تاريخ المغرب الأقصى - من الفتح الإسلامي إلى الاحتلال

طباعة 2020-01-05
تاريخ المغرب الأقصى - من الفتح الإسلامي إلى الاحتلال

تأليف                        : امحمد جبرون

الناشر                       : منتدى العلاقات العربية والدولية

سنة النشر              : 2019

عدد الصفحات          : 576

 

إن المغرب الأقصى رغم عراقته ودوره الحضاري البارز في حوض البحر الأبيض المتوسط، فإن الكتابات والنصوص العامة حول تاريخه لا زالت قليلة وضعيفة، لا تتناسب ودوره التاريخي الكبير، ربما يرجع بعض ذلك إلى تأخر ظهور المدرسة التاريخية الوطنية الحديثة التي ظهرت أولى أعمالها بعد الاستقلال، أو العزوف التقليدي للمغاربة عن الحديث عن ذاتهم. ومهما تكن الأسباب وراء ضعف اهتمام المغاربة بتاريخهم في الماضي، فإن الحاجة ماسة اليوم إلى إعادة الاعتبار للمعرفة التاريخية في الثقافة المغربية، ليس باعتبارها مجالًا بحثيًّا أكاديميًّا محصورًا داخل أسوار الجامعة، بل باعتبارها ممارسة ثقافية وتربوية وإعلامية، قارة وثابتة، تعزز الانتماء الوطني وتقدير الذات لدى المغاربة بمختلف طبقاتهم وانتماءاتهم.

لقد صدرت منذ سنوات مجموعة من الأعمال التاريخية التي تروم تمكين القارئ المغربي وعموم القراء من حد أدنى من المعرفة حول تاريخ المغرب، غير أنها إما لطولها أو لرؤيتها المنهجية السجالية والإشكالية لم تنجح في ذلك نجاحًا كبيرًا؛ إذ يتعذر في غالب الأحيان على فئة واسعة من القراء العكوف على قراءة سلسلة تاريخية تقع في أجزاء. كما يتعذر عليهم أيضًا التجاوب مع القضايا الإشكالية التي يثيرها بعض المؤرخين وهم يكتبون تاريخ المغرب، وهو ما يقتضي نوعًا من الكتابة التاريخية تجمع بين خصائص الإيجاز والمصداقية العلمية ويسر العبارة، وتقدم نصوصًا مفتوحة على أصناف من القراء من درجات مختلفة.

لقد بذل «المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب» جهدًا مقدرًا في هذا المضمار، وأصدر منذ ثلاث سنوات كتاب موجز تاريخ المغرب بمساهمة مجموعة من المؤلفين، والذي يحاول تقديم سرد موجز ورصين لمجمل المحطات التاريخية الكبرى لتاريخ المغرب الأقصى من أقدم العصور إلى فترة ما بعد الاستقلال (1956م). وقد نجح هذا العمل إلى حد بعيد في تقديم نص تركيبي محين وثمين حول تاريخ المغرب. غير أن هذا العمل على أهميته ليس مانعًا من ظهور أعمال تاريخية أخرى تعضده، برؤى منهجية وفرضيات مختلفة عنه. 

إن هذا العمل الذي نقدمه للقراء اليوم تحت عنوان تاريخ المغرب الأقصى من الفتح إلى الاحتلال (62/681-1330هـ/1912م)، نتطلع إلى أن يكون إضافة نوعية، تعزز الجهد المبذول من طرف المؤرخين المغاربة، أفرادًا ومؤسسات، لأجل تعميم المعرفة التاريخية وتوظيفها في بناء صرح المواطنة الإيجابية.

يستند هذا العمل إلى مجموعة من الفرضيات، من أبرزها:

التركيز على البعد الوطني في انتقاء المادة التاريخية وتوظيفها، فالكتاب يتحدث عن تاريخ المغرب الأقصى، ولا يخلط بينه وبين أحداث ووقائع تهم المغربين الأدنى (تونس)، والأوسط (الجزائر)، ولا يتحيز لأي منظور عرقي أو طائفي، وحاول جهده تفادي بعض الألفاظ ذات الإيحاء السلبي كلفظ البربر وما شابهه، التي ما زالت بعض الكتابات التاريخية المغربية تستعملها.

الدور المحوري للإسلام في ظهور المغرب الأقصى سياسيًّا وحضاريًّا، حيث ساهم الدين الجديد في تمهيد السبل لبناء وحدة سياسية، وبناء كيان سياسي وطني فوق التراب المغربي، وهو ما كان متعذرًا في السابق، واستمر الإسلام في القيام بهذا الدور على امتداد العصر الوسيط الطويل.

الجهاد الوطني باعتباره عملًا عسكريًّا لمواجهة التجزئة والانقسام الطائفي والقبلي، ومواجهة الغزو الأجنبي، وحماية السيادة الترابية للبلاد.

الدور المركزي للمغرب الأقصى في تاريخ حوض البحر الأبيض المتوسط، تأثيرًا وتأثرًا، فالمغرب كان وراء فتح الأندلس، وكان فاعلًا بها لقرون، وكان أيضًا مجال نفوذ الأندلسيين لقرون، ثم الإيبيريين من بعدهم.

لقد حاولنا استنادًا إلى هذه الفرضيات وغيرها كتابة تاريخ المغرب الأقصى على امتداد نحو اثني عشر قرنًا، وفقَ منهجٍ فيه كثير من أوصاف المنهج البنيوي التاريخي، ويتجلى ذلك في التعامل مع كثير من أطوار تاريخ المغرب كوحدة زمنية بنيوية، مع الالتفات إلى التسلسل الزمني بدرجات معقولة، ونزولًا عند مقتضى السياق. وقد مكنتنا هذه «البنيوية المنهجية المنفتحة» من التجاوب مع رغبات «القراء غير المؤرخين»، الذين يفضلون الأنساق «الروائية» في قراءة التاريخ، والتي تعطي أهمية خاصة لتسلسل الأحداث وتعاقبها الزمني، ولا تكثر من الاشتراطات المنهجية والمفهومية.

لقد قسمنا هذا العمل إلى ثلاثة أبواب رئيسة:

الباب الأول: المغرب الأقصى من الفتح الإسلامي إلى عصر الدول الكبرى.

الباب الثاني: المغرب الأقصى في عصر الدول الكبرى (المرابطون، الموحدون، المرينيون).

الباب الثالث: المغرب الأقصى في العصر الحديث (السعديون، العلويون).

ويبدو من خلال هذا التقسيم أننا نميز بين عصرين أساسيين في سَوق أحداث هذا التاريخ: العصر الوسيط والعصر الحديث، وهو تمييز نساير فيه الأدبيات التاريخية السائدة ليس إلا، ولسنا مقتنعين بخلفياته المعرفية، ومطابقته واقع الأحداث في المغرب الأقصى، فإذا كان هذا التحقيب معقولًا، وذا معنى في التأريخ للضفة الشمالية لحوض المتوسط، فإن الأمر مختلف تمامًا بالنسبة إلى الضفة الجنوبية؛ فالحقيقة أن عصرنا الوسيط لم ينته سياسيًّا وحضاريًّا مع ظهور السعديين في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، بل استمر وعلى جميع الصعد حتى مجيء الاحتلال الفرنسي (1330هـ/1912م)، الذي يمكن اعتباره حدًّا فاصلًا، فعليًّا، بين العصرين الوسيط والحديث في المغرب الأقصى.

لقد حاولنا من خلال هذه الأبواب جمع المادة التاريخية التي تمكنا من الوصول إليها وتحليلها وتركيبها، وتقديمها على نحو يلبي فضول القراء المعرفي. وقد رجعنا في هذا السياق إلى عشرات المصادر والمراجع، قديمها وحديثها، لكننا ومع ذلك عجزنا عن استثمارها كلها بما يناسب قيمتها، نظرًا إلى الحيز الضيق المخصص لهذا العمل، باعتباره مختصرًا في تاريخ المغرب.

كما حاولنا توظيف مجموعة من الخرائط والخطاطات الأصيلة الموافقة لفرضياتنا واختياراتنا وترجيحاتنا، المنهجية والمعرفية، وذلك لتوضيح بعض الأفكار وتيسير الإفادة منها، وأيضًا لبيان بعض المواقع والحركات على مستوى المجال.

ومن ناحية أخرى، ورغبةً منا في اختصار هذا العمل، فقد اضطررنا إلى ممارسة قدر واسع من الانتقاء بين الأحداث والوقائع والأعلام، وهو ما قد يكون سببًا في اعتراض بعض القراء على بعض الفقرات والمحاور؛ كونها تجاهلت أحداثًا أو أعلامًا، وهو اعتراض لا نملك ردّه، بل نملك إزاءه فقط التوضيح بأن المعيار المتحكم في اختياراتنا في هذا «التاريخ» هو الدور أو الوظيفة التي يجسدها الحدث، والقدرة على تمثيل ما يشبهه، أو التعبير عن القصد والفكرة بوضوح.

شارك :

التعليقات (2)

أضف تعليق