حركة القومية الهندوسية وكيف غيرت الحياة السياسية الهندية وهمشت المسلمين

طباعة 2023-04-12
حركة القومية الهندوسية وكيف غيرت الحياة السياسية الهندية وهمشت المسلمين

الكاتب: ظفر الإسلام خان

الناشر: منصة إدراك المعرفية

سنةالنشر: 6 ذوالقعدة 1443 ه، الموافق 5/6/ 2022 م

عدد الصفحات: 54 صفحة

مراجعة: عبد الصمد بنعباد

 

منذ البدء، يفاجئنا الكاتب ظفر الإسلام خان بخلاصاته الصريحة والمربكة، لقرن من الصعود القومي الهندوسي في الهند، والتي من أهمها أن حركة "الهندوتوا" (القومية الهندوسية)، حمت زعماءها من مسؤولية اغتيال "غاندي"، وأنها رفضت مقاومة الاحتلال الإنجليزي، وبكونها قريبة من "النازية"، واليوم تجد في ممارسات الاحتلال الصهيوني لفلسطين نموذجًا ومثالًا.

ففي المقدمة الصغيرة لكتابه، أعلن أن هدف الهندوتوا[1] إنشاء وطن قومي هندوسي خالص، مرتكزين في مشروعهم على الدعاية الكاذبة المكثفة، تصور الهندوس أكثرية مهضومة الحقوق في بلدها، بل ومهددة في وجودها وديانتها وثقافتها، من قبل الأقلية المسلمة التي كانت تتجاوز 180 مليون نسمة وسط 900 مليون[2].

ولأن الكاتب يريد إشراكنا في مسؤولية الوعي بما يحصل لمسلمي الهند، فقد نقلنا مباشرة إلى قضية المسجد البابري، في بلدة أيودهيا، باعتباره تلخيصًا مركزًا لجوهر الحرب المعلنة على مسلمي الهند، فهو المسجد الذي يريده الهندوس معبدًا، والذي جعله حزب الشعب الهندي، سلمًا لصعوده السياسي[3].

أحلام النهضة الهندوسية

هذا العنوان الأول في كتاب ظفر الإسلام خان، اختزل فيه تعريف القومية الهندوسية، وجعلها قائمة على ركنين: أولهما العداء للمسلمين، والثاني إقامة دولة للهندوس، بعد دمج باقي الطبقات والأقليات فيها تحت مسمى "أبناء الهند".

وعند حديثه عن الركن الأول للعقيدة النهضوية الهندوسية، سجل الكاتب أن الآباء المؤسسين للقومية الهندوسية، كانوا معادين للوجود الإسلامي بالهند، وبلغ بهم الحقد إلى حد تصوير ثورة الهند ضد الاحتلال الإنجليزي، لسنة 1857، على أنها محاولة لإعادة الحكم الإسلامي للهند[4].

وقدم دليلًا على إفادته، رواية "بيت السعادة"، التي تحكي قصة كفاح الهندوس للتحرر من الحكم الإسلامي، حيث تنتهي بهزيمة المسلمين، والأهم أن قائد الثورة لما يطلب من معلمه الإذن بمواصلة لقتال الإنجليز، يرفض المعلم ويأمره بالعودة إلى أعماله[5].

أما الركن الثاني للقومية الهندوسية كما تبشر بها الحركة، فقائم على التغلب على هذا التشرذم، وتوحيد الفرق بين الطوائف الخالصة تحت مظلة واحدة، كما ترى أن الهندوس هم أبناء الهند الحقيقيون ولذلك لابد أن يسودوا الهند سياسيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا، وما على الفئات الأخرى مثل: المسيحيين والمسلمين إلا أن يقبلوا العيش في الهند كمواطني درجة ثانية وضيوف يرضون ما يعطى لهم ولا يطالبون بأي حق[6].

هذه العنصرية لم تصدر بين عشية وضحاها، بل هي نتيجة تكوين وتلقين وتثقيف ممتد في الزمن، فالعقيدة الهندوسية الجديدة جرى التأسيس لها عبر أجيال من خلال كتابات وتنظيمات ابتداء من الآريا سماج (المجتمع الآري) 1857، والهندو ماهاسابها (المؤتمر الهندوسي الكبير) 1915، بل إن مفهوم الهندتوا (الهندوتيفا) اخترع سنة 1923، وصدرت لأول مرة في كتاب " We or Our Nationhood Defined " المنشور في 1939 الذي يُعد الكتاب المقدس للحركة[7].

أصول الحركة الهندوسية السياسية

يقطع الكاتب بأن أصول الحركة الهندوسية تعود إلى الإنجليز، الذين اعتمدوا مذهب فرق تسد بين المسلمين والهندوس، ولو أدى بهم الأمر إلى "اختراع" تاريخ جديد يدين حكم الإسلام للهند، كما وقفوا مع تأسيس حركات من قبيل "المجتمع الآري"[8].

التطهير: البرنامج السياسي للحركة الهندوسية

عند هذه النقطة سجل خان، أن كلمة "شودهي" أو"الهندكة"، انطلقت من عقيدة أن الهنود المسلمين هم ذوي أصول هندوسية، وبالتالي تعمل جاهدة إلى إعادتهم إلى دين أجدادهم وآبائهم، خاصة المسلمين البسطاء والفقراء والفلاحين. ويستدرك بأن هذه المحاولات قديمة جدًّا، وأنها كانت تخلف مواجهات دامية، كما أنها دفعت المسلمين إلى خلق "جماعة الدعوة والتبليغ" سنة 1927 لتعليم المسلمين الأميين مبادئ الدين الحنيف، وأصبحت بمرور الزمن حركة عالمية[9].

بعد "التطهير" العرقي، والدعوة الهندوسية، فتحت معركة اللغة، من خلال فرض اللغة "الهندوستانية"، زاعمين أنها لغة الهندوس، وألغوا اللغة "الأردية" التي كانت هي الشائعة رسميًّا وشعبيًّا، وكانت تكتب بحروف عربية، بعد أن وصفوها بكونها "لغة المسلمين"، رغم أن أصل اللغتين واحد، فالنسيج العام مشترك بين اللغتين، وكلتاهما لغة هندية أصيلة، كما أن المسلمين تلقوا وعودًا بأن الهند المستقلة ستعتمد لغة تكتب بالحروف الهندية والعربية، غير أن الحروف الهندية هي التي فرضت بعد الاستقلال[10].

ظهور "الآر إس إس"

في بحثه عن أصول القومية الهندوسية، يتوقف عند ميلاد "الآر إس إس" في سنة 1925، وهي اختصار لاسم منظمة "راشتريا سوايم سيواك سنغ" التي تعني "منظمة الخدمة الذاتية القومية"، وهي حركة شبه عسكرية، أخذت من الحركتين النازية والفاشية الكثير من الأفكار؛ كفكرة النقاء الجنسي، والفلسفة السياسية، وملابس أعضائها ونظام تدريباتها؛ التي أحضروها من بعد زيارة قادتهم لألمانيا وإيطاليا. وهم يذكرون ذلك بصراحة في أدبياتهم[11].

العلاقة بين النازية والهندوسية، لا تقف عند الأيديولوجيا والتعلم، بل تمتد إلى الجانب العرقي، حيث يرى زعماء الحركة الهندوسية أن الطبقات العليا من الهندوس هم "آريون" نزحوا نحو أوروبا قبل نحول 3 آلاف سنة، وأنهم أبناء عمومة الألمان، ويستخدم كل من النازيين وغلاة الهندوس علامة الصليب المعكوف أو "السواستيكا" كشعار[12].

ويقدم الكتاب نموذج اغتيال الزعيم الهندي دليلا على مدى خطورة الحركة القومية الهندوسية، حيث كان زعماء الحركة يعتبرون غاندي مسؤولًا عن التقسيم (الهند وباكستان)، وحماية مسلمي الهند، وقيام دولة علمانية في الهند، والتخاذل أمام باكستان، فقتله أحد أعضاء هذه الحركة، في يناير 1948، وأعدم هو وحده، بينما نجا المهندس الحقيقي للمؤامرة "ساوركر"، زعيم منظمة الآر.إس.إس.، لعدم ثبوت الأدلة[13].

استراتيجية الآر.إس.إس.

بعد اغتيال "غاندي"، وحظرها من قبل السلطات الهندية، عدلت منظمة الآر.إس.إس. استراتيجيتها، فتقدمت بطلب عفو للسلطات عرضت فيه التحول من منظمة سياسية إلى منظمة ثقافية، حيث شرعت منذ فبراير 1948 في خلق عشرات المنظمات الفرعية، المتخصصة لكل ميدان من ميادين الحياة، مثل العمل السياسي والفلاحين، والعمال، والطلبة، والقبليين، والعمل الجماهيري، والعمل المسلح، والعمل الديني، ورجال الجيش المتقاعدين، وتدوين التاريخ، وإدارة المدارس وتدوين التاريخ، ووضع الكتب المدرسية.. إلخ[14].

ويضيف الكتاب أن المنظمة نجت بفعل المنظمات الفرعية من عقوبات السلطات الحكومية في الهند، فرغم صدور قرارين بحظرها خلال فترة الطوارئ سنة 1977، وسنة 1992 بعد تورط عناصرها في أحداث مسجد "البابري"[15] إلا أنها واصلت أنشطتها وتوسعها في الحياة العامة للمجتمع الهندي[16].

لم تكتف منظمة الآر.إس.إس. بخلق منظمات مدنية فرعية، بل قامت بإنشاء أحزاب سياسية، خادمة لنفس فكرتها الأصلية، فكأن أول الأحزاب ظهورا "الجان سانغ" الذي تأسس سنة 1951، وحزب الشعب الهندي، الذي تأسس سنة 1980، ويحكم البلاد منذ انتخابات 2014، و2019 [17]. ويبقى الأخطر أن المنظمة أنشئت في 1964، "الويشوا هندو باريشاد" (المنظمة الهندوسية العالمية)، وجناحها المسلح الشبابي "باجرانغ دال" (جيش باجرانغ) للشباب، ودورغا واهني (جيش دورغا) للشابات[18].

الأخطار الثلاثة في نظر "الهندوتوا"

وحددت الحركة القومية الهندوسية ثلاثة أخطار "داخلية" تواجه الهندوس أو الهند، متمثلة في المسلمين، والمسيحيين، ثم الشيوعية[19]. وتقول الآر.إس.إس. عن هذه الأخطار الثلاثة: إلى أن يغير هؤلاء أسلوب فكرهم وينصهروا تمامًا في الثقافة الهندية لن يتم قبولهم كهنود، بل سيظلون ضيوفًا ولن تكون لهم حقوق خاصة[20]. ويكشف الكتاب أن الآر.إس.إس. لا تكون صريحة حول هذه الأفكار في أدبياتها باللغة الإنجليزية، ولكنها لا تخفي شيئًا في كتاباتها ومنشوراتها باللغة الهندية، حيث يصفون المسلمين بـ"الأفاعي الأجنبية" Yawan saanp[21].

التخويف من المسلمين

يلعب زعماء الهندوس ورقة "الهندوسية في خطر"، وذلك للتخويف من المسلمين، الذين سيصبحون أكثرية في البلاد، وأنهم يستحوذون على تسهيلات الحكومة على حساب الهندوس، في دعاية مناقضة للواقع الذي يحتكر فيه الهندوس كل جوانب الحياة من سياسية، وبيروقراطية، واقتصادية، وإعلامية، وشرطة، وجيش، ومخابرات، إلخ[22].

توحيد الهندوس

يسجل ظفر الإسلام، أن منظمة الآر.إس.إس. تهدف إلى توحيد الهندوس المشتتين على الطوائف، والطبقية المترسخة بين الهندوس، وأيضًا متجاهلة المعتقدات الدينية الهندوسية المتصادمة ببعضها، فاختارت ثلاثة أركان لتوحيد الهندوس؛ أولها: الوحدة الجغرافية، ثانيًا: الأصول العرقية المشتركة، ثالثًا: الثقافة المشتركة، وكل من يشترك في هذه الأركان الثلاثة فهو "هندوسي"[23]، ووضعت برنامجًا رياضيًّا وأيديولوجيًّا، واختارت العلم الأصفر أو الزعفراني علمًا لها وللهند سنة 1927، ولم تعترف بعلم الهند إلا سنة 2002 [24].

الآر.إس.إس. والسياسة

لم تكن ولادة الجناح السياسي للحركة القومية الهندوسية سهلة، لكن وفاة رئيس الوزراء جواهر لال نهرو 1964 [25]، وحصول قيادتها على العفو عقب حكومة الطوارئ 1977، سرع من وتيرة انتشارها السياسي حيث عملت على إسقاط حكومة إنديرا غاندي[26]، وانخرط حزبها آنذاك "الجان سانغ" في تحالف جديد أطلق عليه حزب الشعب (جاناتا)، لكن تم طرد الجان سانغ منه، ليؤسسوا "حزب الشعب الهندي" سنة 1980، الذي رفع شعار "الاشتراكية الغاندية"، بعد أن كان "الجان سانغ" يطالب بتطبيق نمط رأسمالي على الطراز الأميركي[27].

يعرض الكاتب للتطور السياسي لحزب الشعب الهندي، الذي تمكن في 1995 من حكم ولاية "كوجرات"، حيث بسط سيطرته عليها سياسيًّا، ويحكمها منذ ذلك التاريخ، وهي نفسها الولاية التي شهدت أعمال عنف راح ضحيتها أكثر من 3 آلاف مسلم، ودمرت أملاك المسلمين ببلايين الروبيات (العملة الهندية)، وكان رئيس وزراء الولاية آنذاك هو "ناريندرا مودي"، رئيس الوزراء الحالي للهند، الذي اتهم بالتواطؤ ضد المسلمين، خاصة بعد قيام الحكومة المحلية بحماية المجرمين، وتبرئة من تم اعتقاله وسجنه، كما تمت معاقبة المسؤولين والضباط الذين لم ينفذوا الأوامر أو كشفوا الأسرار[28].

يضيف خان، أن نتائج "كوجرات" كانت كارثية على مسلمي الهند، حيث جرى إخراج المسلمين من مئات القرى، التي كتب عليها "الدولة الهندوسية"، حيث تجاوز النازحون أكثر من 100 ألف نسمة، ممنوعون من العودة إلى بيوتهم وأملاكهم، ويعيشون في أكواخ بضواحي مدن كوجرات كمدينة أحمد آباد، حيث انطلقت حملة تهميش المسلمين بشكل تام رغم أنهم يمثلون 10 بالمئة من سكان الولاية[29].

كوجرات سنة 2002 تحولت إلى نموذج يقتدي به أتباع الحركة القومية الهندوسية، وعلى منوالها ارتكبت جرائم بحق المسلمين في مناطق أخرى من البلاد، مراهنة على كسر شوكتهم السياسية والاقتصادية وطردهم من أراضيهم، كما جرى عقب اضطرابات "بودو لاند" في آسام 2012، ومظفر ناغار 2013، واضطرابات "تريبورا" التي اندلعت بعد خروج مظاهرة للهندوس سبوا فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، ورفعوا شعارات ضد المسلمين، غير أن اللافت أن الحكومة الهندية نفت وقوع هذه الاضطرابات، وقررت متابعة الصحافيين والحقوقيين، الذين بلغ عددهم 102 متابعًا، كما راسلت شركات التواصل الاجتماعي لإغلاق حسابات النشطاء الذين يقدمون رواية تخالف رواية الحكومة[30].

حزب الشعب الهندي

استفادت الآر.إس.إس. من الظروف التي دخلتها البلاد بسبب قانون الطوارئ لسنة 1975، ونجحت بعد تحالفها مع أحزاب أخرى، في الفوز بانتخابات 1977، ليتمكن اثنان من رموزها من الحصول على مناصب حكومية، وأصبح "الجان سانغ" ممثلًا في الحكومة بوزير الخارجية، أتال بيهاري واجبايي، ووزير الإعلام، لال كريشان، غير أن ممارسات "الجان سانغ" دفعت حلفاءه في حزب الشعب الهندي إلى دعوته للتخلي عن برنامجه الخاص، والعمل ضمن التحالف، وهو ما رفضه الحزب، الجان سانغ، وهو دفع حزب الشعب الهندي إلى طرده من التحالف[31].

الصحة الهندوسية

في 1981، اعتنقت 181 أسرة من المنبوذين الهندوس الإسلام، بولاية تاميل نادو، فأطلقوا ما سموه "رد الفعل الهندوسي"، الذي تجاوز المتطرفين، وحظي بدعم رئيسة الوزراء الهندية أنديرا غاندي، التي كانت توصف بأنها "علمانية"، وبتشجيع منها أنشئ "ويرات هندو سميلان" (المؤتمر الهندوسي العالمي)، من طرف قيادات حزب المؤتمر الوطني (علماني)، وأصبح فيما بعد جزءًا من المنظمة الهندوسية العالمية التابعة للآر.إس.إس[32].

اكتشاف قضية المسجد البابري

حزب الشعب الهندي "الوليد"، بحث عن قضية تحقق له الحضور في الحياة العامة الهندية، فلم يجد أبسط من تهييج الرأي العام عبر ترويج ادعاء يقول بأن المسجد يقوم على مسقط رأس آلهة الهندوس "راما"؛ مما يوجب هدمه، لإنشاء معبد مكانه، فدخل الحزب معركة هدم المسجد التاريخي الذي بني سنة 1527م في بلدة "إيودهيا" شمال الهند[33].

يعتقد خان أن "البابري" يعد مسألة مفصلية في تاريخ المسلمين في الهند، لذلك يعرض تاريخ محاولات هدمه التي انطلقت مباشرة بعد استقلال الهند، وبالضبط في ليلة 22-23 ديسمبر 1949، لوضع تماثيل "راما" بداخله، وأعلنوا ظهور "معجزة"، فتم إغلاق المسجد ورفعت القضية للمحكمة التي ظلت تماطل 25 سنة، وهي مدة وظفها حزب الشعب الهندي لنيل تعاطف الهندوس والوصول للحكم[34].

وفي سنة 1984 خلقت الآر.إس.إس. "منظمة تحرير مسقط رأس راما"، وشرعت في تلقي تمويلات لبناء المعبد، وكانت التمويلات ضخمة جدًّا من داخل البلاد وخارجها، جرى تحويل جزء منها لتمويل الحملات الانتخابية لحزب الشعب الهندي، فكانت التعبئة في ظاهرها لبناء المعبد، وفي جوهرها حملة دعائية مفتوحة للحزب[35].

العائد السياسي الكبير لقضية المسجد دفعت حزب المؤتمر (علماني)، بحسب الكاتب، إلى التواطؤ مع القضاء لكسر قفل المسجد في 1986، بل سمح الحزب الذي كان يرأس الحكومة بوضع حجر أساس المعبد في قطعة أرض متاخمة للمسجد البابري سنة 1989 [36].

المزايدة بين الحزبين الكبيرين في الهند دفعت الأحداث إلى التسارع، حيث نظم زعماء الحزب في سنة 1990، تظاهرة امتدت 60 يومًا جابوا خلالها البلاد من جنوبها إلى الشمال للتعريف بقضة المعبد، صاحبتها مئات الاضطرابات، راح ضحيتها 3 آلاف من المسلمين، ونهبت وحرقت فيها أملاكهم، ونجح الحزب في جعل قضية المعبد قضية مركزية في الحياة السياسية الهندية[37].

كان يوم 6 ديسمبر 1992 مشهودًا، هدم المسجد البابري على مرأى ومسمع الجيش والشرطة، وانتهى إلى الأبد المسجد الذي عاش مئات السنين، وأقيم مكانه معبد مؤقت، منع المسلمون من الاقتراب منه، بينما لم تجر متابعة أي من منفذي هدم المسجد البابري[38].

وبعد مسار قضائي طويل ومعقد وبطيء، قضت المحكمة العليا في 2019، بإعطاء أرض المسجد كاملة للهندوس، بحجة أنها مسقط رأس الإله "راما"، ما زاد مخاوف المسلمين الذين يجدون أنفسهم محاصرين بدعوات هندوسية لهدم حوالي 3 آلاف مسجد بنفس دعاية بنائها على أنقاض معابد[39].

من العلمنة إلى الهندوتوا

يرسم الباحث قصة تحول حزب المؤتمر الوطني من العلمانية إلى اعتناق مبادئ الهندوتوا (الحركة القومية الهندوسية)، على غرار حزب الشعب، فبعد الهزيمة الانتخابية الأولى في 1977، غير الحزب شعاره الانتخابي إلى رموز دينية ذات قيمة كبيرة في معتقدات الهندوس، فاتخذ شعار "البقرة والعجل"، بل إن رئيسة الحكومة، أنديرا غاندي، قررت لأول مرة افتتاح معبد سنة 1983، وزاد عليها خليفتها من بعدها، راجيف غاندي، افتتاح الأنشطة الرسمية بطقوس تعبدية هندوسية، ودشن حملته الانتخابية بزيارة لمدينة أيودهيا المقدسة معلنًا عزمه إقامة نظام الإله راما[40].

اختراق التلفزيون

يقدم الكاتب صورة أخرى على التحول الذي طرأ على الرسميين في الهند، من خلال التلفزيون الحكومي الذي كان التلفزيون الوحيد المتوفر للمواطنين، حيث شرع منذ بداية الثمانينيات في عرض أفلام مطولة عن أساطير الهندوس مثل "رامايانا"، و"ماها بهاراتا"، وساهم هذا الحقن البطيء للطائفية في تعزيز الشعور القومي للهندوس، استفاد منه حزب الشعب فيما بعد[41].

هذه الاختراقات، جعلت حزب الشعب الهندي يتطور بشكل كبير، ويتحول من صغير "وليد" في 1980، إلى حزب حائز على أغلبية لتشكيل الحكومة منفردًا في انتخابات 1998، قبل أن تعاد الانتخابات في 1999، ويرأس الحكومة في شخص أتال بيهاري واجبائي، بعد تحالف مع 22 حزبًا صغيرًا، وخسر حزب الشعب الهندي انتخابات 2004، لكنه عاد من جديد في عام 2014 برئاسة ناريندرا مودي، بأغلبية مريحة، وجدد فوزه في انتخابات 2019 [42].

سياسات ضد المسلمين

وضع الكاتب عنواني "العودة للبيت" و"جهاد العشق"، كمظاهر للحرب على المسلمين بعد سيطرة الهندوتوا على الحياة في الهند، فـ"العودة للبيت"، تعني القيام بعملية دعوة المسلمين إلى الهندوسية، باعتبار أسلافهم كانوا هندوسًا، أما "جهاد العشق" فتقضي بمحاربة أي زواج للمسلمين من هندوسيات، لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل شرع الهندوس في محاربة أكل المسلمين للحم البقر، ومطاردة الشاحنات التي تنقل الأبقار، ما فجر اضطرابات راح ضحيتها العشرات، وانتشر بين المتطرفين الهندوس شعار "للمسلم مكانان فقط: باكستان أو قبرستان (القبر)"[43].

سلاح الإرهاب

استغلت حكومات الهند أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة؛ لإلصاق تهمة الإرهاب بعشرات الآلاف الشبان المسلمين. يذكر الكاتب أن الحكومة عملت على وضع قوانين تضيق كثيرًا على المسلمين مثل "تادا"، و"بوتا"، و"يوابا"، والتي منحت سلطات واسعة في التضييق على المواطنين، مثل حبس المتهم على ذمة التحقيق 180 يومًا، بينما في القضايا الأخرى يعرض المتهم بعد 24 ساعة من الاعتقال[44].

ويسجل الكاتب، أن تهمة الإرهاب تطال المسلمين وهم أبرياء، ورغم وجود أدلة براءتهم، مقدما قضية "قطار الصداقة" بين الهند وباكستان 2007، الذي راح ضحيته 70 شخصًا، حيث اعتقل فيه مسلمون، وجرى تبرئة هندوس رغم اعتراف أحد زعمائهم أمام المحكمة بذنبه[45].

تغيير قوانين المسلمين

يسجل الكاتب أن الحكومة انتقلت إلى السرعة القصوى في معركتها ضد المسلمين، عبر سن قوانين انتقامية من المسلمين:

ـ حظر الطلاق الثلاثي في الجلسة الواحدة، وهي خطوة باتجاه قانون أحوال شخصية موحد لكل الهنود.

ـ إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي التي ضمنت الاستقلال الذاتي لكشمير بلا أي إذن أو ترتيب مع أهل كشمير.

ـ المطالبة بهدم مساجد جديدة.

ـ تغيير قانون الجنسية، تمهيدًا لتحول الهند إلى دولة لكل الهندوس، وكذا إعداد سجل للمواطنين، هدفه نزع الجنسية عن 20-30مليون مسلم بحجة أنهم ليسوا مواطنين، والأمر أن المسلمين الذين لا يتوفرون على ما يثبت هويتهم سيتم إيداعهم "معسكرات اعتقال"[46].

انتفاضة شعبية

يسجل الكاتب أن قانون الجنسية كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث اندفع الطلاب المسلمون إلى الاحتجاج، كما أن النساء المسلمات خضن اعتصامًا بعشرات الآلاف في منطقة "شاهين باغ" جنوب دلهي، واستمر اعتصامهن ليل نهار لمدة 101 يوم، الذي زادت شرارته مع القمع العنيف للشرطة الهندية، والمتطرفين الهندوس على السواء، ما جعلها تتحول إلى هبة شعبية، وقف فيها المسلمون مع غيرهم من الديانات الأخرى، ونظموا اعتصامات ومسيرات مليونية، وبلغ طول إحدى السلاسل البشرية 620 كيلومترًا في ولاية كيرالا، شارك فيها 7 مليون شخص، يوم 26 يناير 2020 [47].

وخلص الكاتب في تعليقه على هذه المظاهرات، بعد تسجيله أن وحشية الحكومة فيها كبيرة، كما أن المتطرفين الهندوس تحولوا فيها إلى مساعدين في القمع، لكن الصمود الكبير جعل الحكومة عاجزة داخليًّا، ومحرجة أمام الرأي العام العالمي، ليقول: "يمكن اعتبار هذه المظاهرات بداية النهاية لحلم الدولة الهندوسية في الهند"[48].

الحرب على أجيال المستقبل

يذهب الكاتب إلى أن الحكومة الهندية تستعد لفتح جبهة جديدة ضد المسلمين، فبعد سنوات من الدعاية الكاذبة ضد المسلمين، واتهامهم بأنهم يسيطرون على الحكومات، ويستفيدون من دعم الدولة، ويتوالدون بشكل كبير، تخطط الحكومة لسن قانون جديد للمواليد، يلزم بمولودين لكل أسرة[49].

إضافة للتحكم في مواليد المسلمين، تعمل الحكومة على تغيير تاريخ الإسلام والمسلمين في الهند، وإظهار المسلمين كغزاة، ومغتصبين، ونهابين، ومحطمين لمعابد الهندوس، ومرغمين السكان الأصليين على تغيير دينهم[50].

لم يتوقف الأمر هنا، بل امتد إلى أسماء المدن والقرى، حيث أطلقت الحكومة برنامجًا لتغيير أسماء آلاف المدن والقرى والشوارع والطرق والأحياء، من أسمائها الأصلية، وتعويضها بأسماء هندوسية، ليتم محو ذاكرة التاريخ الهندي من المسلمين[51].

واستعرض الكاتب عددًا من الملفات الأخرى التي تظهر الطبيعة الإجرامية للحكومة الهندية، كاعتقال الدعاة إلى الإسلام، كالشيخين "كليم صديقي" والدكتور "عمر غوتم"، وإفراغ مؤسسات الدولة من مدلولاتها العلمانية لصالح الهندوسية، وعمليات القتل على الهوية للمسلمين، طرد الفلاحين المسلمين، محاصرة اللحم الحلال، وإزالة مكبرات الصوت عن المساجد مع منع ترميمها أو بناء جديدة[52].

هزيمة مودي

يعرض الكاتب خلاصة أساسية، بعد هذا السير في أدغال الهند، وهي أن حزب الشعب الهندي ماض في مشروعه بأقصى سرعة للوصول إلى دولة هندوسية، وأن الأمل الوحيد للمسلمين هو فشله في الانتخابات المقبلة، باعتبارها خطوة تتوج فشله في تحقيق وعوده الانتخابية للمجتمع الهندي، مؤكدًا أنه يحاول التخفيف من عجزه عبر توجيه العاطفة الهندوسية ضد المسلمين لإلهاء الشعب الذي فقد ملايين مناصب الشغل في ولاية حكومة مودي[53].

 

 

 

[1]  الهندوتوا أو الهندوتيفا هي الحركة القومية الهندوسية في الهند.

[2]  انظر، طفر الإسلام خان، حركة القومية الهندوسية وكيف غيرت الحياة السياسية الهندية وهمشت المسلمين، منصة إدراك المعرفية WWW.EDRAKMU.COM، 2022، ص5.

[3]  حزب الشعب الهندي هو الجناح السياسي للحركة القومية الهندوسية، يرأس الحكومة منذ 2015، بعد أن وصل إليها لأول مرة في تاريخه سنة 1999.

[4]  ظفر الإسلام خان، حركة القومية الهندوسية، مرجع سابق، ص6.

[5]  نفسه.

[6]  نفسه.

[7]  ظفر الإسلام خان، حركة القومية الهندوسية، مرجع سابق، ص7.

[8]  نفسه، ص8.

[9]  نفسه، ص8.

[10] نفسه، ص9.

[11]           نفسه، ص9.

[12]           نفسه، ص10.

[13]           نفسه، ص11.

[14]           نفسه، ص11.

[15]           نعرض تفاصيل حكاية المسجد الأثري في الصفحات القادمة.

[16]           ظفر الإسلام خان، مرجع سابق، ص12.

[17]           نفسه، ص12.

[18]           نفسه، ص12.

[19]           نفسه، ص12.

[20]           نفسه، ص13.

[21]           نفسه، ص13.

[22]           نفسه، ص14.

[23]           نفسه ص14-15.

[24]           نفسه، ص15.

[25]           جواهر لال نهرو أول رئيس وزراء لحكومة الهند، ورئيس حزب المؤتمر الوطني.

[26]           البنت الوحيدة لجواهر لال نهرو، ثالث رئيس وزراء لحكومة الهند عن حزب المؤتمر، ولا تربطها علاقة مع المهاتما غاندي.

[27]           ظفر الإسلام خان، مرجع سابق، ص16.

[28]           نفسه، ص16.

[29]           نفسه، ص17.

[30]           نفسه، ص18.

[31]           نفسه، ص21.

[32]           نفسه، ص22.

[33]           نفسه.

[34]           نفسه.

[35]           نفسه، ص23.

[36]           نفسه، ص24.

[37]           نفسه، ص23.

[38]           نفسه، ص24.

[39]           نفسه، ص26.

[40]           نفسه، ص26.

[41]           ـ نفسه، ص27.

[42]           نفسه، ص27.

[43]           نفسه، ص29.

[44]           نفسه، ص32.

[45]           نفسه، ص33.

[46]           نفسه، ص35-40.

[47]           نفسه، ص42.

[48]           نفسه، ص43.

[49]           نفسه، ص45.

[50]           نفسه، ص45.

[51]           نفسه، ص45.

[52]           نفسه، ص51.

[53]           نفسه، ص52.

 

شارك :

التعليقات (0)

أضف تعليق