الثقة: الفضائل الاجتماعية ودورها في خلق الرخاء الاقتصادي

الثقة: الفضائل الاجتماعية ودورها في خلق الرخاء الاقتصادي
  • المؤلف: فرانسيس فوكوياما
  • المترجم: معين الإمام ومجاب الإمام
  • الناشر: منتدى العلاقات العربية والدولية
  • عدد الصفحات: 639
  • سنة النشر: 2015

 

كتاب من خمسة أجزاء تحتوي بجملتها على واحد وثلاثين فصلاً يناقش فيها فوكوياما فكرة رئيسة يشي بها عنوان الكتاب، ألا وهي الفضائل الاجتماعية ودورها في خلق الرخاء الاقتصادي، ويتناول فيها تجارب الشعوب الثقافية المختلفة وأثر ثقافاتها في الاقتصاد.

الجزء الأوّل من الكتاب يشرح فيه فوكوياما فكرة الثقة، وقدرتها الهائلة على إقامة المجتمع الاقتصادي، يبسط وجهة نظره في فصوله الستّة. يفتتح هذا العمل المهم بالحديث عن الوضع الإنساني في عصر نهاية التاريخ؛ إذ هو يرى – في كتاب آخر له – أن الإنسان شارف على نهاية التاريخ، الفكرة التي استقاها من فلسفة هيغل، لينتقل بعدها إلى نقد الفكر الاقتصادي الكلاسيكي الذي يغفل دور الحكومات في التدخّل. وفي ضوء هذا الانفجار المعلوماتي الذي بشّر بانهيار المؤسسات السلطوية التراتبية، ينبّه فوكوياما إلى أن المحتفلين بهذا العصر الجديد أغفلوا جانب "الثقة" في تغيّر كهذا؛ فالمجتمعات – كما يقول – تعتمد على الثقة المتبادلة، وحين تنهار تلك المؤسسات السلطوية لا بد من اللجوء إلى قانون أخلاقي يحمي الجميع. قانون "اجتماعي" غير مكتوب. ويقرر أن رأس المال الاجتماعي هو البوتقة التي تنمو فيها الثقة، وهو العامل الحاسم في صحة الاقتصاد، العامل القائم على أسس ثقافية عميقة الجذور. ثم ينتقل للحديث عن الفضائل الاجتماعية والعادات الأخلاقية للشعوب المختلفة، ويضرب مثالين لهذا: أميركا واليابان؛ فأميركا يقوم اقتصادها على الفردانية، بينما يقوم اقتصاد اليابان على سلطة الدولة.

في الجزء الثاني من الكتاب يناقش فوكوياما ما يسميه مجتمعات الثقة المتدنية والمفارقة في القيم العائلية. ويفتتح حديثه عمّا أصاب المجتمع الأميركي من تفتت أسري؛ فقد ازدادت معدلات الأسر أحادية الأب أو الأم، وأثر ذلك اقتصاديًّا، وأعاب باحثين يجادلون في أهمية إضعاف الأسرة لأن ذلك بزعمهم– أفضل من ناحية الإنتاج، وقل مثل هذا عند بعض الباحثين الصينيين الشيوعيين.

هناك مجتمعات أُسرية كالمجتمع الصيني، فضيلة الاتحاد الأسري فيها كان مسهمًا كل الإسهام في نجاح المشروعات الصغيرة التي كانت الأسرة هي محورها؛ فكثير من المشروعات الصغيرة كانت تديرها العائلات فعليًّا. ومن هنا فالثقة في حالة كهذه مبنية على هذا النموذج الاجتماعي؛ إذ تضعف الثقة بأفراد خارج العائلة في ثقافة الصينيين، والتنافس بين العائلات يسبب تنافسًا اقتصاديًّا إيجابيًّا لبلوغ الرفاه الاقتصادي، وهناك نموذج مشابه في إيطاليا؛ لا سيّما في الصناعة ذات الحجم الصغير؛ فهي أيضًا قائمة على الأسرة والعائلة؛ في النسيج، أو الأزياء، أو منتجات الخراطة وغيرها، لذا تعدّ تلك المجتمعات وأشباهها مجتمعات ثقة متدنية لأن الثقة مصروفة إلى الأسرة والأقرباء، لكن ليست كذلك مع الغرباء.

أما الجزء الثالث من الكتاب فمخصص للحديث عمّا أسماه المؤلِّف: مجتمعات الثقة العالية، حيث يؤكد فوكوياما أنه بالرغم من وجود قوانين للحقوق المختلفة؛ إلا أن تلك القوانين في الأصل مسبوقة بأعراف وتقاليد اجتماعية تعدّ في كثير من الأحيان من المسلّمات؛ فهناك تواصل بشري عفوي غير مكتوب؛ فألمانيا واليابان والولايات المتحدة مثلاً لم تنهض كقوى اقتصادية كبرى في العالم إلا على رأس مال اجتماعي ذي ميول عفوية للتواصل. رغم أن بعضها – كالولايات المتحدة – تعاني منذ نصف قرن على الأقل من تآكل العادات الاجتماعية، والنزوع الشديد نحو الفردانية.

يريد فوكوياما هنا أن يؤكد أن المجتمعات التي يرتفع فيها مستوى الثقة وتنجح في التواصل الاجتماعي العفوي، وتمتلك طبقات كثيفة من المجتمعات الوسيطة لها نمط من الاقتصاد مختلف عن غيرها من الشعوب. فالقاعدة العامّة تقول: إن الثقة تنبثق من مجتمع من المجتمعات حين يشترك أفراده في جملة من القيم المعنوية والأخلاقية بطريقة تسمح لهم بتوقّع المثل من الغير. كما أن هناك ثقة تصدر من الإيديولوجيا المشتركة أحيانًا؛ فحركة الإصلاح الديني البروتستانتي غيّرت ملامح الاقتصاد كذلك. وهناك مجتمعات استطاعت أن تعزز من الثقة الاجتماعية وتتجاوز بها الاقتصاد على أفراد العائلة، كاليابان مثلاً، وصاحب ذلك الانتقال انتقالٌ في الأنماط الاقتصادية.

في الجزء الرابع يسلط المؤلف الضوء على المجتمع الأميركي وما يعانيه من أزمة في الثقة، محللاً جذور المشكلة منذ هجرة حاملي المذهب البروتستانتي من أوروبا إلى العالم الجديد. لقد حملوا معهم الفردانية من أصولها. بالإضافة إلى تناول المؤلف العنصرية بين البيض والسود وآثارها الاقتصادية، وكذا الأميركيون من أصل آسيوي وعاداتهم الاجتماعية.

في الجزء الخامس والأخير من الكتاب يوصي فوكوياما بدمج الثقافة التقليدية مع المؤسسات الحديثة بهدف إثراء الثقة في المجتمعات، كما يتناول أنماط المجتمعات ويحلل عوائدها الاجتماعية؛ فالمجتمعات الأسرية تكون فيها الأسرة نقمة ونعمة في آن، فمن سلبياتها المحاباة للأقارب مما يؤدي إلى نوع من الجمود وضعف الارتقاء والنهوض، وفي مقابل متانة العلاقات في الأسرة بعينها تضعف العلاقات بين الأسرة وغيرها، وهناك مجتمعات أخرى تقوم على الأسرة وعلى روابط أخرى مع الآخرين تشبه في تماسكها تماسك الأسرة كالمجتمع الياباني مثلاً، هنا ستكون الثقة أعلى، في حين أن هناك نمطًا من المجتمعات لا تتمتع بروابط عائلية قوية، غالبًا ما تكون مجتمعات فقيرة ومهمشة.

إن توافر الثقة يساعد على قيام شركات متحدة كبيرة الحجم، وحين تكون هناك تنظيمات اجتماعية قائمة على الثقة؛ تصبح أقدر على إقامة تكتلات بأحجام كبيرة. يخلص المؤلف إلى أن الثقة هي روح الاقتصاد، ويوصي بكل ما من شأنه إثراء الثقة في المجتمعات، وتمتين العوائد الاجتماعية التقليدية التي تحقق مثل هذا الهدف.

أواصر - مجلة فكرية فصلية

www.awasr.com