تفكيك الصهيونية

طباعة 2018-04-22
تفكيك الصهيونية

 

معنيان للتفكيك في هذا الكتاب قامت عليهما أبحاث المشاركين في تأليفه : الأول يتعلق بالنقد الجذري التقليدي للأيديولوجيا الصهيونية، والثاني مرتبط بدريدا وهايدغر، أو ما يعبَّر عنه بـ"نقد ميتافيزيقا الحضور" من حيث الحضور هو "الكينونة"، ومن حيث تعدّ الصهيونيةُ مفهومَ "الشعب اليهودي" وصلتَه بـ"أرض إسرائيل" حقًّا عابرًا للتاريخ، دون نظر إلى تاريخية الأرض المقدّسة، وتاريخية وجود الشعب اليهودي فيها، أي إن هذه العلاقة أضحت أشبه بمقولة ميتافيزيقية شبيهة بمفهوم المثُل، والجوهر، والمحرّك الأوّل، والشيء في ذاته... إلخ المقولات الميتافزيقية الشهيرة!

وناقش المحرران اعتراضات توقعاها قبل الخوض في الكتاب؛ فمن ذلك مثلاً الاعتراض بأن التركيز على الأيديولوجيا الصهيونية دون الأيديولوجيات الفلسطينية عمل أحادي الجانب ومنحاز. وأجابا عنه بأن الحياد هنا غير عادل؛ لأن الأوضاع على الأرض أصلاً غير متوازنة ولا متكافئة. ومن الاعتراضات المتوقعة: أن معالجة الاضطهاد في الصهيونية الإسرائيلية بدل مناقشة الاضطهاد السائد في دول أخرى ربما تكون أشدّ منها، هو من الظلم. والجواب عن هذا أن إسرائيل تعد البلد الأول في العالم الذي يأبى المثول أمام محكمة حقوق الإنسان، ثم هي لم تقم إلا بإزاحة السكان الأصليين من بلادهم لتحل محلهم.

أما الاعتراض الثالث والأخير الذي عرضه المحرران وأجابا عنه فهو أن نقد الصهيونية متجذر في معاداة السامية المعاصر، وما هذا النقد إلا بغضًا للشعب اليهودي! وأجاب المحرّران عن هذا الاعتراض بأن عدوّ الشعب اليهودي هو دولة إسرائيل نفسها، بعيدًا عن سلوكها العدواني داخليًّا وإقليميًّا؛ ذاك أنها تستنزف الكثير من الموارد من أجل "حفظ الأمن" للمستوطنين المتعصبين - على حد تعبير المحرِّرَين -، ثم إن دولة قائمة على الاحتلال تجعل حياة الناس في ظلالها مستحيلة وغير قابلة للاستدامة. وقد نبّه المحرران كذلك إلى التفريق بين "اليهود" و"إسرائيل"؛ فلا تلازم إذن بين تفكيك الأيديولوجيا الصهيونية، والديانة اليهودية والشعب اليهودي.

وبعد هذه المقدمة تبدأ بحوث الكتاب بورقة سلافوي جيجك بعنوان "معاداة السامية وتحولاتها"،وفي هذا البحث يرصد جيجك مفارقات مفهوم "معاداة السامية" وتحولاتها. بدأ جيجك بحثه باستحضار هتلر الذي كان يرى "معاداة الساميّة" تفسيرًا للمشكلات التي عاشها الألمان العاديون من البطالة والانحلال الخلقي والاضطراب الاجتماعي التي يقف وراءها (اليهوديّ)، ليتساءل جيجك: ألا تؤدي كراهية التعددية الثقافية وتهديد المهاجرين اليوم الوظيفة نفسها وبطريقة مماثلة؟ حين تفسّر الهزّات الاقتصادية والتغيرات الاجتماعية بوجود المهاجرين! فكأن هذا (الجسم الغريب = المهاجرين) هو الآلة الجهنميّة التي تصنع كل المصائب.

 وهنا يتكلم جيجك عن النرويجي اليميني المتطرف بريفيك الذي يحمل الفكرة ذاتها، عداوة المسلمين الذين يهددون هويّة أوروبا! كما هو معاد للسامية أيضًا لكنه في الوقت نفسه مؤيد لإسرائيل! فإسرائيل تقوم بالفعل ذاته، فهي تبني جدارها العنصريّ؛ لأن "إسرائيل متعددة الثقافات" لا حظّ لها بالبقاء. والمفارقة في هذا التصرف الإسرائيلي العنصري أن اليهود في أوروبا كانوا يدعون إلى الاعتراف بتعدد الثقافات وكانوا أوائل أنصار التعدد الثقافي!

مفارقة أخرى ترتكبها إسرائيل، وهي ترفع شعار معاداة السامية سيفًا على كل من ينتقدها، تعادي هي ذاتها كل "يهودي" لا يتفق معها أو لا يرى شرعيتها! أي إن المفارقة اللافتة هنا أن إسرائيل هي أيضًا تعادي السامية، إذ تعادي اليهود الذين لا يرون الأيديولوجيا الصهيونية! وتعدّهم هم كذلك أعداء للساميّة لأنهم لا يتفقون مع مشروعها. ولم يتوانَ الباحث في تسجيل مراحل "معاداة السامية" وتحولاتها منذ ظهرت في القرن الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين بتأثيرات اقتصادية غالبًا.

ميزت ورقة جياني فاتيمو بعنوان "كيف تصبح مناهضًا للصهيونية؟"بين اليهودية وتراثها المؤثر في الحضارة الأوروبية، وبين الأيديولوجيا الصهيونية التي تقف موقف العداء من التراث اليهودي، بل تهدّده. من أولئك اليهود الذين يقفون على الضد من مشروع الدولة الصهيونية إيلان بابي الذي اندفع بعيدًا عن صهيونيته الأولى إلى موقفه الراديكالي الراهن ضد إسرائيل وقادة إسرائيل، مطالبًا بدولة ليست يهودية! دولة علمانية وديمقراطية ومساواتية.

ومن داخل إسرائيل نفسها هناك أصوات – مثل حركة السلام الآن – تشجب سياسة حكومة إسرائيل ضد الفلسطينيين، وتنادي بشعبين ودولتين! هذا الشعار الذي بدا الآن أنه ليس إلا وسيلة لإطالة أمد الصراع إلى ما لا نهاية. وهكذا يقرر جياني فاتيمو أن سبب وقوفه هو نفسه وأولئك المناهضين للسياسة الإسرائيلية سببه الارتباط بين دولة إسرائيل والمصالح الأمريكية أكثر من أي شيء آخر.

لا تبتعد كثيرًا الباحثة جوديث بتلر عن توجهات الورقتين السابقتين في التفرقة بين اليهودية والصهيونية، فتقدم ورقتها بعنوان "هل اليهودية هي الصهيونية؟ أو أرندت ونقد الدولة القومية"،حيثتقرر جوديث في بحثها أن الصهيونية أدخلت الدين في الحياة العامّة، رغم أن كثيرًا مما في الصهيونية هو ضد الدين! إلا أن إقامة دولة ذات شكل علماني على أسس دينية يضعنا أمام مشكلة التعامل مع الأقليات والتمييز والاضطهاد. ولهذا السبب يعد عداء إسرائيل عداءً للدين، وعداء للساميّة، مع أن الأصوات اليهودية المناهضة للمشروع الصهيوني بدأت منذ طرح هرتزل للفكرة أصلاً، مع تأكيد الباحثة أن نقد الممارسات الصهيونية نقد أخلاقي إلزامي تمليه الديانة اليهودية نفسها.

لكن إسرائيل ترى نفسها الممثل الوحيد للشعب اليهودي في العالَم، وترى نفسها استثناء دومًا؛ فهي فوق النقد، وهي ليست دولة كسائر الدول، وهكذا تعيش هذه الدولة في تناقض – كما ترى الباحثة– لا يمكن حله إلا بممارسة العنف، أو التحوّل الجذري.

وهكذا فإن فكرة إسرائيل تقوم على إفناء "الآخر"، الإفناء الذي يكون شرطًا لنجاة الذات! ولا يمكن الوقوف ضد سياسة الإفناء هذه بدون الدفاع عن هذا الآخر. كيف، والقوى أصلاً غير متكافئة بحيث لا يمكن اعتبار الفريقين طرفَي نزاع؟

في هذا السياق تناقش الورقة موقف حنا أرندت تجاه دولة إسرائيل، التي انتقدت ممارسات هذه الدولة إلى درجة جعلت مناوئيها يشككون في انتمائها أصلاً إلى الشعب اليهودي. وقد تناولت الباحثة آراء أرندت في كتابها أصول الشمولية حول الدولة القومية، وآراءها في مقالتها "التاريخ اليهودي مراجَعًا"، إذ يبرز التراث (النفيي) حاضرًا في كتاباتها، فاليهود عاشوا حالة النفي، حالة اللادولة، ومن المفارقة أن تقوم لهم دولة قومية تنتج أعدادًا من المنفيين اللاجئين، وهو محور نقدها في كتابها أيخمان في القدس الذي كان يتبع فكرة تبيح له أن يختار مع من يتساكن، فينفي ويقتل ويبيد من لا يريده له جارًا أو متساكنًا. تنادي حنا أرندت بالتعددية، والاعتراف بها، وهو ما لا يتأتى في الدولة القومية.

لكن الباحثة لم يفتها أن تلتقط تلك المفارقة الغريبة في فكر أرندت المناوئ للدولة القومية، والمتفق مع نضالات الشعوب، لم يفتها أن تذكر أن فهم أرندت لليهودية فهم أوروبي، حين وصفت الناس في القدس بملامحهم الشرقية بأنهم يجعلون هذا المكان مستحيلاً بالنسبة للعقلاء. والعقلاء هنا ليسوا إلا الأوروبيين!

إشكالية"إزالة استعمار الدولة القومية الصهيونية في الأفق الاستعماري للحداثة"، تناولتها ورقة والتر د.مينولو، إذ أكد في ورقته ما ذكره الباحثون السابقون أن اليهودية ليست هي إسرائيل، مقدمًا الحجج على ذلك، ثم انتقل للحديث عن التشكل العرقي الغربي والدولة القومية وفكرة الحداثة، مشيرًا إلى تناسي الشعوب الأوروبية لفكرة الدين هويّة للشعوب، وتسليطها الضوء على مشتركات الولادة، وهو أساس فكرة الدولة القومية بغض النظر عن أديان الشعب، غير أن هذه النظرة "القومية" تصبح مهددة حين ينتقل المهاجرون وتتعدد الأعراق والإثنيات. وهو عينه ما تواجهه إسرائيل الآن: الموقف من أبناء الثقافات المختلفة الذين تعتبرهم أقل إنسانية، كما تبرز الورقة نقطة مهمة بتأكيدها على أن الدول التي عانت الاستعمار فشلت أو أُفشِلت بعد الاستعمار، إلا أن دولة إسرائيل تم السعي في تمكينها!

أشارت الورقة بأن هناك مشكلة أخرى تعانيها الدولة الصهيونية، أهي دولة علمانية أم دولة دينية؟ إذا كانت علمانية فلا بد من النظر إلى اليهودي كطائفة إثنية، وهنا لا بد من مواجهة التيارات التي ترى أن اليهود جماعة دينية ذات عقيدة لاهوتية، وليست مجرد عرق. وفي آخر البحث يلفت مينولو الانتباه إلى تساؤلات وإشكالات حول النقد الموجه للدولة الصهيونية، فهل القضية هي نقد الدولة الصهيونية بما هي صهيونية؟ أم القضية هي نقد الدولة القومية؟ إذ يرى أن القضية هي نقد الدولة القومية، فلا بأس أن تكون هناك دولة متعددة القوميات (=بوليفيا والإكوادور)، ويختم بقوله إن اتخاذ إسرائيل شكل الدولة القومية سيجعل من الصعب وجود حل لصراع فلسطين/ إسرائيل.

تأتي ورقة أرتيمي ماغون بعنوان "كارل ماركس وحنا أرندت في المسألة اليهودية: اللاهوت السياسي بوصفه نقدًا" التي يظهر فيها التقارب الغريب – على حد تعبير الباحث – بين حجج كارل ماركس وحجج حنا أرندت بخصوص "المسألة اليهودية". إذ كلا المؤلفين يفسّر المشكلات المحددة المتصلة بالدور السياسي لليهود كجماعة إثنية دينية متميزة، في سياق أكبر من مجرد الاختلاف والسجال بين اليهودية والمسيحية كمذهبين لاهوتيين سياسيين، إلا أن سياق اللاهوت السياسي ظاهر في أدبيات كارل ماركس، وباطن في أدبيات أرندت.

إلا أن الباحث ينص على أن السياق نفسه متحد تمامًا في الجوهر، فالإصلاح الأوروبي في جوهره كان إصلاحًا للدين من خلال الدين، وينقل عن كارل شميت مقولته أن "كل المفاهيم المهمة لنظرية الدولة الحديثة كانت مفاهيم لاهوتية معلمَنة". ويجري الباحث مقارنة بين أدبيات ماركس وأدبيات أرندت، راصدًا أوجه الشبه بين تحليلهما ونقدهما، من حيث إن هذه العلمانية الظاهرة في السطح ليست تخليًا عن الدين على الحقيقة، ولا جاعلةً إياه محصورًا في المجال الخاص، بل هي رجوع إلى العصور المبكرة للدين، بحيث يظل في الباطن متحكمًا في المجال العام وإن كان يبدو ظاهريًّا في المجال الخاص.

أما بحث مارك هـ.. إليس الذي عنوانُه "ملاحظات حول عدم الاستقرار النبوئي للصهيونية"، فهو يعتبر أن النبوءات والصفات ليست المحدد لمن هو اليهودي، ولا من هو الصهيوني – لاحقًا –، بل هناك فهوم متعددة لمن هو اليهودي، ومن هو الصهيوني، وهذا ما يحتاج إلى تفكيك، وهو ما صنعه الباحث كما صنعه باحثو هذا الكتاب الذي نحن بصدده. ولعل مربط الفرس في أسلوب الباحث التفكيكي هو إخضاع مفهوم اليهودية والصهيونية للحظة التاريخية الواقعية، وهكذا فلا ثبات لا لمفهوم اليهودي ولا لمفهوم الصهيوني، ومن هذا الملْحَظ في التفكيك ينظر مارك إلى كلا المصطلحين، غير غافلٍ عن زوايا أخرى من وجهة نظر التاريخ، ومن وجهة نظر الواقع، ومن وجهة نظر الفلسطينيين الذين تقوم الدولة الصهيونية على أرضهم.

ومن حيث التاريخ الحديث يناقش الباحث الصهيونية التي دعمت موقفها بما أسماه "لاهوت الهولوكوست"، وبالخصوصية اليهودية التي لها عدة أطر تتبدّل حسب التاريخ. ثم يعرج على التفكيك النبوئي للصهيونية، ويناقش تلك الأساطير المؤسسة للدولة الصهيونية، وكيف تتعدد أفهامها عبر التاريخ من النقيض إلى النقيض.

وفي بحث كريستوفر وايز حول "روح الصهيونية: دريدا، الـ"رواح"، وحق المولد المسروق"، ينطلق من كون دريدا يعطي مفهوم "الروح/ الطيف"، معنى يجعله يدين لمفهوم "الرواح" العبري، رغم أن هذا المفهوم نفسه متأثر بمفهوم "الهيكا" المصري، والـ"نياكسيمالا" السونينكي، و"نياما" الماندي، التي تؤدي المعنى ذاته في مفهوم "الرواح" العبري؛ إلا أن دريدا (اليهودي) يريد أن يجعل لليهود سمة مميّزة وبارزة وخاصّة ضمن تاريخ الفلسفة الأوروبية. وهو كذلك يعطي مفهوم (المسيحانية) هذه الفرادة المرتبطة بنبالة الدم، التي تعزز الأساطير المؤثرة بين الصهاينة المسيحانيين في إسرائيل، والأصوليين المتشددين في أمريكا كذلك، ومن هنا يستنتج الباحث أن دريدا كأنه يسعى إلى حل ثيوقراطي لا علماني للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، غير أن الباحث يزري بكلام دريدا حول مفهوم "الرواح" ونبالة الدم، ليقول إن كثيرًا من الشعوب لديها الفهم ذاته حول طهارة العرق وحمايته من التلوث.

وبعد جولة في مفهوم "الرواح" في كتابات دريدا، يوجه الباحث نداءه إلى قراء دريدا ومحبيه ليقول: "قد يظل المرء يحب فكر دريدا ويبجل المفكر من أجل مساهماته المهمة بشكل جلي في الفكر النقدي المعاصر، في حين يعترف بأن آراء دريدا في الصهيونية لم تكن تمثل ما هو الأكثر نموذجية في فكره، كما تظهر قراءة دقيقة متأنية لكتابات دريدا حول مسألة الصهيونية. إنه دافع عن الصهيونية، معترفًا بإمكانية الدفاع عنها بالمعنى "الواقعي" أو "الماكيافيللي". لنقتطف من دريدا نفسه في محاضرة ألقيت في القدس في عام 1988 قوله: "من نافلة القول إن وجود [دولة إسرائيل] يجب الاعتراف به من الآن فصاعدًا من قبل الجميع وضمانه بشكل نهائي".

يشارك الباحث رانجانا خانا بورقته التي عنوانها "ركس، أو نفي التيه"، وهي قراءة تفكيكية لمجموعة أعمال أدبية تعالج مسألة النفي والتيه الحاضرة في العقل اليهودي الجمعي، والتي هي أساس الدولة الصهيونية التي قامت على جمع المنفيين من الشتات في دولتهم المأمولة.

يعرّج على مقالة "إبراهيم، الآخر" التي كتبها دريدا والتي يبدي فيها عدم ثقته بأية جماعة أو عرق أو إثنيّة خضوعًا لإرثه كيهوديّ، وعلى رواية آدم يبعث حيًّا التي كتبها يورام كانيوك، والتي كتبها لمعالجة سياق الهولوكوست وألم البقاء في إسرائيل. كما يتناول فكرة نتا فان في كتابها اختلاف إسرائيل الذي أبدت فيه شعورها بتناقض دولة إسرائيل القائمة على أسس وأساطير دينية، وفي الوقت نفسه هي دولة ليبرالية حديثة! وكذا يفعل في تناوله كتاب المحاكاة لإريش أورباخ، الذي يتكلم عن مفهوم النفي، ويمرّ برواية يوليسيس لجويس، وغيرها من الأعمال التي تعالج المسألة نفسها.

يبيّن سانتياغو زابالا خطورة التفكيك كموقف تأويلي في ورقته "الموقف التأويلي: أن تكون خارج هوامش الصهيونية السياسية"؛ إذ التفكيكية غالبًا –كما يقول– تحض أتباعها على اصطفاف سياسيّ ما، ربما يكون خطرًا، لافتًا الانتباه إلى مارتن هايدغر من حيث كونه من كبار فلاسفة التأويل في العصر الحديث، والذي أيّد النازيّة، ورفض تعيين بعض المناهضين للنازية في جامعة فرايبورغ عام 1933م.

يصرّح زابالا بوضوح أن فصله القصير إنما كتبه تأييدًا للموقف التأويلي لصالح الفلسطينيين المهمشين خلف الجدار الإسمنتي (إشارة إلى جدار الفصل العنصري)، ومن خلال كلام هايدغر عن "الكينونة"، كما يقرر الباحث أن عمليات التهجير التي قام بها الصهاينة ضد الفلسطينيين ليست مجرد نزع الوطن من أيدي أصحابه، بل هو إلغاء لكينونتهم كذلك.

وفي ورقته "المجاز المرسل الصهيوني"يُسقط مايكل ماردر نوعًا من أنواع المجاز المرسل هو التعبير عن الكل بذكر الجزء، يسقطه إسقاطًا بديعًا على اتخاذ جبل صهيون ذريعة لاحتلال وطن بأكمله. إنها حيلة بلاغية ماكرة للاستيلاء على أوطان الآخرين كما هو مؤدى بحثه.

ليس هذا فقط هو الإسقاط الوحيد الذي يشير إليه ماردر، فمدينة القدس تعامل نفس المعاملة، وكذا قلع أشجار الزيتون الفلسطينية هي كناية عن قلع المواطنين ذوي الجذور الممتدّة. وفي تفصيل لافت للذهن ينتقل الباحث من "مجاز" إلى "مجاز" يستعمله الصهاينة بمكر واحتيال في أيديولوجيتهم المدمّرة ولغتهم العمياء التي يستعملونها لتبرير جرائمهم.

أما لويس إيريغري فيقدّم ورقته بعنوان "تقاسم الإنسانية: نحو تعايش سلمي في الاختلاف" وعنوان ورقته يشي بمضمونها، يبدؤها بهجوم على السياسيين الذين يوهمون أن حل الصراعات يمكن أن ينتهي باجتماعات ومؤتمرات، ويلج مباشرة إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يوهم السياسيون أن حله ثنائي، مع أن القوى غير متكافئة أصلاً. ويقدم – بعد هذا – قواعد نظرية يوصي بها تأصيلاً للتعايش السلمي في الاختلاف، تجدها مبثوثة في فصول الورقة، فمن ذلك كلامه عن العبور من الانتماء الطبيعي إلى التعايش المدني، ويسلط الضوء على أهمية القانون المدني الذي يكفل لجميع الأطياف والمذاهب والديانات حقوقها. ويتكلم عن أسلوب ديمقراطي أممي.

شارك :

التعليقات (1)

أضف تعليق