التاريخ السري للديمقراطية

طباعة 2018-11-14
التاريخ السري للديمقراطية

إعداد                  : بنجامين عيسى خان وستيفن ستوكويل

ترجمة                 : معين الإمام

الناشر                 : منتدى العلاقات العربية والدولية

سنة النشر           : 2015

عدد الصفحات        : 352

 

 

يتناول كتاب التاريخ السري للديمقراطية أربعة محاور رئيسة:

الديمقراطية ما قبل الأثينية.

الديمقراطية في العصور الوسطى.

الديمقراطية الأهلية المحلية والاستعمار.

تيارات بديلة في الديمقراطية الحديثة.

 

الديمقراطية ما قبل الأثينية

تحت عنوان «ما هو البدائي في الديمقراطية البدائية»، يتناول بنجامين عيسى خان مدى صحة البداية الأثينية للديمقراطية. ويذهب إلى أن إصلاحات كلاثينيز سبقتها ظواهر في أماكن أخرى، غير اليونان، لا تقلّ أهمية ولا ديمقراطية عن التجربة الأثينية (45). يشير عيسى خان إلى تجربة الدولة-المدينة السومرية شوروباك، وكذلك سيبار، وظاهرة الجمعيات العامة في آشور (45) ويمضي في عقد المقارنة بين أشكال النظم السياسية في أثينا وغيرها من دول مدن الشرق القديم؛ فيتناول أوضاع القانون والعدالة، والتصويت والانتخابات، والحقوق والحريات. يناقش عيسى خان كذلك ما أسماه الجانب السلبي للديمقراطية الأثينية؛ حيث حرمت قطاعات من الشعب من المشاركة، بينما كان عدم رسمية الديمقراطية في الشرق القديم، كما يشير الكاتب، سبيلًا لمشاركة أوسع من سكان دول الشرق القديم. يُختتم البحث بالقول: إنّ المركزية الأوروبية كانت سببًا في إبراز ديمقراطية أثينا وإغفال التجارب الأخرى التي عرفها غير الأثينيين. ويصف عيسى خان تاريخ الديمقراطية في دول الشرق القديم بـأنه لون من «التاريخ السري»؛ وذلك لأنه «تاريخٌ تعرَّض للتهميش على الأغلب، إن لم يكن قد استُبعد كليةً من الروايات السردية القياسية» (57).

يناقش ستيفن ستوكويل الآثار الفينيقية في ظهورالديمقراطية الأثينية وتطوُّرها. وتحت عنوان «ما قبل أثينا: الحكومة الشعبية المبكرة في فينيقيا والمدن-الدول الإغريقية» يقوم ستوكويل بـ« تحديد سلسلة متعاقبة من الممارسات التي تنتقل من المدن-الدول الفينيقية إلى الإغريقية عبر مراجعة الأدلة المتوافرة على الآليات الديمقراطية التي استخدمها الفينيقيون» (60-61). يعرض ستوكويل بعض الأدلة التاريخية لدحض التصور السائد عن استبداد دول الشرق القديم، فيتناول بعض مظاهر الديمقراطية المبكرة في المواطن الفينيقية على امتداد المدن-الدول التي أنشأها الفينيقيون. بيد أن براعة ستوكويل كانت في تتبُّع الأثر الفينيقي في المدن الإغريقية في جوانب، ربما كانت بعيدة عن السياسة، ليصل إلى أن الفينيقيين لم يكتفوا «بالتجارة مع منطقة النفوذ اليوناني؛ بل جلبوا معهم تجربة حكم الناس لأنفسهم بأنفسهم» (75).

ينتقل بنا ستيفن موهلبرغر إلى الهند القديمة ليتناول نُظم الحكم فيها في العصور القديمة. ينقل موهلبرغر عن ج.بي شارما، أنّ «... أنظمة الحكم الجمهورية كانت ناشطة وقوية وشائعة على أوسع نطاق في العصر البوذي  600ق.م-200م » (79). إذًا لم تكن الأشكال الجمهورية للحكم وليدة لحظة أوروبية، وهذا ما يتوسع بشأنه موهلبرغر في بحثه؛ فينقب في التاريخ القديم للهند ليشير إلى أنّ كثيرًا من المؤرخين «وطّدوا الرأي القائل: إن الفكر الملكي في الهند القديمة كان يضارع باستمرار رؤية أخرى، قائمة على الحكم الذاتي لأعضاء نقابة، أو سكان قرية، أو أفراد جماعة قرابية ممتدة» (79).

يختتم المحور الأول في الكتاب ببحث بولين كيتنغ «التنقيب عن الديمقراطية في الصين». فتذهب كيتنغ إلى الفلسفة الكونفوشيوسية للتنقيب عن جذور الديمقراطية في الصين القديمة، وتضرب مثالًا بمفهوم «التفويض السماوي» الذي ربما كان، في نظرها، «المفهوم الأهم لفكرة قديمة بمحتوى ديمقراطي وثيق الصلة بالعصر الحالي» (94). وتشير كيتنغ إلى بعض أقوال الفيلسوف الكونفوشيوسي مينكيوس، الذي كان يدعو إلى الحق «في الثورة حين تسحب السماء تفويض الملك في الحكم» (94). كما تشير كيتنغ إلى فكرة التناغم والتماسك الاجتماعي في الفلسفة الكونفوشيوسية كدلالة على التساوي بين أفراد المجتمع الواحد. ولعل أهم ملامح الديمقراطية في الصين القديمة، كما ترى كيتنغ، هو مبدأ «حق الاعتراض» في الكونفوشيوسية؛ فحسَب هذا المبدأ «لم يكن انتقاد الاستبداد وفقًا لكونفوشيوس أمرًا جائزًا فحسْب؛ بل كان مطلوبًا» (99). كما تُعرّج كيتنغ على دور النظرة الكونفوشيوسية إلى التعليم، وكذلك أمثلة الحكم المحلي في الصين القديمة كسماتٍ على تجذُّر الديمقراطية في التراث الصيني.

الديمقراطية في العصور الوسطى

يفتتح كلٌّ من محمد عبد الله وحليم رين المحور الثاني ببحثهما «خلف الحجاب: تاريخ الديمقراطية في الإسلام». يشير الكاتبان إلى الفهم الغربي الأكاديمي لعلاقة الإسلام بالديمقراطية، ويستشهدان بأقوال عدة كتّاب، منهم اليهودي برنارد لويس؛ للإشارة إلى هذا الفهم المغلوط لدى كثير من كتّاب الغرب. كما ينبه الكاتبان إلى التجاهل الغربي للعالم الإسلامي فيما كتب عن الديمقراطية (116). يبدأ عبد الله ورين نقاشَ علاقةِ الإسلام بالديمقراطية بإيضاح كيف تحررت الجزيرة العربية من القبَلِيّة بفضل الإسلام «الذي أقام نظامًا اجتماعيًّا وسياسيًّا جديدًا، اعتمادًا على العدالة الاجتماعية والمساواة وحكم القانون» (117). كما يستطردان في شرح مبدأ المساواة في الإسلام، وكذلك حرية التعبير كما اتضحت في كثيرٍ من أفعال النبي -صلى الله عليه وسلّم- مع صحابته (123). وكذلك يشرح الكاتبان جذور الديمقراطية في الإسلام بتناوُل مفهومَيِ المشاركة السياسية والسيادة. بيد أنهما أخفقا في الاستدلال الكافي على هذين المبدأين، كما لم يحالفهما الحظ في نسبة القول: إن «أيّ مسلم يتمتع بالجدارة الدينية والدنيوية يستطيع قيادة الأمة إذا انتخبته أغلبية المسلمين» إلى أنه رأي أغلبية المسلمين من غير الشيعة (125). فالقرشية عند أهل السنة، وحصر الإمامة في البطنين عند الزيدية أمرٌ أشهر من أن يُثبت.

تتناول باتريشا بيريس بولهوسا الديمقراطية في أيسلندا في العصر الوسيط. تدرس بولهوسا قوانين تعود إلى القرن الثالث عشر، قُبيل دخول أيسلندا تحت حكم ملك النرويج، حيث يتضح حرص الأيسلنديين على تأكيد حقوقهم استعدادًا للتغيرات التي سيجلبها عليهم الحكم الجديد (124). أما ستيفن ستوكويل فيتناول «الثقافة الديمقراطية في جمهورية البندقية المبكرة»، مشيرًا إلى بدايات البعث الديمقراطي في البندقية، والذي اتضح في بدايات القرن السادس الميلادي. وفي بحثه تاريخ موجز ومركّز للديمقراطية في البندقية إبان القرون الوسطى، وتعريج على أهم الأسباب التي ساعدت على وجود هذه الثقافة الديمقراطية.

الديمقراطية الأهلية المحلية والاستعمار

يبدأ المحور الثالث ببحثٍ عن الإرث الديمقراطي في بوغاندا -المملكة شبه المستقلة في جمهورية أوغندا- وأن هذا الإرث يقوم على المشاركة العشائرية. تشرح إماكيوليت كيزا في هذا البحث ملامح النظم في هذا القسم من أوغندا؛ ولعل هذا البحث يجسّد مثالًا صريحًا على إشكالية مقارنة النظام السياسي لأيّ مجموعة بالنظام الديمقراطي كما تطوَّر في شكله الغربي. تذهب كيزا إلى أنّ الممارسات الديمقراطية في إفريقيا ما قبل الحقبة الاستعمارية كانت منتشرة بشكلٍ أو بآخر، «إلا أن تلك الموجودة في منطقة بوغاندا جسّدت أفضل نماذج تلك الممارسات آنذاك» (179-180). لعلّ هذا البحث هو مِن أهمّ أبحاث الكتاب؛ فهو يدحض كثيرًا من الصور النمطية التي شيّدت لدى كثيرٍ عن إفريقيا، ولو بشكل جزئي، كما يشرح ممارسات سياسية في سياقها الثقافي والاجتماعي.

تحت عنوان «الصيادون الذين امتلكوا أنفسهم» يتناول الباحث فيليبي بين شعبَ الميتي في كندا. هذا الشعب الذي عدّ «الحرية والحكم الذاتي عاملين جوهريّيْن في ثقافتهم، يفوقان اللغة أو الدين أو العِرق أهميةً» (190). ويبدو أن الصيد لدى شعب الميتي جعل مِن تشبُّثهم بالحرية أمرًا لا مساومةَ عليه؛ وقد نقل بين عن أسكتلندي رافق رحلة صيد من رحلات الميتي بأنها «مبالغة في الديمقراطية» (193). لقد توسّعَ بين في شرح تأثير الثقافات المتداخلة، والتنوع الثري لدى الميتي في جعلِهم شعبًا متفردًا، «ولأن مؤسساته توضح عاملًا مشتركًا أساسيًّا وعالميًّا للديمقراطية الفولكلورية، فهو يُجسّد إحراجًا مربكًا للنظريات البدهية القبْلية عن الارتقاء الاجتماعي» كما يؤكد فيليبي بين (202).

تستمر أبحاث الكتاب في دراسة تحديات الشعوب الأصلية، في أنحاء مختلفة من العالم، أمام المستعمرين الجدد؛ فتكتب لاريسا بهرندت عن ملامح التراث السياسي لسكان أستراليا الأصليين تحت عنوان «سكان أستراليا الأصليون والديمقراطية: تقاليد قديمة، تحديات جديدة»، وتكتب بوبي فري عن «التاريخ السابق لتسوية ما بعد النظام العنصري: الديمقراطية اللاعنصرية في مستعمرة الكيب في جنوب إفريقيا 1853-1936».

تيارات بديلة في الديمقراطية الحديثة

في المحور الرابع للكتاب، تكتب لويزا غاندولفو عن «ولادة الديمقراطية: دور المرأة في الخطاب الديمقراطي في الشرق الأوسط»، ويكتب بنجامين عيسى خان تحت عنوان «شوارع العراق: الاحتجاجات والديمقراطية بعد صَدّام»، أما دون كين فيكتب عن الديمقراطية الرقابية حيث «يقترح هذا الفصل إجراء مراجعة لأسلوب تفكيرنا بالديمقراطية في عصرنا» (279). وهذا الفصل ذو أهمية عظيمة في تناوُل الديمقراطية؛ إذ يناقش الجانب الرقابي في الديمقراطية لا من ناحية تاريخية، كما شهدناه في فصول الكتاب، ولكن من جانب تنظيري. وكما يقول كين: «وفي عالم الديمقراطيات الرقابية، يأتي الناس لتعلُّم ضرورة مراقبة السلطة وممثليها، واتخاذ قرارات، واختيار مسارات العمل بأنفسهم. يُغرى الناس ليفكروا بأنفسهم، ويروا العالم ذاته بطرائق مختلفة، ومن زوايا متباينة، ويُصقلوا إحساسهم الإجمالي وقناعتهم بأن علاقات القوة السائدة ليست (طبيعية) ودائمة بل طارئة ومشروطة» (296).

يعري كتاب التاريخ السري للديمقراطية المركزية الأوروبية في تناوُل تاريخ الديمقراطية ومفهومها؛ أو بمعنى أصح، يُطلعنا على نماذج مقاومة الاستبداد، والمشاركة الشعبية في القرار، سواء صغرت في مكان أو عظمت في آخر؛ مما ينفي الصورة النمطية عن الشرق بتقديمه موطنًا للاستبداد والأنظمة الشمولية. ربما كان من إشكاليات الكتاب أن الديمقراطية هنا، سواء بتاريخيّتها أو مفاهيمها، تُقدَّم أمام نموذج جاهز ومسيطر: النموذج والمفهوم الغربي للديمقراطية. بيد أن أهمية الكتاب ليست في عرضِه التاريخي فحسب، بل في قراءة السياقات الاجتماعية المختلفة للممارسات الديمقراطية في أماكن وأزمان مختلفة خارج السياق الغربي. ربما ساعدنا الكتاب على فهم ما ينبغي لنا فعله في المستقبل؛ أن ندرس الجوانب الاجتماعية وغيرها عندنا لنوسّع ونعظم من الممارسات التي تقاوم فردية السلطة وشموليتها.

شارك :

التعليقات (0)

أضف تعليق