شركة النفط الإنجليزية-الفارسية وإمارات الخليج العربية: دراسة وثائقية

طباعة 2020-10-01
شركة النفط الإنجليزية-الفارسية وإمارات الخليج العربية: دراسة وثائقية

شركة النفط الإنجليزية-الفارسية وإمارات الخليج العربية: دراسة وثائقية[1]

تأليف: أحمد إبراهيم أبو شوك

الناشر: منتدى العلاقات العربية والدولية، الدوحة

سنة النشر: 2019

عدد الصفحات: 144

 

 

 

يقدم الدكتور أحمد إبراهيم أبو شوك في كتابه هذا دراسة عن نشأة شركة النفط الإنجليزية-الفارسية ودورها في دول الخليج العربي في أوائل القرن الماضي. اعتمد الكتاب رأسًا على الوثائق البريطانية، ونصوص الاتفاقيات التي أبرمتها الشركة مع أمراء دول الخليج، والمراسلات بين الشركة والحكومة البريطانية، أو تلك التي كانت بين موظفي وزارة المستعمرات البريطانية حينها، وكذلك تلك التي كانت بين الحكومة البريطانية وشيوخ دول الخليج.

تأتي أهمية هذا الكتاب من طبيعته التوثيقية والراصدة. وقد أشار المؤلف إلى ما يميز هذه الدراسة بكون موضوعها المحدد هو "شركة النفط الإنجليزية-الفارسية ودورها في إمارات الخليج العربية"، وهو موضوع "لم يطرق من قبل بصورة تفصيلية وكيفيّة منهجيّة مماثلة" (ص 14). وحتى لا تكون الدراسة أسيرة الروايات الرسمية؛ بسبب أن "الوثائق تعكس وجهات النظر الرسمية للأطراف الثلاثة (الشركة والحكومة البريطانية وشيوخ الخليج"، نبّه أبو شوك بأنه رجع كذلك إلى بعض المصنفات التي تطرقت إلى تاريخ تنقيب النفط في الخليج العربي (ص 16).

مال وبارود

لا يمكن فهم تاريخ دول الخليج العربي المعاصر دون فهم الحقبة التي دخلت فيها هذه الدول في اتفاقيات متتابعة مع بريطانيا، كان آخرها اتفاقية هدنة مستدامة سنة 1853[2]. شكل الاقتصاد طليعة المطامح الاستعمارية، وكانت الهند وفارس قد سبقت الخليج العربي في استقبال الشركات البريطانية وأنشطتها[3]. كان لا بد من حماية هذه المصالح الرأسمالية البريطانية، والخليج مليء باللؤلؤ والقراصنة، ومطل على طرق بحرية مهمة، وأصبحت بعض مدنه موطن كثير من تجار الهند (البنيان) الجدد. ويبدو أن البريطانيين وجدوا في المنازعات المستمرة بين شيوخ الخليج فرصة سانحة للسيطرة عليهم، كما كانت ذريعة محاربة القرصنة، والتي أضرت بطبيعة الحال بالمصالح البريطانية، سببًا آخر لعقد اتفاقيات "الهدنة" مع شيوخ المنطقة. ولم تكن بريطانيا كذلك غافلة عن الدولة العثمانية التي كان الانهيار قد أحاط بها من كل جانب.

كانت اتفاقيات الهدنة في القرن التاسع عشر بين شيوخ الخليج والحكومة البريطانية، كما يشير أبو شوك، تعقدها الحكومة البريطانية بأسماء الشيوخ وليس تحت مسميات إماراتهم (ص 26). يبدو من هذا السلوك البريطاني أن الاحتلال فهم طبيعة المجتمعات الخليجية، وأن الطابع القبلي أساس مهم للتعامل مع مشيخات الخليج حينها. يتضح هذا السلوك أكثر في مراسلات الحكومة البريطانية ومندوبيها مع أمراء المنطقة عند تذكير الأخيرين بالاتفاقيات السابقة التي تحظر على هذه الدول التعامل مع أي جهة أو شركة بدون موافقة الحكومة البريطانية؛ إذ طالما ذكّرت المخاطبات بالمعاهدات التي تمت مع أبي ذاك الشيخ أو جده (انظر ص 44 على سبيل المثال)، ولا تشير تلك الخطابات إلى اعتراف بريطاني بكيان دولة قائمة.

وها هو وزير خارجية بريطانيا (بالمرستون) يصف دور بريطانيا في الخليج حينها، قائلًا: "إن مهمتنا تكمن في وضع الخليج تحت سيطرتنا البحرية، بعيدًا عن نفوذ أي دولة أخرى، يمكن أن تنازعنا في هذه السيطرة، ولكن بشرط ألّا تكلفنا هذه السيطرة نفقات عالية" (ص 27). وهذه الدولة الأخرى كانت الدولة العثمانية التي بدأت تفقد سيطرتها على عدد من المناطق سواء في الجزيرة العربية أو خارجها.

رقعة الشطرنج النفطية

يناقش أبو شوك في الفصل الثاني من الكتاب التنافس بين شركة النفط الإنجليزية-الفارسية وبين الشركة الشرقية العامة بقيادة فرانك هولمز. إذ بدأ الأخير في السعي للحصول على امتيازات تنقيب النفط لصالح الشركة التي يمثلها (الشركة الشرقية العامة)، مما جعله في صدام مباشر مع الحكومة البريطانية كونها تملك أكثر من 50% من أسهم شركة النفط الإنجليزية-الفارسية (ص 44).

آلت المنافسة بين الشركتين إلى دخول الشركات الأميركية إلى المنطقة؛ إذ عرضت الشركة الشرقية العامة على شركة النفط الإنجليزية-الفارسية التنازل عن الامتيازات التي حصلت عليها في كل من الأحساء والبحرين، "مقابل التزام هذه الأخيرة بدفع مصروفاتها التي تقدر بخمسين ألف جنيه إسترليني، إلا أن رفض الشركة هذا العرض قد فتح الباب أمام هولمز للاتصال بالشركات الأمريكية العاملة في صناعة النفط، حيث اشترت شركة استاندر أويل أوف كاليفورنيا (Standard Oil of California) امتياز البحرين" (ص 51). هكذا كان لدور هولمز أن يغيّر من خارطة النفط في منطقة الخليج. وهذا الدور تناوله أبو شوك، بإيجاز يتناسب مع طبيعة الكتاب، إيضاحًا لدور (أبي النفط) الذي كان محوريًّا فيما آل إليه التنافس على النفط بين الشركات الغربية في المنطقة.

رصد أبو شوك دور وحضور شركة النفط الإنجليزية-الفارسية في كل من قطر ومسقط وعمان وإمارات الساحل العماني، وعرض سير المفاوضات والمراسلات التي كانت تتم بين الأطراف المعنية: شيوخ المنطقة، الشركة، الحكومة البريطانية.

خلاصة

تأتي أهمية الكتاب من طبيعته التوثيقية؛ مما يجعله مادة مهمة للدراسات التحليلية التي تهدف إلى تناول تاريخ المنطقة في بدايات القرن الماضي. ولأن النفط سلعة اقتصادية وسياسية كذلك؛ فهذا يجعل من تاريخ التنقيب عنه في الخليج تاريخًا للتغيرات السياسية والاقتصادية التي عرفتها المنطقة طوال عصرها الحديث. كما يتضح من الكتاب كيف كانت بعض الشركات أذرعًا للاحتلال البريطاني-أو غيره-أحكم بواسطتها سيطرته على مناطق عديدة في العالم.

 

[1] إعداد قسم المراجعات في مجلة أواصر.

[2] عن الهدنة هذه وما ترتب عليها راجع ص 29-30 من الكتاب.

[3] للمزيد عن الموضوع، راجع: عبد العزيز عبد الغني إبراهيم، حكومة الهند البريطانية والإدارة في الخليج العربي، الرياض: دار المريخ، 1981.

 

شارك :

التعليقات (0)

أضف تعليق