حوار مع الدكتورة يون أون كيونغ عن اللغة العربية في كوريا الجنوبية

طباعة 2024-04-05
حوار مع الدكتورة يون أون كيونغ عن اللغة العربية في كوريا الجنوبية

   قديما قيل "لا كرامة لنبي في قومه"، هل يمكن أن يصدق هذا القول على اللغة العربية بين أهلها في الزمن المعاصر؟ إذا لم يكن ذلك كذلك، فمن الأكيد أننا على الأقل أمام زهد في اللغة العربية من أبناء المنطقة العربية، مقارنة مع الاهتمام المتصاعد بلغات أخرى. في المقابل ازداد الاهتمام العالمي باللغة العربية، وخاصة في البلدان التي ليست بينها وبين العالم العربي حساسيات تاريخية ولا أطماع استعمارية، ومن تلك الدول كوريا الجنوبية. ففي العقدين الأخيرين تضاعف الاهتمام باللغة العربية في كوريا، صحيح أن البداية كانت سنة 1965، ثم تطور الإقبال على اللغة العربية منذ ذلك التاريخ باطراد حتى الآن. ولكن في السنوات الأخيرة شهد تدريس اللغة العربية في كوريا الجنوبية نقلة نوعية: في عدد الطلاب والمؤسسات التي تدرس اللغة العربية.

وفي هذا الحوار مع الدكتورة يون أون كيونغ ناول أن نفهم مراحل تطور تعليم اللغة العربية في كوريا وأهم المحطات التي مر بها، كما تطرقنا إلى مكانة اللغة العربية بين اللغات العالمية والفرص التي تتيها لمتعلميها، وسر إقبال الشباب الكوري على تعلم اللغة العربية، ومدى قدرة اللغة العربية على استيعاب العلوم المعاصرة كالطب والهندسة: من حيث التدريس والإنتاج العلمي، ثم عرجنا على أهم الترجمات والمترجمين من اللغة العربية إلى اللغة الكورية.

 يون أون كيونغ حاصلة على الدكتوراه في اللغة العربية وتعمل أستاذة في قسم اللغة العربية في جامعة هانكوك للدراسات الأجنبية، وعضوا في لجنة تطوير وتعديل المناهج التعليمية وفي لجنة تأليف الكتب التعليمية للغة العربية لطلاب المدارس الثانوية بوزارة التربية والتعليم الكورية الجنوبية. وهي نائب رئيس الاتحاد الكوري لتعليم اللغات الأجنبية الثانية، كما أنها رئيسة الجمعية الكوريةللدراسات الإسلامية بكوريا الجنوبية.  وكانت ورئيسة قسم اللغة العربية بجامعة هانكوك للدراسات الأجنبية.

 

-بدأ تعليم اللغة العربية في كوريا عام 1965، حدثينا عن أهم المحطات التي مر بها حتى اليوم؟

 بدأت جمهورية كوريا الجنوبية الاهتمام بتعليم اللغة العربية اعتبارًا من عام ١٩٦٥م. فأنشأت جامعة هانكوك للدراسات الأجنبية قسمَ اللغة العربية. وقد احتفلت جامعة هانكوك للدراسات الأجنبية قبل ثماني سنوات بمرور خمسين عاما على تأسيس أعرق قسم لتعليم اللغة العربية في كوريا الجنوبية. ويصل عدد الأقسام المتخصصة في تعليم اللغة العربية والدراسات الشرق أوسطية الى ستة أقسام في خمس جامعات كورية. القسم الأول في الحرم الرئيسي لجامعة هانكوك للدراسات الأجنبية في العاصمة سيول، والثاني في الحرم الفرعي لنفس الجامعة في منطقة "يونج إين"، وهناك قسم الدراسات العربية بجامعة "ميونج جي" بالعاصمة سيول، وقسم اللغة العربية بجامعة بوسان، وقسم اللغة العربية في جامعة جو سون بمدينة كوانغ جو جنوب غرب البلاد، إضافة إلى قسم الدراسات الشرق أوسطية بجامعة دانكوك الواقعة في مدينة تشون آن وسط البلاد.

كما افتتِح برنامج الدراسات العليا لدرجتي الماجستير والدكتوراه بقسم اللغة العربية في جامعة هانكوك للدراسات الأجنبية عام 1976، وافتتح قسم مستقل للترجمة العربية يمنح درجتي الماجستير والدكتوراه بكلية الدراسات العليا للترجمة عام 1979 في نفس الجامعة. وأخيرًا أدخل عدد من الجامعات الكورية اللغة العربية ضمن برامجها الثقافية، كما أدخلتها تخصصًا ثانيا يدرسه الطلاب بالإضافة إلى تخصصهم الأول. إضافة إلى ذلك ظهرت بعض المؤسسات التعليمية الخاصة التي تدرس اللغة العربية ضمن برامجها الدراسية، فافتتحت في مختلف المناطق معاهد خاصة تدرّس اللغة العربية للطلاب والمواطنين.

وعلاوة على هذا، تم اختيار اللغة العربية لتكون من مواد اللغات الأجنبية الثانية رسميا ضمن مناهج تعليم المدارس الثانوية لوزارة التربية والتعليم الكورية اعتبارا من عام 2002. كما افتتح أول قسم للغة العربية في مدرسة وول سان الثانوية لتعليم اللغات الأجنبية عام 2011 من أجل تخريج الكوادر المتخصصة في اللغة العربية وشؤون الشرق الأوسط حيث يلتحق 25 طالبا وطالبة بالقسم كل سنة. 

وهكذا تشهد كوريا زيادة كبيرة في عدد الطلاب الذين يدرسون اللغة العربية ودراسات الشرق الأوسط، إما في المرحلة الجامعية أو في المرحلة الثانوية. بل إن كثيرًا من هؤلاء الطلاب يتفوقون في دراسة العربية ويعملون بها بعد تخرجهم، مما يدل على ترقي مكانة اللغة العربية بين الطلاب الكوريين.

 

-انطلاقا من تجربتك، كيف ينظر إلى مكانة اللغة العربية داخل اللغات العالمية وما الذي يستفيده الطالب من تعلمها؟

اللّغة العربيّة من أهم لغات المجموعة الساميّة وإحدى أكثر اللّغات انتشاراً في العالم، وهي لغة مصدري التشريع الأساسيَّيْن في الإسلام: القرآن والأحاديث النبويّة المروية عن محمد صلى الله عليه وسلم، ولغة الصلاة لكل المسلمين حيث لا تصح الصلاة إلا بإتقان بعض من كلماتها. وكُتبت بها كثير من أهمِّ الأعمال الدينية والفكرية في العصور الوسطى.

والحقيقة ان اللغة العربية كانت وما زالت لها صدارة اللغات السامية الأخرى، فاللغة العربية بالنسبة إلى عدد المتكلمين بها وإلى مدى تأثيرها عالمياً تعتبر أعظم اللغات السامية اليوم، فهي من اللغات التي تحظى بمكانة خاصة على المستوى الدولي، وهي من اللغات القليلة التي بقيت بأصواتها وتراكيبها وسيلة للتواصل والتفاهم منذ أكثر من ستة عشر قرنا من الزمان. وللغة العربية تأثير مباشر وغير مباشر على كثير من اللغات الأخرى. كما تحتل اللغة العربية مكانة مرتفعة في العصر الحديث لكونها إحدى اللغات الرسميّة الست لمنظّمة الأمم المتحدة وعدد من الهيئات الدولية. كما يتم تعليم اللّغة العربيّة كلغة ثانية في عدد لا بأس به من بلدان العالم، وهذا إنما يدل على مدى أهمية اللّغة العربيّة باعتبارها من أهم لغات الحضارة والثقافة والدبلوماسية في العالم أجمع.

 

-ما سر إقبال الشباب الكوري على تعلم اللغة العربية؟

يمكن القول إن هناك أسبابا متعددة لإقبال الشباب الكوريين على اللغة العربية. حيث شهدت كوريا في الآونة الأخيرة نهضة علمية واقتصادية واسعة، وزاد اتصالها بالعالم العربي، بعد أن أصبحت المنطقة العربية سوقا رائجة لمنتجات الشركات الكورية العملاقة مثل: "سامسونج" و"إل جي" و"كيا" و"هيونداي" وغيرها، مما دفع كثيرا من الكوريين إلى المسارعة بدراسة اللغة العربية نظرا لما تحققه هذه الدراسة لصاحبها من فرص عمل لا تتاح لدارسي اللغات الأخرى.

كما يمكن للطلاب دارسي اللغة العربية والدراسات الشرق أوسطية التقدم للمشاركة في اختيار كبار الموظفين الحكوميين في وزارات الشؤون الخارجية والإدارة العامة.
ويوجد كثير من طلاب قسم اللغة العربية يبدؤون حياتهم العملية قبل التخرج خاصة المتفوقين منهم، لكن أهم ما يميز هؤلاء الدارسين هو حبهم الشديد للعربية وأهلها، بل ويتحول كثير منهم الى أصدقاء للعرب يدافعون عنهم في ظل الهجمة المسعورة التي تشنها الميديا العالمية على كل ما هو عربي أو مسلم.

-مقارنة مع تجربة كوريا في تدريس العلوم والتكنولوجيا باللغة الكورية، هل تعتقدين أن اللغة العربية قادرة على استيعاب العلوم المعاصرة كالطب والهندسة: من حيث التدريس والإنتاج العلمي مثل ما كانت قديما؟

جدير بالذكر أن اللغة العربية لغة مطواعة وثرية بحيث تتمكن من التماهي مع العصر ومتغيراته. اللغة العربية لم تكن مجرد لغة، لقد قادت مسيرة الحضارة، وساهمت في تطور الجنس البشري على مدى قرون.

وامتد تأثيرها في العالم ليكتسح المعاهدَ العلميةَ في العصور الوسطى، حين كان العالم غارقًا في ظُلمةٍ حالِكَة، حينها كانت مساجد قرطبة وغرناطة معاهد للعلم والتجريب. كانت العربية في ذلك الزمان لغةً وهويَّةً للشعوب التي دخلت في حضارة الإسلام أفواجًا، من المحيط الأطلسي غربًا وحتى تخوم آسيا في كلٍ من الهند والصين وكوريا الجنوبية شرقًا. ومن إسبانيا والبرتغال وجنوب فرنسا شمالاً، وحتى أعماق قارة أفريقيا جنوبًا. لقد ظهر في هذه الحقبة علماء ومبدعون عباقرة حملوا راية العلم، ورغم أن معظمهم كانوا من غير العرب، إلا أن ما يميز الحضارة العربية والإسلامية أنها كانت الحديقة التي أينعت في داخلها الأشجار من كل صوب.

اللغة العربية هي التي استعملتها البشرية لقرون عدة إبان العصر الذهبي للحاضرة الإسلامية كلغة العلم بلا منازع في شتى الفنون: من رياضيات وفيزياء وكيمياء وهندسة وفلسفة وغيرها، وهي نفسها اللغة التي نتواصل بها في شبكات التواصل اليوم.اللغة كائن حي يتطور ويتأقلم ويتفاعل مع ظروفه.

اللغة العربية لغة عبقرية تحمل في جيناتها أدوات اشتقاقية ساهمت إلى أبعد الحدود في جعلها أثرى لغة عرفتها البشرية، من حيث عدد جذور كلماتها (ست عشرة ألف جذر مقابل ألفي إلى ثلاثة آلاف جذر عند معظم اللغات الحية الأخرى) اشتق منها ما يزيد على 12 مليون كلمة حسب بعض المراجع في حين لا تتجاوز معظم اللغات الغربية مائة ألف كلمة، باستثناء اللغة الإنجليزية التي تعد أثراها على الإطلاق إذ يحتوي معجمها على ما يناهز النصف مليون كلمة.

 فاللغة التي نمارسها هي نفسها التي نفكر بها، وإذا استخدمنا اللغة العربية في جميع شؤون الحياة اليومية علمية أو شخصية أو مهنية فإننا بدون شك سوف نفكر بها، وننتج بها. ولا يجب أن نحمل اللغة العربية أعباء أو مسؤوليات التراجع الفكري والركود العلمي للعرب في عصرنا هذا.

 

-من هم أهم المترجمين من العربية إلى الكورية وما هي أهم الأعمال التي تمت ترجمتها حتى الآن؟

بدأت كوريا الجنوبية تشهد حمى ترجمة الأدب العربي إلى اللغة الكورية في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، وذلك بفضل فوز أول أديب مصري من بين الأدباء العرب بجائزة نوبل للأدب، ألا وهو نجيب محفوظ. ومنذ ذلك الوقت بدأ الجمهور الكوري يهتم بعالم الأدب العربي، وقد أتيحت الفرصة للقراء الكوريين لتذوق الأدب العربي مع إصدار أعداد من الروايات والقصص ودواوين الشعر للأدباء العرب.

لقد تمت ترجمة رواية "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ عام 1988 فور الإعلان عن خبر فوز الكاتب المصري نجيب محفوظ بجائزة نوبل للأدب وتلتها ترجمة رواية "أولاد حارتنا" على أيدي بعض الأساتذة المتخصصين آنذاك بشكل متواصل، كما تمت ترجمة ونشر العديد من أعمال الكاتب نجيب محفوظ منها " بدلة الأسير" و"ميرامار"  وزقاق المدق" بعد فترة وجيزة من فوزه بجائزة نوبل.

فقد تمت خلال الفترة من عام 1988 وحتى عام 2022 ترجمة العديد من القصص والروايات والأعمال الأدبية العربية الكلاسيكية إلى اللغة الكورية، منها ٢٥ رواية و٥ مجموعات الشعر. نذكر منها على سبيل المثال قصة "دعاء الكروان " للكاتب طه حسين، و" كليلة ودمنة" لابن مقفع و"البخلاء" للجاحظ، وكتاب "المقدمة" لابن خلدون، وقصة "شماوس" لأشرف أبو اليزيد "وعمارة يعقوبيان"لعلاء الأسواني، ورواية "ساق البامبو" للكاتب الكويتي سعود السنعوس.وبالإضافة إلى ذلك، تمت ترجمة بعض الكتب العربية في مجال علوم اللغة وتاريخ الإسلام إلى اللغة الكورية بما فيها "مراحل تطور المعاجم العربية" و"قاموس مصطلحات التاريخ والحضارة الإسلامية".

لكن يمكننا القول إن هذا العدد قليل وغير كافٍ مقارنة مع تاريخ اللغة العربية في كوريا، علاوة على التاريخ العريق والمكانة التي يحتلها الأدب العربي على المسرح العالمي. كما أن معظم تلك الأعمال المترجمة كانت ترتكز على أعمال الكاتب نجيب محفوظ وغيره من الأدباء من مصر وفلسطين. لذا ينبغي أن تتم ترجمة الأعمال الأدبية للعديد من الأدباء من الدول العربية الأخرى. لكن رغم ذلك، لا يمكن أن نغفل الحديث عن دور تلك الأعمال الأدبية العربية المترجمة في تعريف الجمهور الكوري بماهية الثقافة والحضارة العربية والإسلامية بشكل عام.

جدير بالذكر أن بعض الخريجين من قسم اللغة العربية وآدابها للدراسات العليا بجامعة هانكوك للدراسات الأجنبية قد لعبوا دورا جوهريا في تلك الفترة في ترجمة العديد من الكتب والأعمال الأدبية العربية إلى اللغة الكورية منذ الثمانينات من القرن الماضي؛ منهم الدكتور "كيم نيونغ أو" والدكتورة "كيم جونغ آ" وهما الفائزان بجائزة الشيخ حمد للترجمة عام 2020 في فئة الإنجاز في الترجمة من العربية إلى الكورية.

ومع ذلك فنحن بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود للبحث عن أعمال أدبية عربية من مختلف الدول العربية تتميز بمستوى فني مرموق، بالإضافة إلى محتوياتها الثقافية التي تتناسب مع أذواق القراء الكوريين حتى تتم ترجمتها ونشرها في كوريا، وذلك من خلال التعاون مع المؤسسات المعنية في الدول العربية. كما ينبغي تنظيم لقاءات لترويج الأدب العربي في كوريا ولترويج الأدب الكوري في البلدان العربية، مثل عقد منتديات للأدب العربي الكوري أو اجتماعات بين الكتاب العرب والعلماء المتخصصين والمترجمين الكوريين.

 

شارك :

التعليقات (0)

أضف تعليق