموعي كَفَيضِ الغُروبِ *** إِمّا وَكَيفًا وَإِمّا اِنحِدارا

فأشار إلى رفع لباس الرأس تقديرًا ثم عادت الدموع فانهمرت. ونعرف أن من المثقفين العرب المعاصرين جماعة ممن يتحمسون للألعاب، منهم الشيخ محمود محمد شاكر، مشجعًا للنادي الأهلي المصري، وكان عماد الدين خليل من مشجعي الفرق الأوروبية، ويستعد قبل مبارياتها، ويبرر تحمسه بإتقانهم لما يفعلون في لعبهم.

19

بروز جوانب من حضارتنا وتأثيره. ويكفي، بالإضافة إلى الإعجاب غير المسبوق بالتنظيم والأمن، الإعجاب بمظاهر النظافة، فليس فقط تجنيد عمال بالتناوب للتنظيف بعد الزوار خلال الأربع وعشرين ساعة، ولكن قيام جمعية الشطافات في بريطانيا بعد أن اكتشف وأعلن أحد البريطانيين في أحد الفنادق أن النظافة ضرورية ومفيدة وحضارية عند المسلمين، وما كانوا يعرفون التنظيف إلا بالورق. وكأنهم يعيدون اكتشاف النظافة التي عرفوها زمن الغزو الصليبي، حين عرفوا الصابون والطب آنذاك. وقد ظهرت مراغمة حضارية ولو في الألعاب، فالأمم لا تصعد فجأة، ولكن لكل فجر مقدمات وإرهاصات، كما كتب التوحيدي عن إرهاصات القوة والبأس والسيادة عند شباب قريش قبل النبوة، أو ما كتب أيضًا علي عزت بيجوفيتش عن ملامح اكتمال الإنسانية والقوة والبأس واللغة عند عرب الجاهلية قبل الإسلام، ومقدمة لإكمال الإنسان فطرة ولغة، كما كانت تتجلى في سوق عكاظ قبل فجر الوحي.

20

تلبيس المشلح "البشت" أو ما عًرف بـ"برداء الشرف"، وهذا أمر يحتاج للقول لأنهم سخطوا منه جدًّا في تلبيس الأمير لميسي الأرجنتيني، وهذا التقليد كان قد وصل إلى الغرب فكانوا يكسون الفرسان العائدين من الحروب برداء الشرف، وهو تقليد عربي قديم منذ ما قبل الإسلام. وقد ورد في بعض المصادر القديمة أنه تقليد في المنطقة، كما ذكره هيرودوتس، وجاء ذكره أيضًا في العهد القديم "التوراة"[9]. ويكفيكم شهرة في هذا المجال خلع الرسول صلى الله عليه وسلم بردته على كعب بن زهير، فسنّ من بعده فن نهج البردة، ثم تطور إلى ما كان يفعله الخلفاء والأمراء من الخلع على الشاعر والوزير والسفير ومن كانت له سمة إنجاز مميز، ثم تطورت إلى الخلعة، وهي هدايا وثياب غالية كثيرة تهدى، وبلغت عند الحكام من مسلمي الهند مئة قطعة وقطعة. وثمة صورة شهيرة رسمها أحد الرسامين لخلعة الخليفة العباسي القادر التي أرسلها إلى محمود الغزنوي. وإلى اليوم من التقاليد في الجزيرة العربية إذا أعجب المستمعون بالشاعر خلعوا مشالحهم أو بشوتهم عليه. وكانت خلعة الشرف منتشرة في لباس التخرج في الجامعات، وقد أخذه الأوربيون تقليدًا من الأندلس، ثم أعاده بعض أذكياء العرب في يوم التخرج الجامعي بالبشت. وكلمة "بشت" فارسية تعني الظهر، ثم لباس الظهر، وانتشرت الكلمة على سيف الخليج الغربي "الخط" الذي اشتهر في الجاهلية بالخط، خط العرب، وليس شط العرب الشمالي في العراق، وإلى الخط تنسب الرماح الخطيّة، فلا تستهن بتلك الرماح قديمها وغابرها "فإن بني عمك فيهم رماح" وهذه المرة رماحٌ خطيّة[10]. وينتشر هذا اللباس في أجزاء من الجزيرة العربية بهذا الاسم "البشت"، وآخرون يحافظون على تسميته مشلحًا كما في أجزاء من الشام أو عباءة، أو يخصون لباس المرأة بالعباءة وبالمشلح للباس الرجال.

21

وختامًا، بعض الناس كما يقول المثل الليبي لا يعرف إلا أن "يقرأ بالناقص"، فيرى نفسه أمام الآخرين دائمًا أقل، هذا الحدث بيّن لنا أننا بجدارة نرتفع فوق الآخرين، ولكن هذه الفئة تبحث عن العيب وتبرزه، وأي كمال لا عيب فيه من عمل الناس؟ وبمناسبة ذكر من "يقرأ بالناقص" فقد قصّ الجاحظ قصة رجل ذكر من ضياع الوقت صورًا عديدة، منها النوم ووقت المحادثة ووقت الطعام، ثم أحصاها فخرج بأن الإنسان من فرط ضياع وقته ما عاش. وقد ذكر لي صديق في إحدى اللجان منذ أيام أن أستاذًا كان يعطي طالبًا راسبًا درجاته في الامتحان فأعطاه: ناقص عشرين درجة، أي يحتاج أن يحصل على عشرين درجة لتساوي درجاته صفرًا. فلنرحم أنفسنا وأمتنا من المبالغة في تبخيس أعمالنا.

22

أكد مقال (The Nation)، الذي ورد ذكره، أن قيادة الغرب للعالم كانت مجرد وهم، وأن القيادة قد خرجت من أيديهم، وكان أهم الشواهد الأخيرة حادثة المونديال. ولكن بعد حدث المونديال وأنا أكتب هذه المقالة تتابعت شواهد كثيرة عبر العالم تشير إلى تراجع غربي سريع في كل المجالات، يحدث أمامنا بطريقة أسرع مما توقع الجميع.

 

 

 

[1]  عبد السلام بنعبد العالي، "كأس العالم: بوادر منعرج تاريخي"، أواصر للثقافة والفكر والحوار:
https://bit.ly/3jN70Tx

[2]  حسن أوريد، "سحر اللعبة المستديرة"، أواصر للثقافة والفكر والحوار: https://bit.ly/3GvWRT5

[3]  أحمد المرزوقي، "انطباعات من المونديال"، العربي الجديد: https://bit.ly/3WI3V5E

[4]Tony Karon and Daniel Levy, "What Qatar’s World Cup Tells Us About the World in 2022", TheNation: https://bit.ly/3nSmk33

 

[5]  وإنما عنى من ذكر بقوله: "إن السجود كان تحية بينهم " أن ذلك كان منهم على الخُلُق، لا على وجه العبادة من بعضهم لبعض. ومما يدل على أن ذلك لم يزل من أخلاق الناس قديمًا قبل الإسلام على غير وجه العبادة من بعضهم لبعض، قول أعشى بني ثعلبة:

فَلَمَّـــا أَتَانَـــا بُعَيْــدَ الكَــرَى       سَــجَدْنَا لَــهُ وَرَفَعْنَــا عَمَــارَا

انظر تفسير الطبري، تحقيق عبد الله التركي، (13/356).

[6]  حسام الشيخ، حين سجد الشعراوي شكرًا بعد هزيمة مصر !، عكاظ، الخميس 14 نوفمبر 2019:
https://www.okaz.com.sa/last-stop/na/1756225

         وأضاف «الشعراوي»: «قلت يا بني لن يتسع ظنك إلى ما بيني وبين ربي، لأنني فرحت أننا لم ننتصر، ونحن في أحضان الشيوعية، لأننا لو نصرنا ونحن في أحضان الشيوعية لأُصبنا بفتنة في ديننا فربنا نزهنا". المصري اليوم: https://www.almasryalyoum.com/news/details/1221217

[7] https://youtu.be/OAXLe99G4wM

[8]  عند الأعشى الباهلي:

فَجَاشَتِ النّفْسُ لَمّا جَاءَ جَمْعُهُمُ      وَرَاكبٌ جَاءَ مِنْ تَثْلِيثَ مُعْتَمِرُ

         معتمرًا بعمامته، فتقول عِمارة للبناء وعَمارة للعمامة والقبعة وما أشبه. وانظر مجمع اللغة العربية في التمييز بين معنى عَمَارة بفتح العين والميم لغطاء الرأس أو ما يعتمر به، وبين العين في عِمارة للبناء بكسرها:

 https://www.m-a-arabia.com/vb/showthread.php?t=824

         فيرفعون غطاء الرأس إعجابًا واليوم يرفعون العقال تمجيدًا لعمل الشخص، وهو تقليد عربي قديم منذ الجاهلية، وعندما خرج مسلم البراك من السجن رفعت العقل له، وبعضها ألقي عليه وهذا تقليد مستمر إلى اليوم.

[9]https://bit.ly/3Qm09Nf

[10]           الرماح الخطية هي التي كانت من صناعة شاطئ الجزيرة العربية الشرقي، على خط الخليج العربي الذي عرف أحيانًا ببحر البصرة كما سماه الجاحظ.

شارك :

التعليقات (0)

أضف تعليق