بعد المصالحة: مجلس التعاون من الحكام إلى الشعوب

طباعة 2021-02-03
بعد المصالحة: مجلس التعاون من الحكام إلى الشعوب

محمد الحسيني

يشير تأسيس "مجلس التعاون لدول الخليج" إلى أكثر من رواية، أولاها الرواية الشائعة بأنه تم تأسيسه بناء على رغبة خليجية، وأن أمير الكويت أشار بذلك، وكان الشيخ زايد بن نهيان أول المستجيبين. وهناك قول للسلطان قابوس يسرده على ضيوفه بأنه سبق أن اقترح إنشاء المجلس على حكام الخليج، وليكون أشمل من كونه منظومة دفاعية. وبحسب روايته فإنه عرض الفكرة عليهم فلم يستجيبوا إلا بعد عام حين طلبت منهم بريطانيا تأسيسه فأسسوه[1]. الرواية الأخرى تشير إلى الموقف الغربي، وأن أمريكا وبريطانيا خافتا على النفط والنفوذ في الخليج من ثورة إيران، فأشارتا على حكام الخليج بنمط من الرابطة العسكرية والسياسية بين حكوماتهم ليقفوا ضد المد الثوري الإيراني، فأعلن عن تأسيس المجلس في أبو ظبي يوم 21 رجب 1401 هـ الموافق 25 مايو من عام 1981، وكان ذلك بسبب حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران[2]. وقبل الذهاب في تفصيل تاريخ مجلس التعاون وحاله، نشير إلى دراسة الدكتور يوسف خليفة اليوسف: مجلس التعاون الخليجي في مثلث الوراثة والنفط والقوى الأجنبية[3]، التي تعدّ من أهم الدراسات التي صدرت شارحة حال هذا المجلس.

فالراجح أن إنشاء المجلس كان بإرادة خارجية، وكانت حكومات الخليج مرحبة بالفكرة، أما الشعوب فما كانت تحتاج إلا لتأكيد هذا الترابط العميق الموجود على الأرض، بعد أن أنشأ الاستعمار البريطاني حكومات محلية مزقت بحدودها مجتمعًا واحدًا وتواصلًا عائليًّا ممتدًّا عبر القرون.

كانت الإدارات المحلية التي قامت على إرث تاريخي أو بتأسيس بريطاني تفهم وتدرك مدى التواصل لهذا المجتمع الواحد، خاصة المناطق الممتدة على السيف الساحلي الغربي للخليج، وكان غالب مشايخه يترفعون عن إثارة الفتن بين سكانه، أو يدركون هذه الحقائق فتتغلب أواصر القربى على نزعات الانتقام ورغبات التنازع، فيختلفون ولكنهم يتصالحون عاجلًا، أو يصالح بينهم المستعمر البريطاني على مدى يزيد عن قرن من الزمان.

يبلغ عدد سكان مجلس التعاون الخليجي ما يزيد عن خمسين مليونًا، منهم نحو 28 مليون مواطنون، بإنتاج محلي يقدر بـ 1.638 تريليون دولار، ومعدل دخل يزيد عن 34.000 دولار للفرد، بحسب إحصاء موقع المجلس عام 2018[4].

قام المجلس على أساس الجغرافيا الجامعة، بالرغم من أنه كانت تثور من آن لآخر بعض الخلافات التي هزت مجلس التعاون عدة مرات، أبرزها الخلاف القطري البحريني على جزيرة حوار، وحكمت المحكمة الدولية بها للبحرين عام 2001؛ والخلاف الذي كان يثور من وقت لآخر بين الإمارات وعمان، واتهام عمان للإمارات بالترتيب لانقلاب على السلطان قابوس بن سعيد عام 2011 [5]؛ وحادثة الخفوس بين السعودية وقطر في 30 سبتمبر 1992 والتي انتهت بقتل ضابط سعودي وجنديين قطريين، ثم تصالحوا، وانتهت الخلافات لتعود مرة أخرى بعد استغلال عدد من الحكومات لتنحية الشيخ حمد بن خليفة لوالده بأن حاولت عدد من حكومات الخليج الانقلاب على الشيخ حمد في قطر لإعادة الأب للحكم، عام 1996م، وكانت تلك المحاولة الانقلابية كبيرة، وكاد الهجوم ينفذ ضد قطر لولا إرادة الله ثم تسرب خبره في اللحظات الأخيرة.

بقي هذا المجلس يقوم ويطيح من وقت لآخر ولكن لم يجرؤ أحد على هدمه إلا بعد نشر خبر ملفق نسب إلى أمير قطر على موقع وكالة الأنباء القطرية بعد اختراق الموقع يوم 27 شعبان 1438هـ الموافق 23 مايو 2017م. زعموا أنه قال: "إن إيران تمثل ثقلًا إقليميًّا وإسلاميًّا لا يمكن تجاهله، وإنه ليس من الحكمة التصعيد مع قوة كبرى تضمن استقرار المنطقة". ولو صح هذا القول لما استوجب ما تبعه. ثم في العاشر من رمضان 1438هـ، الموافق 5 / 6 / 2017 حين أعلنت ثلاث حكومات هي الإمارات والسعودية والبحرين، إضافة إلى مصر السيسي، حصارها لقطر جوًّا وبرًّا وبحرًا، تم ذلك بعد أيام من مؤتمر أقيم في الرياض (20-21 مايو 2017) جمع بين الرئيس الأمريكي ترامب وحكام هذه الدول. وتبين من الوقائع اللاحقة أن قصة التصريحات المكذوبة والمبالغة فيها والتصريحات الملفقة كانت مسائل شكلية لتنفيذ عمل كبير، وهو غزو قطر وإسقاط حكومتها، كما شرح ذلك لاحقًا الشيخ صباح أمير الكويت[6]. وقد نشرت تسريبات تقول إن مهندس هذا الحصار كان اليهودي كوشنر، زوج بنت ترامب، بسبب فشل صفقة مالية مع قطر[7]، ولسبب مهم آخر هو التنسيق الصهيوني لتجنيد حكومات المستبدين العرب فيما عرف بالثورة المضادة، ضد الشعوب، تجنبًا لمخاطر وجود حكومات ديمقراطية في المنطقة تتمرد على الهيمنة الاستعمارية. وقد كان أهم إنجاز صهيوني في مصر هو إسقاط ديمقراطيتها وتمليك البلاد لعسكر موالين، وبهذا يعيد الصهاينة النفوذ الفردي للدكتاتوريين الذين تقوم إسرائيل بتأمينهم وتجنيدهم ضد مصالح شعوبهم، وقمع الحريات العامة ومنع أي نمو أو تطور على أرضهم. ويضاف إلى ذلك أسباب شخصية لكوشنر، منها رغبة منه في الانتقام لصفقات عقارية رفض تجار قطريون إتمامها، ولسبب أهم وهو وجود قلوب تغلي بالشحناء على قطر لدورها في تأييد الربيع العربي والذي امتد إلى تصاعد النزاع في ليبيا؛ فقد أيدت قطر ثوار ليبيا ضد الثورة المضادة المتمثلة في قيادة الضابط الليبي الأمريكي الجنسية حفتر، الذي أيدته الإمارات والرياض والقاهرة، مناصرين لحركة استعادة النظام القديم الذي سقط في ليبيا وانتقامًا من الشعب الليبي الذي ثار على القذافي، ولرغبة السيسي وأنصاره في الخليج بأن تعود ليبيا كمصر إلى حكم عسكري يصطف مع الثورة المضادة لثورة الشعوب في الربيع العربي.

فاجتمعت إرادة الثورة المضادة مع الرغبة الصهيونية في كبت الشعوب وتدمير مصالحها، وتسخير المنطقة للإرادة الصهيونية التي تكره في قطر صوتها الإعلامي الكاشف للحقائق، عبر قناة الجزيرة، وما يتعلق بالمسألة الفلسطينية ومناصرة قطر لفلسطين خاصة غزة. وانتقد المحاصرون لاحقًا على قطر عدم اندماجها في الصف المتطرف المعادي للتوجهات الإسلامية والتحررية. كما إن قطر ربطها بإيران حقل غاز مشترك، إضافة إلى جوار أقرب، وربطها بتركيا موقف من الانقلاب العسكري عام 2016، والذي انتشر وقتها أن لإسرائيل والإمارات دورًا في التحريض والتخطيط له، ولاحقًا أعلنت تركيا عن دور للإمارات فيه.

قدمت دول الحصار قائمة مطالب مكونة من ثلاثة عشر بندًا، من أهمها إغلاق قناة الجزيرة، وإنهاء مناصرة المعارضة الديمقراطية في مصر، وكأن هذه الشروط إلزام بالمشاركة في الثورة المضادة للشعوب، وتجنيد لقطر ضد كل ما هو إسلامي من غزة إلى ليبيا، وظهرت هذه الشروط بأنها هدم لمبدأ السيادة ومحاولة إجبار على تبني مواقف مخالفة لمصالح البلاد.

كان الحصار مقدمة لغزو عسكري لقطر من الحكومات الأربع. وقد أعلن عن هذا الشيخ صباح الأحمد الجابر أمير الكويت أثناء زيارته البيت الأبيض وحديثه مع ترامب في المؤتمر الصحفي، وكان الشيخ جابر حريصًا على إعلان ذلك رغم كونه وسيط الإصلاح. وقد كانت الحكومات التي حاصرت قطر واستعدت لغزوها قد أخفت المخطط عن الكويت وعمان لمعرفتها أن هاتين الدولتين لن توافقا على الغزو العسكري، وطمع المحاصرون في انضمام الكويت إلى الرباعية، ولكن الكويت بإدارتها الواعية كانت تعلم أن قطر لو سقطت فقد تكون هي التالية. وهناك من الخلاف على النفط وعلى تمتع الكويت ببعض الحريات ما يغري بغزوها هي أيضًا، ثم إن قطر قد استبقت مخطط الغزو بمدة قصيرة ودعت تركيا إلى تعاون عسكري وإنشاء قاعدة عسكرية على أرضها، وصدقت التوقعات فقامت تركيا بإرسال قوات إلى قطر بعد الإعلان عن الحصار مباشرة مما عثّر مشروع الغزو. ومع أن للولايات المتحدة قاعدة العديد الكبيرة في قطر، ولكن قطر، بناء على تجربة محاولة الانقلاب في تركيا قبل ذلك بعام، لم تكن واثقة بالموقف الأمريكي، إذ إن الجيش الأمريكي في قاعدة أنجرليك في تركيا قدم خدمات للعسكريين الانقلابيين على الديمقراطية التركية الذين فشلوا في محاولتهم الانقلابية.

الأثر الاجتماعي والاقتصادي

كان الحصار جريمة في حق الشعوب في الخليج، فكان من المؤسف مثلًا أن طفلة عمرها أقل من عام واحد تؤخذ من أمها في المطار لأن الأم قطرية والأب إماراتي، أو يهاجم أوباش الناس المعتمرين القطريين في فنادق مكة، وتعاقب حتى الإبل بالتكسير والتجويع، ونماذج كثيرة لا تحصى من صناعة الكراهية والأحقاد. ولجأ بعضهم إلى استعادة الصراع القبلي والنفخ فيه، واستعادة الأنماط القبلية القديمة للولاء، وكأن هؤلاء الناس يعلنون عن فشل الحكومات وانكشاف ضررها على المجتمعات؛ ذلك أن الخليج مجتمع واحد متجانس ومتواصل، تاريخيًّا، عائليًّا وتجاريًّا وإداريًّا، وكان من سكان السعودية مثلًا ما يزيد عن خمسة عشر ألف موظف ورجل أعمال مقيم في قطر، سوى الإماراتيين والبحرينيين وكذا المصريين الذين كان يزيد عددهم عن ثلاثمئة ألف عامل وموظف وإداري، إضافة إلى البضائع ومختلف أنواع التبادل التجاري والتعليمي. للأسف لم تكن مصالح الشعوب تعني شيئًا تجاه هذه الهبّة الفاشلة، وكان الرهان أن الحصار سوف يُسقط حكومة قطر في أيام. لكن يبدو أن من خطط للحصار وللحرب كان جاهلًا بالتحولات العالمية الكبيرة، ولم يدرك العولمة وما تعنيه من تواصل وتنافس تجاري كبير، وأنه بحصار غيرك إنما تجني على نفسك، وبهذا يدمر المحاصِر مصالحه ويحرم نفسه من سوق نشط يستهلك بضائعه، ويصنع بالحصار ضررًا مستمرًّا لتجارته وسمعته. ذكرت مجلة الإكونومست أن مشتريات القطريين من العقارات في دبي عام 2016 تجاوزت الخمسمئة مليون دولار[8]، وتمتلك قطر للبترول نسبة تبلغ (38.1%) في شركة التكرير العربية في مصر التي تمتلك بدورها نسبة تبلغ (66.6%) في الشركة المصرية للتكرير[9]. وكانت قد زادت الاستثمارات القطرية في مصر على خمسة مليارات دولار[10]. واستوردت قطر عام 2016 ما قيمته 19 مليار ريال قطري من السعودية والإمارات والبحرين[11]. كل هذا الاستثمار ذهب هباء وتحول إلى دول أخرى منها تركيا وإيران وعمان والكويت وغيرها. فالرأسمالية ربطت العالم بطريقة غير مسبوقة، وخروج مزود تجاري يعني تنافس عشرات آخرين على الأسواق التي خرجوا منها. وكان أن ضاعفت تركيا من استثماراتها مع قطر، وزاد التبادل التجاري بين البلدين في عام 2018 بنسبة 54%[12]. وافتتحت تركيا في الدوحة مكتبًا لتشجيع الاستثمارات القطرية على أراضيها عام 2017، فنجحت في جذب 179 شركة قطرية تعمل اليوم في السوق التركي الذي وصلت القيمة الإجمالية للاستثمارات القطرية فيه إلى نحو 22 مليار دولار عام 2019 [13]. ثم تنامى الاستثمار والتعاون بشكل أكبر بين الدولتين، كما تحولت الكثير من الاستثمارات الشعبية لتركيا.

أما جهود حكومات الخليج في إنفاق ثروات الشعوب في الدعاية المضادة، كل ضد الآخر، فهذا مما يصعب حصره أو إحصاؤه، إذ تدفقت الثروات على مراكز الدراسات ودكاكين اللوبيات في أمريكا وبريطانيا وغيرها بما لا سابقة له في التاريخ. وهنا فقط أنموذج لشركة دعاية واحدة، فقد "كشفت وثائق كامبردج أناليتيكا أن أبوظبي دفعت مبلغ 333 ألف دولار مقابل شن حملة في مواقع التواصل الاجتماعي لتشويه سمعة قطر وربطها بالإرهاب عام 2017"[14]. وكذا إعلانات "سابراك" في بعض التلفزيونات الأمريكية لترويج التهمة نفسها، وزادت تملقًا بقولها إن قطر تقوم بتهديد حلفاء أمريكا في المنطقة.

ولم تكن الخسارة على تجارة وموارد حكومات الحصار، بل تضررت أيضًا تجارة قطر، خاصة الخطوط القطرية[15]، التي كانت بعض محطاتها الخليجية نحوًا من عشرين رحلة في اليوم، وكانت وقتها الخطوط الجوية القطرية قد وصلت إلى أكثر من مئة وخمسين محطة جوية حول العالم.

تبين للمحاصرين منذ وقت مبكر فشل الخطة، فلا حوصرت قطر عالميًّا ولا سقطت حكومتها، وحتى آمال بعضهم بإطالة الحصار سقطت. وكان أحدهم قد قال لوزير الخارجية الأمريكي الذي سألهم: إلى متى الحصار؟ فكان رد أحدهم: إنه كحصار أمريكا لكوبا! تبين أخيرًا للمحاصرين أن هذا الفشل الكبير للحصار أنتج حصارًا للمحاصرين أنفسهم ولم يحقق شيئًا، وكانوا يتوهمون أن حكومة قطر ستخضع وتقع تحت حصار منهك، كالذي مورس ضد العراق زمن صدام حسين بين عامي 1990 و2003. لكن الزمن غير الزمن والناس غير الناس والظروف غير الظروف.

بعد انكشاف فشل المحاصرين في تحقيق مطالبهم، وخوفهم من الإدارة الأمريكية الجديدة التي قد تقسرهم علنًا على إنهاء الحصار، أراد كوشنر وترامب تسجيل موقف تاريخي لا يحسب لغيرهم، فأمروا الحكومات التي فشلت خطتها بإنهاء المهزلة. وتنقل كوشنر بين الرياض والدوحة عدة مرات لترتيب إعادة العلاقات بين الرياض والدوحة، وتم الأمر بين الطرفين. ولم تتم مفاوضات مع بقية المحاصرين، بل اعتبرت قطر أن الرياض التي تتفاوض معها مفوضة أو ممثلة للباقين، وذلك سبّب آلامًا سياسية لن تنتهي بسرعة للذين تم تغييبهم أو أسقطوا من المشهد، كما سقطت الشروط الثلاثة عشر التي زعم بأنه لا نهاية للأزمة إلا بتنفيذها، وتجاهل المحاصرون أهم الأسباب الذي أعلنوها مبررًا للحصار[16]. وتم عقد مؤتمر العلا بإشراف من كوشنر يوم 21 جمادى الأولى 1442هـ، الموافق 5 يناير 2021م، وتم فيه إعلان إنهاء الحصار.

تفسر حكومات الحصار تراجع موقفها لا إلى فشلها الذي تحقق وانكشف، ولكنها تحاول أن تبرر وتنشر إعلاميًّا، عبر كتابها ومنصاتها، أن سبب التراجع هو قدوم بايدن الرئيس الديمقراطي للبيت الأبيض، وأنه سوف يعيد الاتفاق مع إيران، ومن ثمّ ينهي الطموحات الإسرائيلية بإسقاط النظام هناك، ويسقط التشدد الإسرائيلي الذي كان يستتبع حكومات الحصار بدعوى أنه سيسقط إيران، وخوفًا من أن يجدد بايدن وفريقه الديمقراطي الاتفاق مع إيران وتنتهي حجج المحاصرين والتي كان منها وجود علاقات مع إيران. وربما ينبش عن قضايا أخرى مرعبة، علمًا أن الاتهام بعلاقات قطر بإيران لم يكن حقيقيًّا، فأكبر شريك تجاري لإيران هي الإمارات، والعلاقات بينهما والزيارات قبل وبعد الحصار أكثر من قطر، والحضور الإيراني في الإمارات في شتى الجوانب يفوق بلا مقارنة وجودهم وتجارتهم في قطر. أخيرًا تمت المصالحة ليس بسبب مصالح الشعوب ولا انتهاء الخلافات، بل كما نشر أحدهم: "المصالحة الخليجية: ليس حبًّا في قطر إنما كرهًا في إيران"[17].

لماذا سيبقى مجلس التعاون هشًّا؟

السؤال رغم أهميته إلا أن الإجابة واضحة، فهو كأي مؤسسة تقيمها حكومات فردية، يبقى رهينًا لهؤلاء الأفراد ومصالحهم وتوجهاتهم وصداقاتهم وخصوماتهم. وهو نفسه السؤال الذي تورده الشعوب العربية على الجامعة العربية المشلولة من بدايتها إلى يومها، يستعملها الغزاة والمستعمرون متى احتاجوا إلى ذلك، ويهملونها وتصبح ناديًا نمطيًّا ثقيلًا وفاشلًا تستعرض فيه خلافات الفاشلين وخصوماتهم، فلا قتلوها لرغبة الخارج في بقاء رمزيتها واستعمالها حين الحاجة، ولا أحيوها لأنها لن تحقق المصالح الفردية للحكام، ونشاطها مرتبط بحاجات الخارج وحاجات المستبدين، وفي مرات عديدة كانت تقام لها بدائل مؤقتة لتمضية حاجة أو موقف، فهي ناد للحكام، وما يتفرع عنها مثلها.

وكذلك مجلس التعاون الخليجي، فهو مجلس للحكام، وإدارته ورئيسه وموظفوه مجرد سكرتارية لتنسيق اللقاءات والحفلات للحكام وتنفيذًا لإراداتهم، فلم تنشئه الشعوب، وليس لها فيه أي دور، حيث لا يوجد برلمان خليجي، ولا يوجد للمجلس أي مؤسسة منتخبة، ولا أي صلة يمكن أن تتطور من خلاله أو عبره علاقات الشعوب ومصالحها، فهذه المؤسسة تدار بمزاج شخصي للحكام، ويتحكم فيها مزاجهم وأهواؤهم وتطبيق إملاء الإرادات الدولية عليهم. وسيبقى المجلس كذلك ما لم يصبح للشعوب وجود مؤثر في القرارات، أو تتقدم بمطالبها لتطوير هذه المؤسسة، وليُجبر المتنفذون على المساهمة في إصلاح واقعها، وإلا بقيت أو تطورت باتجاه كونها أداة قمع وتمزيق وتهديد لمصالح الناس كما حدث عام 2017. وليس هناك للأسف ما يدل على أي توجه لجعل هذه المؤسسة فعالة مفيدة للناس من قبل المتحكمين فيها.

وإن كان هناك من نجاح سابق جيد يعود جزئيًّا إلى المجلس فبسبب بقية مروءة وأعراف عربية وعلاقات ومصالح عامة كانت مؤثرة في جيل سابق وأذن لها بالتحرك تحت هذه المظلة. وكان لدى بعض الحكام المؤسسين من الأعراف العربية القديمة ما يجعلهم يقللون من التدخل في خصوصيات الناس ويقدرون أنفسهم ووجوه مجتمعهم، فقامت مؤسسة مرضي عنها شعبيًّا ورسميًّا، ثم إن ذلك الجيل مات، وآلت الأمور إلى أشخاص لم يقدروا قدر الناس وحاجة المجتمعات إلى مؤسسات جامعة تحقق مصالحهم، وتحركوا أحيانًا بمشاعر الانتقام والآنية وتجاهل المواضعات القبلية وغياب الحكمة، وهذا دمر بقية التعاون ونزل مستوى الخطاب من الخصومة إلى الفجور، بل إلى مستوى من التفاهة والشتائم والخوض في الأعراض بما لا سابقة له من التدني، وسبب جروحًا شخصية واجتماعية وقبلية تأبى الاندمال قريبًا. ولنا أمل لا يكل في أن تتجاوز منطقتنا هذا الفشل والهبوط، وترتقي ويرتفع النافذون فيها إلى مستوى من المسؤولية ومستوى الشعوب التي قهروها في حرياتها ودينها وأخلاقها وأعرافها، ونزلوا بها ذاك النزول المشين.

إن المجلس سيبقى ضعيفًا معرضًا للهزات وربما للتمزق، كما حصل أخيرًا منذ أكثر من ثلاث سنوات، ما لم يكن هناك وضع قانوني شعبي ملزم، ومؤسسات منتخبة، وركائز صلبة تقلل من تعرضه لهواجس الأفراد وخلافاتهم الشخصية إلى دور مؤسسة حامية لمصالح الناس في المنطقة.

 

[1]     في حديث له مع عدد من الزوار الخليجيين.

 

[2]     عن أثر الحرب العراقية الإيرانية في تأسيس المجلس، راجع دراسة عمر الحسن: "تشكيل مجلس التعاون الخليجي: الرواية الرسمية" (بالإنجليزية)، موقع مركز الجزيرة للدراسات: https://bit.ly/2NmNjSn

[3]     مركز دراسات الوحدة، بيروت، 2011.

[4]     الموقع الرسمي لمجلس التعاون لدول الخليج تقف معظم إحصاءاته عند عام 2012 وعدد السكان وقتها 47 مليون والإحصاءات التالية من مواقع مختلفة.

[5]     نشر تلفزيون سلطنة عمان يوم الثلاثين من كانون الثاني/ يناير 2011، وفيه أعلنت السلطنة اعتقال خلية تجسس تابعة لجهاز أمن الدولة الإماراتي كانت تستهدف نظام الحكم في سلطنة عمان وتستهدف آلية العمل الحكومي والعسكري.

[6]     في زيارة لأمير الكويت الراحل إلى واشنطن، وكان تصريحه في مؤتمر صحفي مشترك مع ترامب بتاريخ 8 سبتمبر 2017.

[7]     ورد بعض هذا في تحقيقات مولر، ونشرت ديلي ميل البريطانية معلومات بهذا الصدد:  http://dailym.ai/3nVPhWd وفي ذا إنترسبت: https://bit.ly/39OgB3J

[8]     The Economist. “The Boycott of Qatar is Hurting its Enforcers” , 27/October/2017.

[9]     موقع شركة قطر بتروليوم في 19 نوفمبر 2019: https://www.facebook.com/qatarpetroleum/posts/2840761685957338

[10]Gulf Times: https://bit.ly/2LP2CCH

[11]    موقع الخليج أونلاين، "مع تحقيق المصالحة: ما المكاسب الاقتصادية لدول الأزمة الخليجية؟": http://khaleej.online/wxA75b

[12]    الجزيرة نت: https://bit.ly/3qOhYGL

[13]    ترك برس، "بالأرقام.. حجم الاستثمارات القطرية في تركيا وأسباب نموّها المستمر": https://bit.ly/39KdM3S

[14]    صحيفة العرب، "قصة شركة دعاية بريطانية وظفتها أبوظبي ضد قطر"، 20/3/2018: https://bit.ly/3p4ASIE

[15]    في عام 2018 أعلنت الخطوط الجوية القطرية خسارة مقدارها 69 مليون دولار لعام 2017 جراء المسافات الطويلة التي اضطرت الشركة للسير بها جراء الحصار الجوي من الدول الأربع، انظر موقع راديو مونت كارلو: https://bit.ly/3sHTCA8

[16]    موقع دويتشه فيله: https://bit.ly/3qCssc8

[17]    موقع محطة بي بي سي، 6 ديسمبر/ كانون الأول 2020: https://bbc.in/2KBllBm

 

شارك :

التعليقات (0)

أضف تعليق