تشاد: جوهرة في يد فحّام

طباعة 2021-10-19
تشاد: جوهرة في يد فحّام

المؤلف: سعيد أبكر أحمد

الناشر: دار لوسيل للنشر والتوزيع

سنة النشر: 2021

عدد الصفحات :188 ص

مراجعـة: فاروق أحمد يحيى[*]

 

يتناول كتاب تشاد جوهرة في يد فحّام، لمؤلفه سعيد أبكر، دولة تشاد وصفًا لمعالمها التاريخية وتعريفًا برموزها الوطنية ونقدًا لإشكالاتها السياسية والاجتماعية في تسلسل للموضوعات، بصورة أشبه ما تكون بالمقالات المتفرقة التي بلغت 43 موضوعًا، حيث يقول المؤلف: "بدأت الجوهرة بالتاريخ التشادي، وانتقلت للحديث عن القضايا المركزية التي يهتم بها الشارع التشادي، وتحدثت عن شخصيات مهمة وأسماء عظيمة [..] وختمت الكتاب بالمعالم الوطنية السياحية"[1]. وعلى ذات المنوال طوّف المؤلف بين المدن والأعلام من رجال دين وأدباء وساسة، وعلق على الأحداث المؤثرة وتناول إشكالات البلاد الثقافية والسياسية والاجتماعية في مقالات متفرقة.

وتشاد التي يحدثنا عنها المؤلف سعيد أبكر دولة حبيسة في وسط القارة الإفريقية ذات مساحة تبلغ 1248000 كلم2، تحدها ست دول: ليبيا من الشمال والسودان من الشرق وجمهورية أفريقيا الوسطى من الجنوب والكاميرون ونيجيريا من الجنوب الغربي وتجاورها دولة النيجر من الغرب. تشكل تشاد نقطة التقاء بين شمال إفريقيا العربي الإسلامي والعمق الإفريقي الوثني/ المسيحي، وقد نالت استقلالها في أغسطس/ آب 1960 عن دولة فرنسا[2]. تضمّ تشاد أكثر من مئتي جماعة إثنية تتسم بتنوع لغاتها وتبايُن ممارساتها الثقافية والدينية، وثمة ديانات تتقاسم الساحة الوطنية وهي الإسلام والمسيحية، بالإضافة إلى الوثنية. أما اللغتان الرسميتان فهما العربية والفرنسية.

تشاد دولة نامية مشكلاتها تماثل مشكلات الدول النامية، حيث الأمية فاشية والأمراض والأوبئة فاتكة بالبشر، والأوضاع الاقتصادية متردية مع انخفاض مدخول الفرد. بالإضافة إلى الاختلال الواضح في التنمية بين الأقاليم المكونة للقُطر، وتدني الخدمات العامة (كالاتصالات وخدمات الإنترنت، النقل العام، الصحة العامة، الصناعة، التعليم، الزراعة ..الخ) في ظل سيادة أعراف مجتمعية محافظة ولها من القناعات الجاهزة تجاه الكثير من القضايا التي أماط المؤلف اللثام عنها.

 

الأرض اليباب وتطلعات الأجيال

يتبدى الواقع بأكثر تجلياته سوداوية في راهن دول القارة الإفريقية، حيث الخراب يتمدد والمجتمعات مثقلة بالأمية والجهل والأوبئة، والتجارب الوطنية ما بعد الحقبة الكولونيالية غارقة في وحل الاستبداد السلطوي والفساد السياسي والتبعية إلى المستعمر، مقابل صعود منجزات الحضارة الغربية. في هذه السياقات يقف شباب اليوم بدول العالم النامي -والمؤلف منهم- على واقع مجتمعه المعَقّد الذي يعاني متلازمة الفشل وضياع الفُرص. فالبرغم من توفر عوامل النهوض وإمكانات التنمية الماثلة، فإن هذه الفُرص والإمكانات مُهدرة غالبًا بين صراعات السياسة وأطماع السلطة.

إن الطليعة السياسية في إفريقيا عاجزة عن إدراك مكامن النهضة كفحّام لا يقدر على التميز بين الفحم والجواهر المغمورة، تلك الجواهر التي لا تحتاج في واقع الأمر لغير صاقل يجلي ما علق بها من سواد جعلها كقطعة فحم مهملة على هامش الأشياء؛ هكذا يقارب المؤلف حالة دولة تشاد التي تشابه رصيفاتها من دول القارة السمراء حيث يتماثل السير على خطى الفشل وقع الحافر على الحافر، تلك الحالة الإفريقية التي تشكل انعكاسًا لمأزق بنيوي تعيشه الأمة في هذه المنطقة منذ خروج المستعمر من أراضيها بمظاهره المادية، وما خلّفه من أعباء ثقافية ثقيلة أسهمت في تشكيل مجتمعات غير قادرة على الوصول إلى ما تطمح إليه لتتقدم نحو تأسيس دعائم مستقبلها المنشود[3].

يتجاوز المؤلف الاستعراض الوصفي لجغرافيا تشاد وتموضعها الجيوستراتيجي، ليقف على واقع الناس وتدافع حركة المجتمع الذي يعيش بتنوعه العرقي والديني تجربته الخاصة بتناقضاتها الداخلية وقضاياها المركزية وإشكالاتها الهُوياتية المعقدة. فتشاد، تلك الدولة الحبيسة التي يتحدث أهلها العربية العامية ولا يكاد يعرف عنها العرب شيئًا، شهدت حراكًا إسلاميًّا مؤثرًا منذ قرون، لكن استحالت ثقافتها إلى الفرانكفونية في كل شيء حتى اللغة الرسمية يتم تداولها في دواوين الدولة، ويتمدد النفوذ الفرنسي في اقتصادها وسياستها الداخلية.

 

المجتمع التشادي: هموم وإشكالات

يعرض سعيد أبكر صورًا من الحياة الثقافية والاجتماعية والدينية المترعة للإنسان التشادي. وفي المقابل يكشف إشكاليات معقدة يعيشها الإنسان هناك ومنها مأزق العنصرية وتجذره في الواقع التشادي، حيث يؤخذ الناس بألوانهم وتُطلق عبارات العنصرية على الطرقات. وبرغم انخفاض حدة هذه الظاهرة مؤخرًا فإن المؤلف يشير إلى ممارسات السلطة التي تعمل على تكريسها عبر سياسات التوظيف في المناصب العامة، إذ يُعين والي الإقليم من إثنية معينة "ليستبد بالقوم، وتغيره بآخر يقوم بالعكس، سواء كانت تشعر بخطورة ما قامت به أم لم تشعر، فإن هذا الأمر وغيره من الأمور سبب رئيس للأحداث التي تدور في معظم الأقاليم التشادية"[4]، إلى غيرها من الممارسات التي جعلت من برامج التعايش السلمي غير ذات جدوى على الأرض. ويضرب المؤلف مثالًا بدولة رواندا التي قضت على العنصرية نهائيًّا ببرامج وأنشطة متوالية هدفها تعزيز التعايش المجتمعي الداخلي، ومخاطبة الآثار التاريخية للعنصرية وتجريم ممارستها بكافة الأشكال والصور، مع تعزيز فكرة المواطنة في المجال العام لتكون هي أساس الحقوق والواجبات. عبر هذه المقاربة يخلص المؤلف إلى التكهن بمستقبل كارثي إذا استمرت الأمور على ما هي عليه بتعيين الأشخاص في المناصب الوزارية والمواقع العامة على الأسس القبلية والعشائرية.

إضافة إلى مشكلات العنصرية تقف أزمة التعليم شاخصة أمام الناظر في المشهد الاجتماعي التشادي، حيث ترتفع معدلات الأمية وتتزايد أعداد الأطفال الذين لا يجدون الفرص للالتحاق بالتعليم المدرسي بصورة مستمرة، خاصة في المناطق شمال البلاد حيث "تتفشى كارثة كبيرة وهي الجهل وغياب المدارس، هناك جهل مطبق ومأساة كبيرة، لا يعرف الناس حتى يومنا هذا أهمية التعليم، وأقصد التعليم بنوعيه الأكاديمي والديني، يذهب الأطفال إلى المراعي والمزارع، ولا يذهبون أبدًا إلى المدارس"[5]. إن مسألة التعليم واحدة من القضايا التي تشكل عائقًا أمام الأمة التشادية، وقد رسم المؤلف صورة قاتمة لمستقبل العملية التعليمية، بتناوله سلوك الساسة في المنح الدراسية التي توزع وفقًا للعلاقات الشخصية والقرابة دون معايير ترشيح واضحة. ولا يتردد المؤلف في اتهام النخب السياسية بسوء النية في التعاطي مع ملف التعليم، ورغبتها المستترة في إبقاء أجزاء من البلاد على ظلامات الجهل بما يضمن احتكار التنمية في مناطق محدودة دون غيرها من المناطق، وتطبيق فكرة "فليكونوا جهلاء حتى لا يطالبوا بحقوقهم" حتى يتيسر احتكار فضاء السلطة والثروة[6].

تتعد إشكالات المجتمع التشادي وتتباين تمظهراتها، ومن تلك الإشكالات والهموم قضية المرأة التي تتعدد بين التهميش والعسف الذكوري. ويلفتنا المؤلف إلى ظاهرة اجتماعية غاية في الخطورة ألا وهي ارتفاع معدلات الطلاق وتفكك الأسر، نتيجة لميل الرجال إلى تطليق زوجاتهم دون أدنى اعتبار لظروف الأبناء ولأتفه الأسباب، الأمر الذي نجم عنه مشكلات اجتماعية عويصة ليكون الأطفال ضحايا هذا الواقع الاجتماعي المأزوم[7].

 

اقتصاد تشاد: فُرص النفط وتبديد السلطة

يزعم المؤلف أن سبب التخلّف الاقتصادي الذي تعيشه تشاد هو غياب الموارد الأساسية التي يقوم عليها النشاط الاقتصادي، إضافة إلى ضعف الخدمات الأساسية التي تقدمها الدولة، فالتيار الكهربائي متذبذب ولا أفق منظور لتطويره، والطرق غير مرصوفة، علاوة على ذلك ارتفاع الضرائب، والتحصيل الجمركي يثقل كاهل المواطن وما نجم عنه من ارتفاع أسعار السلع، خاصة أن التجارة ما تزال تقليدية "ولا توجد وسائل مبتكرة للتعامل التجاري [...] ولم تفكر الدولة في الاعتماد على موادها الأساسية في التصنيع والتجارة، واليوم لو أغلقت الحدود مع نيجيريا أو الكاميرون لفترة وجيزة لعانى الاقتصاد التشادي جدًّا"[8].

وفي عام 2003 صُدِّرت باكورة الإنتاج النفطي التشادي عبر الكاميرون إلى السوق العالمية، وكان الأمل عريضًا بأن يشكل استخراج النفط علامة فارقة في مسار الاقتصاد بتشاد، بيد أنه لم يحقق تطلعات التشاديين، فقد "خرج النفط وكأنه لم يخرج، ثمة مبانٍ جديدة ومشاريع صغيرة قد نُفِّذت، لكن لا توجد مشاريع تنموية حقيقية تُخرج المواطن من الفقر والعوز، وأسوأ من ذلك نسبة الأمية المرتفعة، وغياب المستشفيات التخصصية، وانعدام توفير الفرص للشباب ومشاركتهم في الوظيفة العامة"[9]. ما ينتهي إليه المؤلف من تقويم لضياع فرص النفط التي كان يُنتظر منها تحقيق النهضة الاقتصادية، هو مسلك السلطة في هدر عائدات البترول وسوء توظيفها لتنمية القطاعات الاقتصادية الأخرى، كالزراعة والثروة الحيوانية والصناعة، بوصفها قطاعات تحقق الأبعاد الاستراتيجية للاستقرار الاقتصادي. وهكذا شكل ظهور البترول ومضة عابرة وانتعاشة مؤقتة سرعان ما ارتدت البلاد بعدها إلى دوامة الأزمات الاقتصادية الخانقة، ولا يُعزى ذلك (في وجهة نظر المؤلف) إلا لسوء إدارة الثروة النفطية التي كان يمكن أن يشكل استغلالها الأمثل علامة فارقة في تطور تشاد[10]؛ لتكون النهايات المنطقية هجرة شبابها إلى دول أوروبا، وحصار الأوبئة والأمراض المزمنة مثل الملاريا التي تُعد سبب الوفاة الأول، حيث تحصد آلاف الأرواح هناك، من خلال معدل الإصابة الذي يتجاوز المليون شخص سنويًّا[11].

 

ولتشاد من دكتاتوريات أفريقيا نصيب

ما كان للمؤلف أن يتناول سياقات التطور السياسي لدولة تشاد دون أن يتعرض لمستنقع الديكتاتورية الذي أوحل البلاد عهودًا متطاولة حتى راهنها اليوم. وواقع الأمر أن الاستبداد السياسي أخذ في الظهور منذ بواكير الاستقلال الصوري -تعبير المؤلف- عن فرنسا ثم الحرب الأهلية، لتتشكل ظروف موضوعية أفسحت المجال أمام الحكم الديكتاتوري ليتمدد ويسم بتسلطه المشهد السياسي للدولة الوليدة، بدءًا بأول رئيس في عهد الحكم الوطني نقارتا تمبلباي، الذي لم يؤسس تعددية سياسية تبني الديمقراطية وإنما واجه النخبة المعارضة بالإقصاء والاعتقالات والنفي وسحب الجنسية وغير ذلك من العسف السياسي[12]، حتى غادر سدة الحكم مقتولًا كحال كثير من الديكتاتوريات دون أن تشهد البلاد تقدمًا يذكر كحال كل الديكتاتوريات أيضًا.

مضى تمبلباي وما لبثت الأمور أن آلت لمستبد آخر هو حسين هبري، لتشهد البلاد في عهده صورًا جديدة من التسلط والاستبداد والتنكيل بالخصوم وبث الرعب في نفوس الجماهير، والمغالاة في فرض الضرائب وخنق الفضاء العام أمام النخبة السياسية، والدخول في صراعات خارجية منهكة مع دول الجوار خاصة ليبيا: "لم يكن بوسع أحد أن يتكلم أو يعارض أو يبدي وجهة نظره في السياسة العامة للدولة، فهو الآمر الناهي، وهو الكل في الكل، رأي هبري يسري على الجميع"[13]. فالذي لا جدال حوله أن هبري قد اقترن استلامه للسلطة في 1982 بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بلغت ذروتها بإنشاء وحدة الشرطة السياسية المعروفة بـ(DDS)، والتي ارتكبت جرائم التعذيب والإعدامات بإجراءات غير موثوق من قانونيتها مما أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص في نهاية حقبة حكمه الذي أطيح في كانون الأول/ ديسمبر 1990 [14].

الحركة الوطنية للإنقاذ بقيادة (إدريس ديبي اتنو) التي أنهت حقبة حسين هبري، حملت البشريات للشعب التشادي بعهد جديد من الديمقراطية يؤسس للعدالة ويكفل حقوق الإنسان والحريات الأساسية وكرامة الإنسان ويعزز فرص التعددية السياسية. وقد انخرطت الحركة في مجموعة من التدابير السياسية لإفساح المجال أمام التعددية من خلال عقد المؤتمر السيادي الوطني في عام 1993، والذي أتاح للقوى السياسية مساحة للحوار وتبادل الآراء، واتُخذت فيه قرارات مصيرية كان أهمها صياغة الدستور وإنشاء المجلس التشريعي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تُعنى بتنفيذ مقررات المؤتمر، إلى جانب ضمان سقف مقدر من الحريات العامة ومنها حرية الصحافة، الأمر الذي انعكس إيجابًا على انتعاش الواقع الاقتصادي والتنموي في البلاد[15]. ولكن سرعان ما استحالت أوضاع السلطة إلى ديكتاتورية مطلقة بيد المارشال ديبي الذي لم يرَ في مكوثه على سدة الحكم لثلاثة عقود حرجًا، فمضى لا يلوي على شيء غير تثبيت دعائم حكمه عبر التحالفات الدولية والعلائق العشائرية الداخلية، فاستشرى الفساد وتوطدت المحسوبية واختُزلت السلطة بيد قلة من المنتفعين بعد أن ارتد على مقررات المؤتمر الذي عقده بواكر حقبة حكمه، لتكون المآلات الطبيعية للأشياء هي النهاية الدموية والمتوقعة بمقتل الرئيس إدريس دبي اتنو في 20 أبريل/نيسان 2021، لتنطوي بمقتله "أسوأ نماذج الديكتاتوريات الأفريقية المقنعة بالديمقراطية الزائفة"[16].

غادر إدريس ديبي السلطة مقتولًا وترك دولة تشاد في براثن الاحتراب الداخلي والفساد والاستبداد، فغياب الاستقرار السياسي الذي شهدته البلاد إبان السنوات الأخيرة من حكمه قد انعكس سلبًا على أوضاع الاقتصاد ومؤشرات التنمية، وأسهم بصورة حاسمة في توجيه الأموال العامة بما فيها عائدات النفط نحو التسلح والصراعات الداخلية وقمع حركات التمرد على التخوم[17]. والأرقام تقول إن تشاد ليست في أحسن أحوالها اليوم، فالناتج المحلي شديد الضعف، واحتياطات البلاد من النقد الأجنبي في تراجع ملحوظ في ظل سوء إدارة عائدات النفط، مع ارتفاع معدلات الفقر وتنامي الفساد، حيث تقبع البلاد ضمن أكثر (20) دولة فسادًا[18].

 

بوكو حرام: جهادية في معقل التصوف

يناقش سعيد أبكر ظاهرة "جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد" المسماة "بوكو حرام"، ويصفها بأنها من أخطر الجماعات المسلحة المتطرفة في وسط إفريقيا التي نشأت في نيجيريا، وتمدد توسعها الجغرافي بهدف تجسيد الخلافة الإسلامية في محيط بحيرة تشاد، والذي يضم الكاميرون والنيجر وتشاد، بهدف تعزيز نفوذها الاستراتيجي. غير أن معالجة سعيد للظاهرة اقتصرت على التداعيات الأمنية ومنافع تشاد الاقتصادية من الحرب على الجماعة، دون أن يقف بنا على الأبعاد النظرية لقيامها، فما يصفه سعيد بأنه "أعظم تهديد يواجه تشاد"[19]، لم يرفدنا بسياقات تطوره أو أيديولوجيته لبناء مقاربة بين النزعة الصدامية لهذا النمط من "التدين" في مقابل الإرث الإسلامي العتيق لإفريقيا المتصوفة، خاصة أنه اختتم كتابه بمراجعة نقدية لكتاب بوكو حرام لمؤلفته فرجينيا كوملي، وضمن أبرز ما صوّبه من نقد للكتاب هو "وجود مغالطات تاريخية تدل على عدم إلمام الباحثة بالتاريخ الإسلامي في إفريقيا، وهناك التباس كبير في التمييز بين الجماعات الإسلامية والتيارات الفكرية"[20]. الأمر الذي يفرض على سعيد تفكيك الظاهرة وسياقات نشأتها لتحرير مواطن الالتباس.

 

خاتمة

لا يبحث سعيد ظاهرة بعينها لمعالجتها، وإنما يمضي في استعراض مختلف القضايا والظواهر ثم يعلق عليها عبر السرد القصصي أو المعالجة النقدية لمشاهداته وتسجيلاته. وقد مكنه هذا الأسلوب من استعراض موضوعات الكتاب بمرونة، فينتقل من قضية إلى أخرى ومن منطقة تاريخية إلى شخصية مؤثرة، مستخدمًا "أجناسًا" متباينة في الكتابة. فالحديث عن الرموز والشخصيات أو عن المناطق والمدن أو عن قضايا البلاد وإشكالاتها أو مراجعات واستعراض الكتب، كلها موضوعات شملها الكتاب بصورة ربما تؤخذ على الكاتب، بيد أنها في المقابل تعطي صورة متكاملة عن هذا القُطر المثقل بالتقلبات السياسية والصراعات الداخلية، والذي يشهد في هذا التوقيت أحد أكثر منعطفاته خطورة على مستقبله ومستقبل الجوار الإفريقي والعربي من حوله، فالانتقال السياسي الذي حدث عقب مقتل الرئيس إدريس ديبي وتحول السلطة إلى ابنه المحاط بجنرالات الجيش لا يمكن الجزم بوصوله إلى النهايات المرسومة، وأنه محفوف بكثير من المخاطر ومهدد بتكرار النسق التاريخي لعمليات انتقال السلطة بهذه البلاد.


[*]  باحث وأكاديمي سوداني.


[1]        سعيد أبكر أحمد، تشاد جوهرة في يد فحام (الدوحة: دار لوسيل للنشر والتوزيع، 2021) ص 5.

[2]  غي جيريمي انغانسوب، تشاد عشرون عامًا من الأزمة، ترجمة سامي عيسى (جامعة الخرطوم، كلية الآداب، 2003).

[3]  مالك بن نبي، شروط النهضة، ترجمة عبد الصبور شاهين (دمشق: دار الفكر للطباعة، 1986) ص 152 - 155.

[4]  سعيد أبكر أحمد، المرجع نفسه، ص 53.

[5]  سعيد أبكر أحمد، المرجع نفسه، ص 49.

[6]  سعيد أبكر أحمد، المرجع نفسه، ص 51.

[7]  سعيد أبكر أحمد، المرجع نفسه، ص 65.

[8]  سعيد أبكر أحمد، المرجع نفسه، ص 10، 11.

[9]  سعيد أبكر أحمد، المرجع نفسه، ص 29.

[10] سعيد أبكر أحمد، المرجع نفسه، ص 28، 30.

[11] الملاريا السبب الأول للوفاة في تشاد (الجزيرة: 25/4/2016) شوهد على الرابط: https://2u.pw/KEGU2

[12] سعيد أبكر أحمد، المرجع نفسه، ص 17.

[13] سعيد أبكر أحمد، المرجع نفسه، ص 21.

[14] مجلس حقوق الإنسان، تشاد .. تقرير وطني مقدم وفقًا للفقرة 15/أ (جنيف: الجمعية العامة للأمم المتحدة، أيار/ مايو 2009م) ص 3.

[15] سعيد أبكر أحمد، مرجع سبق ذكره، ص 26.

[16] سعيد أبكر أحمد، إدريس ديبي: ثلاثة عقود من التبعية الكاملة لفرنسا (شبكة الجزيرة: 21/4/2021) على الرابط: https://2u.pw/cHxEE

[17] عبد الحافظ الصاوي، بالأرقام تعرف على اقتصاد تشاد (شبكة الجزيرة: 24/4/2021) شُوهد على الرابط: https://2u.pw/F0q7n

[18] عبد الحافظ الصاوي، المرجع نفسه.

[19] سعيد أبكر أحمد، تشاد جوهرة في يد فحام، ص 47.

[20] سعيد أبكر أحمد، المرجع نفسه، ص 184.

شارك :

التعليقات (1)

أضف تعليق