الاختراق الإسرائيلي لإفريقيا

طباعة 2017-04-02
الاختراق الإسرائيلي لإفريقيا

تأليف: حمدي عبد الرحمن

الكتاب: الاختراق الإسرائيلي لإفريقيا

الناشر: منتدى العلاقات العربية والدولية

سنة النشر: 2015

عدد الصفحات: 128

 

 

صدر عن منتدى العلاقات العربية والدولية بالدوحة، كتاب " الاختراق الإسرائيلي لإفريقيا" للباحث حمدي عبد الرحمن. استهل المؤلف كتابه بمقدمة حلل فيها الخطاب السياسي والإعلامي الصهيوني الموجه لإفريقيا، حيث يرى أن هذا الخطاب منذ بداية إعلان نشأة الدولة العبرية قد استخدم قضية المقارنة بين تجارة العبيد ومحرقة اليهود كإحدى أدوات الاختراق الإسرائيلي لكسب عقول وقلوب الأفارقة، وكيف تستغل الصحافة الصهيونية المآسي الإنسانية التي تعرضت لها المجتمعات الإفريقية في الترويج لقضية المحرقة التي تعرض لها اليهود بما يعني المشابهة بين التاريخين اليهودي والإفريقي.

عبر سبعة فصول وخاتمة يحلل المؤلف في هذا الكتاب أهداف ومحددات السياسة الإسرائيلية تجاه إفريقيا، كما يناقش بعض القضايا الإشكالية المتعلقة بالوجود الإسرائيلي في إفريقيا، ويثير كذلك مسألة الثابت والمتغير في العلاقات الإفريقية الإسرائيلية، وعلاقة ذلك كله بسؤال الأمن القومي العربي. المؤلف حمدي عبد الرحمن مؤسس برنامج الدراسات المصرية الإفريقية بجامعة القاهرة، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة زايد، له العديد من الأبحاث والدراسات المختصة في الشأن الإفريقي. وانطلاقا من طبيعة نشأتها الاستعمارية في المنطقة ومحاولاتها لتقويض أسس ودعائم الأمن القومي العربي ودعائمه، يرى الباحث أن إسرائيل حاولت تحقيق جملة من الأهداف في بناء علاقاتها الإفريقية. وأن هذه الأهداف تتسم بقدر من الثبات والتغير، ومن ثم فإن ترتيبها في سلم أولويات صانع القرار الإسرائيلي قد يتغير من مرحلة إلى أخرى. بيد أن الدولة العبرية لها طبيعتها وخصائصها باعتبارها كيانا يقوم على ركائز توراتية وتوسعية ترمي في نهاية المطاف إلى تأسيس إسرائيل الكبرى. وإنها لمفارقة طريفة أن الدولة التي ادعت أنها قامت لحل المسألة اليهودية في العالم وتخليص اليهود من مخاطر الاضطهاد العنصري والإحساس بعدم الأمن باتت هي نفسها تعاني من الإحساس المزمن بانعدام الأمن. لقد أضحت القضية المحورية التي تهيمن على الحياة السياسية في الدولة العبرية سواء داخلياً أو في التعامل الخارجي، تتمثل في الحاجة إلى الأمن. وباعتبار الحقائق الجيوسياسية والاستراتيجية والاقتصادية المميزة للقارة الإفريقية حدد المؤلف خمسة أهداف أساسية للوجود الإسرائيلي في إفريقيا:

1- كسر حدة العزلة الدولية التي فرضتها عليها الدول العربية ومن سار في فلكها.

2- كسب تأييد الدول الإفريقية من أجل تسوية الصراع العربي الإسرائيلي.

3- العمل على تحقيق أهداف أيديولوجية توراتية خاصة بتقديم إسرائيل على أنها دولة "نموذج" لشعب الله المختار. يفسر ذلك أن إسرائيل اعتمدت دائما على تقديم المساعدات التقنية والتنموية للدول الإفريقية حتى في حالة عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية معها.

4-السعي لتحقيق متطلبات الأمن الإسرائيلي من حيث تأمين كيان الدولة العبرية وضمان هجرة اليهود الأفارقة إلى إسرائيل وفقا لقانون العودة، والحيلولة دون أن يصبح البحر الأحمر بحيرة عربية.

5 - بناء قاعدة استراتيجية لتحقيق الهيمنة الإقليمية (Hegemony) لإسرائيل وذلك من خلال ما يمكن تسميته مبدأ شد الأطراف حيث تعتمد إسرائيل على النيل من أطراف نظام الأمن العربي باعتباره المستهدف في الاستراتيجية الإسرائيلية. إن عملية التسوية السلمية في الشرق الأوسط والتي بدأت مع مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 أدت إلى تأمين الكيان الصهيوني بالمعنى العضوي والسياسي وذلك بعد دخول الأطراف الأساسية هذه العملية (مصر والأردن والسلطة الفلسطينية). ومن ثم فإن الأهداف الإسرائيلية في إفريقيا لابد وأن يصيبها التبدل والتغير بحيث تعطي أولوية للاعتبارات الاستراتيجية الخاصة بالهيمنة وفتح أسواق جديدة للاستثمار. وبعد إعلان قيام دولة الاحتلال عام 1948، أولى صُناع القرار فيها اهتماما كبيرا بتأسيس علاقات قوية وراسخة مع القوى الكبرى الأساسية في العالم مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والاتحاد السوفيتي، إلا أن هذه الجهود لم تكسر حاجز العزلة الذي فرضته عليها الدول العربية حينها، فسعت دولة الاحتلال إلى البحث عن صك الشرعية الدولية من خلال الحصول على الدعم السياسي من الدول الإفريقية في المحافل الدولية ولا سيما فيما يتعلق بمشكلة الشرق الأوسط، ففي أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي أضحت إفريقيا أولوية قصوى في أجندة السياسة الخارجية الإسرائيلية وقد اتضح ذلك بجلاء من قيام إسرائيل بتأسيس علاقات دبلوماسية مع نحو من (33) دولة إفريقية خلال عقد الستينيات.

ويلاحظ أن عدد السفارات الإسرائيلية التي احتضنتها إفريقيا آنذاك قد مثل نحو نصف إجمالي السفارات الإسرائيلية حول العالم. لم يقتصر النشاط الإسرائيلي في إفريقيا على المجال السياسي والدبلوماسي وإنما امتد ليشمل التعاون الفني والتقني ولا سيما في مجالات التدريب والري والزراعة وتنمية المناطق القاحلة وخدمة المجتمع وحركات الشبيبة. وقد استطاعت جولدا مائير في عام 1958 إقناع بن جوريون بنقل الإشراف على هذه الأنشطة من رئاسة الوزراء إلى وزارة الخارجية. وبالفعل تم إنشاء وحدة خاصة باسم مركز التعاون الدولي أو مشاف (MASHAV) للإشراف على هذه الأنشطة والتنسيق مع المنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة والدول المانحة.

يرى المؤلف أن السنوات الواقعة بين عامي 1967-1973 اتسمت بتدهور تدريجي في العلاقات الإسرائيلية الإفريقية ويعزى ذلك إلى تغير مدركات الأفارقة تجاه أزمة الشرق الأوسط؛ إذ نجحت الجهود العربية في منظمة الوحدة الإفريقية وفي الأمم المتحدة في استصدار قرارات بإدانة إسرائيل وسياساتها التوسعية. وعلى أية حال فإن قطع علاقات دول منظمة الوحدة الإفريقية الديبلوماسية بإسرائيل لا يعني قطع العلاقات الاقتصادية المتبادلة بين إسرائيل وإفريقيا. فقد قامت إسرائيل بتسليم دول أخرى مهام الإشراف على مصالحها الإفريقية. وقد عمدت إسرائيل من خلال ما يسمى سياسة "المساعدات" والقروض للدول الإفريقية إلى اشتراط قيام الدول الإفريقية بتخصيص مشاريع تنموية تكون إسرائيل مسيطرة عليها، أو تقوم هذه المشاريع بشراء المعدات والمنتوجات الإسرائيلية.

ولم تدم هذه الحالة طويلاً ففي نهاية عقد الثمانينيات كانت العلاقات الإسرائيلية مع إفريقيا قد عادت إلى سابق عهدها حيث قررت إسرائيل في عام 1986 الانضمام إلى الحملة الدولية لمقاطعة جنوب أفريقيا. كما أن الروابط التجارية والثقافية والعسكرية مع إفريقيا ازدادت بشكل ملحوظ، وأصبحت العلاقة أكثر عقلانية ورشاداً وتعتمد على معيار المصلحة المتبادلة وعلى المعيار الثنائي عوضاً عن المنظور الجماعي الذي ميز الحركة الإفريقية تجاه إسرائيل في أعقاب حرب أكتوبر عام 1973.

وبنهاية عام 1993 كانت سبع دول إفريقية قد أعادت علاقاتها الدبلوماسية مع "إسرائيل". وفي العام التالي تبعتها عشرة دول أفريقية أخرى. وبنهاية عقد التسعينيات وصل عدد الدول الإفريقية التي أعادت علاقاتها أو أسست علاقات جديدة مع إسرائيل أربعين دولة، وهو ما يتجاوز العدد الذي تحقق في الستينيات. والملفت هنا أن دولاً إفريقية جديدة لم يكن لها علاقات من قبل بالكيان الإسرائيلي قد أضيفت إلى القائمة، ومن ذلك المستعمرات البرتغالية السابقة (أنجولا وموزمبيق، وغينيا بيساو، وساوتومي وبرنسيب) بالإضافة إلى زيمبابوي وناميبيا وأرتيريا وموريتانيا. ومن المثير للدهشة أن رد الفعل الإسرائيلي على هذه العودة الإسرائيلية المتسارعة اتسم بالفتور الشديد وعدم الحماسة.

 فقد ارتبطت تلك المرحلة بإقامة علاقات إسرائيلية مع كل من الهند والصين في آسيا وبحركة تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع العالم العربي. وعليه أضحت حركة إسرائيل في إفريقيا محكومة بالاعتبارات والأولويات الاستراتيجية والاقتصادية. وبصفة عامة قامت إسرائيل بافتتاح سفارات لها في إحدى عشرة دولة إفريقية هي إثيوبيا وإرتيريا وكينيا وأنجولا والكميرون ونيجيريا وكوت ديفوار والسنغال، ومصر وجنوب إفريقيا وموريتانيا. كما يبحث الكتاب في وسائل الاختراق الإسرائيلي فيرى أن دولة الاحتلال تستخدم برنامج التعاون الدولي لتحقيق أهداف سياستها الخارجية تجاه إفريقيا. يعني ذلك أن سياسة المساعدات التنموية التي تقدمها "إسرائيل" للدول الإفريقية تمثل تطبيقاً عملياً لمفهوم القوة الناعمة.

ومما يزيد من فاعلية هذه السياسة أن إسرائيل تضفي عليها بعداً ثقافياً وأخلاقياً من خلال:

- التأكيد على أن إسرائيل، وهي دولة محدودة الموارد، ترسل ما لديها من خبراء وفنيين بدلاً من الأموال التي تفتقر إليها من أجل مساعدة الدول الإفريقية في مجالات تنموية متعددة مثل الري والزراعة والصحة العامة وتنمية المجتمعات المحلية وما إلى ذلك.

- طرح المفهوم الرسالي للشعب اليهودي وفكرة الخلاص وهو ما يتضح في كتابات الجيل المؤسس للدولة العبرية.

- تقديم المساعدات التنموية باعتبارها تمثل منظومة القيم للشعب اليهودي في مختلف أنحاء العالم.

وقد احتلت الزراعة الأهمية القصوى في مجالات المساعدات الإسرائيلية لإفريقيا حيث دأب الخبراء الإسرائيليون على:

- إنشاء مشروعات زراعية متخصصة تقوم على التكنولوجيا الملائمة وتبني محاصيل جديدة.

- إنشاء مزارع ومراكز تدريبية.

- تنظيم المؤسسات الريفية.

- تخطيط مشروعات التنمية الريفية الشاملة.

على أن إسرائيل قدمت الدعم الفني في مجالات أخرى مثل الصحة العامة والتعليم والإعمار والعمل الاجتماعي وتطوير المجتمع المحلي. ويختتم الباحث كتابه بعدد من المفاهيم والمضامين التي تصلح لإقامة حوار استراتيجي جديد يتجاوز إشكاليات الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على دول الأركان للعالمين العربي والإسلامي في القارة الإفريقية، ويردف بقوله: إن التحديات المطروحة في ظل النظام الامبريالي العالمي الجديد هي جد خطيرة كما أن الهجمة الإسرائيلية الراهنة على جوارنا الإفريقي تعد أشد خطرا، ومن ثم فان الاستجابة لها لابد أن تكون على المستوى نفسه من الجدية، وعليه فإن الخطر الذي يتهدد الفضاءين العربي والإفريقي يتطلب حتمية التعاون والحوار الاستراتيجي بينهما.

شارك :

التعليقات (0)

أضف تعليق