الكيان الصهيوني وثورات الربيع العربي

طباعة 2020-06-02
الكيان الصهيوني وثورات الربيع العربي

يحيى محمد عبد الله إسماعيل[1]

مقدمة

 تتناول هذه الدراسة نظرة الكيان الصهيوني إلى ثورات الربيع العربي في عامها الأول فقط، بما في ذلك كل ألوان الطيف السياسي والأمني، من خلال تصريحات رسمية منشورة لكبار المسؤولين، وإصدارات لباحثين ومحللين من مختلف المشارب والاتجاهات؛ وستركز على الانطباع العام الذي ساد الكيان الصهيوني خلال العام الأول للثورات، ولن تتطرق إلى مآلات الربيع العربي؛ نظرًا إلى أن النهاية مفتوحة على احتمالات شتى.

 تشتمل الدراسة على تمهيد، ومبحثين، ثم خاتمة بأهم النتائج. أما التمهيد فيتناول مصطلح الربيع العربي والتأطير السلبي من جانب الكيان الصهيوني له وللثورات برمتها إلا فيما ندر، ويتناول المبحث الأول وجهة نظر المسؤولين والمحللين في الكيان الصهيوني في تدخل بعض القوى الإقليمية والدولية في مجريات الثورات العربية، وكيف ركزوا على دولتين إقليميتين بعينهما، فيما غضوا الطرف عن أشكال أخرى من التدخل. أما المبحث الثاني فيتناول المواقف الرسمية المعلنة للمستويين السياسي والأمني ولغيرهما من اللاعبين تجاه ثورات الربيع العربي، وينتهي البحث بخاتمة توجز أهم الرؤى المتعلقة بنظرة مسؤولي الكيان الصهيوني للثورات العربية.

تمهيد: تعريف المصطلح

 ثمة تباينات بين الباحثين في تسمية وتوصيف ما وقع من أحداث غير مسبوقة، في المنطقة العربية منذ أواخر عام 2010 وحتى الآن، إلا أن مصطلح الربيع العربي كان الأوفر حظًّا والأكثر استعمالاً، وهو مصطلح له كثير من الظلال الإيجابية[2] من المعاني من الناحية الديمقراطية.

 ويزعم البروفيسور أسعد غانم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا، أنه هو من صك هذا المصطلح، صرح بذلك في مقال نشره علي موقع الجزيرة نت مع بداية الأحداث مباشرة، مشيرًا إلى أن هذه الأحداث ليس لها مثيل في التاريخ العربي الحديث، ولا في التاريخ العربي ما قبل الحديث، باستثناء رسالة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في القرن السابع الميلادي وانتشار الإسلام بعد ذلك[3]. وتكمن الأهمية التاريخية للربيع العربي، من وجهة نظره، في "مركزية المواطن والجماهير في إحداث التغيير"[4]. لكن من المرجح أن أول من صك هذا المصطلح هو مارك لينش في مقال نشره في 6 يناير 2011 في مجلة (Foreign Policy) الأمريكية[5].

 ويعد المصطلح استدعاءً ذهنيًّا إيجابيًّا للثورات التي اندلعت في أوروبا عام 1848، والتي اصطلح على تسميتها أحيانًا "ربيع الشعوب". كما يعد المصطلح صدى، في نظر البعض، للاحتجاجات المناهضة للاتحاد السوفيتي السابق التي جرت في تشيكوسلوفاكيا السابقة عام 1968، وأطلق عليها "ربيع براغ" [6].

 ومن الأمور المثيرة للسخرية أن بعض الدوائر الأمريكية والغربية، بل العربية للأسف، من سياسيين وإعلاميين ومدونين، روّجوا للمصطلح في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق في مارس 2003، قبل اندلاع الثورات في بعض دول المنطقة بسبع سنوات؛ وتوقعوا أن يُحدث الغزو "عملية دمقرطة في أنحاء العالم العربي"[7]، حتى إن محرر الشؤون العربية في جريدة هاآرتس، تسفي برئيل، زعم أن العراق "يشهد (ثورة) في الحكم بفضل الاحتلال الأمريكي"[8].

 ويرى نفر آخر من الباحثين أن مصطلح "يقظة عربية" هو المصطلح المناسب لتوصيف الأحداث، ومن بينهم وزير الخارجية الأردني السابق مروان المعشر، الذي يعمل اليوم باحثًا كبيرًا في مؤسسة "كارنيجي"، حيث يتفق مع رأي جورج أنطونيوس-مؤلف كتاب يقظة العرب The Arab Awakening – الذي يقول: إن الشيء الذي أطلق عليه البعض "الربيع العربي" وأطلق عليه آخرون "الجحيم العربي"، كان ينبغي تسميته "اليقظة العربية الثانية"[9]. يشير المعشر إلى أن نهاية الحقبة الاستعمارية وما بعد الاستقلال بشرت بيقظة عربية في اتجاه تحقيق الديمقراطية والليبرالية، إلا أن أنظمة الحكم التي حلت محل المستعمر المستبد بددت هذا الأمل، ولم تعر كلها، سواء أكانت ملكية أم جمهورية، اهتمامًا يذكر بتطوير منظومات من التوازنات والكوابح للسلطة التنفيذية"[10]؛ مستنتجًا أن الأحداث الأخيرة هي "اليقظة العربية الثانية".

 من ناحية أخرى، يرى الكاتب الفلسطيني سلمان مصالحة، من فلسطينيي 1948، أن ما حدث في أكثر من بلد عربي هو "انتفاضات وليس ثورات، ولا يمكن وصفه، بأي حال من الأحوال بأنه ثورة بما تعنيه كلمة ثورة في العلوم السياسية "[11]؛ وهو ما نختلف معه فيه، حيث إنها ثورات تتطلع إلى تحقيق آمال شعوب المنطقة في تأسيس نظام حكم ديمقراطي يكون فيه المواطنون مصدر السلطات.

 ومثلما تضافرت أنظمة الحكم الملكية في أوروبا، في القرن السابع عشر، بعد الثورات المسماة "ربيع الشعوب" من أجل إجهاضها، ونسقت بينها في هذا الشأن، نسقت بعض أنظمة الحكم العربية، أيضًا، فيما بينها من خلال الجامعة العربية. حيث دعت هذه الأنظمة إلى عقد اجتماع لها في 2011 للحيلولة من انتشار ثورات أخرى في الوطن العربي، والوعد بالدعم المادي للدول المستهدفة لتحقيق تنمية اقتصادية في هذه الدول[12].

 وإذا نظرنا إلى توصيف دولة الكيان الصهيوني للأحداث، لن يكون مستغربًا إذا اكتشفنا أن استيعاب مصطلح الربيع العربي في إطار الحوار العام قد استغرق وقتًا طويلاً للغاية، وعندما دخل دائرة الحوار "وجد كثيرون صعوبة في قبوله، وتحفظوا على النبرة الإيجابية والتفاؤلية الكامنة فيه"[13]. وقد نفى عنها هذه الصفة وزير الشؤون الاستراتيجية في حينه موشيه يعلون قائلاً: "الحدث دراماتيكي وتاريخي وسيكون له مسمَّى، لكن ليس الربيع العربي"[14]. وزعم الرئيس السابق للموساد ميئير داجان أن من الخطأ استعمال مصطلح الربيع العربي، موضحًا أن "من صك هذا التعبير استمده من أحداث وقعت في أوروبا عام 1848، حيث انتشرت آنذاك في العالم أفكار ليبرالية، في حين لا يوجد فيما حدث هنا أي بشارة ليبرالية"[15]. وفي هذا التصريح تعامٍ عن حقيقة الشعارات التي رفعها المتظاهرون في الميادين، مطالبة بالحرية والديمقراطية. واعترض الرئيس السابق لهيئة الاستخبارات العسكرية عاموس يادلين على استعمال المصطلح، قائلاً: "إننا ندرك اليوم أن كلمتي "الربيع العربي" لم تصفا بشكل صحيح الظاهرة التي أثارت ضجة في الشرق الأوسط عام 2011"[16].

 وقد ناقشت هيئة الاستخبارات العسكرية بالكيان الصهيوني المسألة، ورجحت أن مصطلح الربيع العربي ليس مناسبًا، واتخذت قرارًا باستعمال مصطلح "هزة إقليمية" بوصفه مصطلحًا رسميًّا لتوصيف الأحداث في العالم العربي[17]. وفتح هذا التوصيف الرسمي من جانب مؤسسة تحظى بثقة داخل الكيان الصهيوني المجال أمام كثير من الساسة والمحللين والمعنيين به لاستعمال مصطلحات منفرة وسلبية لتوصيف الأحداث، من قبيل "شتاء عربي"، أو "شتاء إسلامي"، كمسميات تعترض على المصطلح الأصلي والمتعارف عليه، وتعبر عن قراءة سلبية للأحداث، وهو أمر ليس بالمستغرب، إذ إن دولة الكيان الصهيوني تخشى أمرين رئيسين : أن تنشأ أنظمة حكم ديمقراطية في المنطقة تنزع منها احتكارها وتشدقها الدائم بأنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة ؛ وأن تنتج الديمقراطية أنظمة حكم تعبر عن الإرادة الحقيقية لشعوب المنطقة التي لا تكن وُدًّا لهذا الكيان الغاصب.

 وإذا كانت الأحداث في نظر الإسرائيليين "شتاءً" وجحيمًا، وأمرًا سلبيًّا غير مرغوب، فإنها في اعتقادي مبشرات بربيع حقيقي قادم، وإن تعثرت خطواتها، أو تنادى الكارهون لوأدها وهي في مهدها، لذا يتبنى البحث مصطلح الربيع العربي، واثقًا بمجيئه طال الزمن أم قصر.

المبحث الأول: التدخل الإقليمي والدولي في ثورات الربيع العربي من وجهة نظر الكيان الصهيوني

 تتدخل قوى دولية وإقليمية في الشأن العربي، بشكل مباشر وغير مباشر، بداعي الحفاظ على مصالحها القومية ومناطق نفوذها، وفي المقابل تجد بعض الدول العربية نفسها تستعين، في بعض الأحيان، بهذه القوى إذا تلاقت المصالح الثنائية. من هنا، زعم بعض المحللين أن ثورات الربيع العربي مؤامرة أجنبية، ورطت فيها القوى الأجنبية الشعوب العربية، وهو زعم سخيف يلغي قدرة الشعوب على العمل والثورة ضد الاستبداد. صحيح أن هناك تدخلاً أجنبيًّا خارجيًّا ساعد على أن تختطف الثورات الشعبية لأسباب عديدة لا يتسع المجال لذكرها هنا، لكن الشعوب العربية هي التي صنعت هذه الثورات بدون تحريض أو تآمر من أحد. إنها ثورات عفوية، تغيرت أهدافها بعد ذلك عن طريق عناصر خارجية.

 

تدخل قوى إقليمية

تمثل إيران هاجسًا مرعبًا للكيان الصهيوني في العقود الأخيرة؛ لذا فإن ساسته ومحلليه وخبراءه يرصدون كل شاردة وواردة لها في المحيط العربي، ويدرسون انعكاسات ذلك عليه، لا سيما في المجال العسكري. ويزعم ميخائيل سيجل، وهو كبير باحثين وخبير في الشؤون الإيرانية أن "ثمة انعكاسًا للتدخل الإيراني النشط في النزاع في اليمن، ولمختلف الوسائل القتالية التي تقدمها وتختبرها في المنطقة، على المواجهة التي تخوضها التنظيمات الإرهابية مع إسرائيل في جولات قادمة من المواجهة"[18]. وهو يشرح ذلك بقوله: "تستعمل حماس وحزب الله منذ مدة أدوات طيران غير مأهولة من إنتاج إيران، أو منتجة بمعلومات إيرانية، في الكفاح ضد إسرائيل، وهي مشابهة جدًّا لتلك المستعملة في اليمن، ومن شأنها أن تشن هجمات على قوات جيش الدفاع الإسرائيلي، أو على تجمعات سكنية مدنية تتجاوز مستوطنات غلاف غزة[19]. ويتطرق سيجل إلى المعدات البحرية، محذرًا من أن تزويد إيران حماس وحزب الله بقوارب ملغومة غير مأهولة، من العينة نفسها التي استعملها الحوثيون في اليمن، من شأنه أن يمثل تهديدًا من نوع جديد لسلاح البحر ولأطواف الغاز في البحر المتوسط، مشيرًا إلى أنه كلما استمر النزاع في اليمن فإن إيران وحزب الله سيراكمان خبرة في هذا المجال، وسيطبقانها في ساحات أخرى للقتال[20]. وفي إطار التحريض ضد إيران يقول مردخاي كيدار -أكاديمي ومستشرق صهيوني- إن إيران تستغل البناء الاجتماعي المتقوض في بعض دول المنطقة من أجل التغلغل في العالم العربي[21].

 ليست إيران فقط تمثل هاجسًا مزعجًا لدولة الكيان الصهيوني، وإنما تمثل تركيا أيضًا - مع اختلاف في درجة الإزعاج لأسباب مختلفة لا يتسع المجال لذكرها - مصدر قلق بسبب مقاربتها الإسلامية، إذ يرصد السفير السابق للكيان الصهيوني في مصر، تسفي مزائيل، الحضور التركي في الإقليم العربي بعين المستريب: "بعد أن نجح في أن يصبح عنصرًا مؤثرًا في سورية، وينشئ قواعد عسكرية في العراق وقطر والصومال، ويضع أساسًا للتعاون الاقتصادي في السودان، التفت الرئيس التركي أردوغان في الأسابيع الأخيرة إلى مساعدة التنظيمات الإسلامية المرتبطة بالإخوان المسلمين في ليبيا، عبر إرسال شحنات من الأسلحة إليهم"[22]. ويخلط مزائيل الحقائق ويحرفها عن مسارها الأساس، بل إنه يتعمد تشويهها، بزعمه أن تركيا تقف إلى جانب الأحزاب الإسلامية المقربة من "الإخوان" في ليبيا، وهو زعم فيه خلط كبير، حيث انحازت تركيا -خلال ثورات الربيع العربي- إلى اختيارات الشعوب وليس إلى فصيل بعينه. أما الإيحاءات التي يتوخاها من وراء ذلك الخلط والتشويه، فإنها تتمثل في التعبير عن مشاعر الخوف لدى الكيان الصهيوني وبعض الأنظمة في المنطقة وبعض الدول الأوروبية من صعود الإسلاميين، إذ يزعم أن تركيا "وقفت بعد سقوط القذافي في 2011 إلى جانب الأحزاب الإسلامية في ليبيا بزعامة الإخوان المسلمين، الذين حققوا أغلبية في أول انتخابات برلمانية في العام نفسه"[23]. وهو يبدي استغرابه من عدم وجود رد فعل تجاه السياسة التركية في المنطقة، في تحريض للغرب وغير الغرب ضدها: "ما تقوم به تركيا في المنطقة لا يثير أي رد فعل تقريبًا، والإعلام الغربي يتحدث عن سياسة التمدد التركية على استحياء، إذا تحدث أصلاً "[24]، ناعيًا ما يسميه "الضعف البنيوي لأوروبا وعجزها في مواجهة الفوضى في الشرق الأوسط، وتجاهلها أيضًا السياسة العدوانية لأردوغان"[25]، بحسب زعمه. على الطرف الآخر، يرى ليئور لاهريس أن الأحداث تثبت أن هناك ضرورة لترميم العلاقات مع تركيا بسبب كونها عنصرًا مهمًّا وعامل استقرار في المنطقة، وبسبب التقاء المصالح العديدة بين الدولتين[26].

 

تدخل قوى دولية

 وفيما يتعلق بنظرة الكيان الصهيوني إلى المواقف الأولية الإيجابية، التي اتخذتها بعض الدول الأوروبية إزاء ثورات الربيع العربي في الأطوار الأولى من تشكلها، نلاحظ أن هناك غموضًا إزاءها من جانب وتبرمًا منها من جانب آخر. يقسم عوفر كنيج هذه المواقف إلى مواقف مؤيدة لحق الشعوب في الحرية والديمقراطية ونظام حكم تنافسي، وأخرى متشككة في تفسير الأحداث تفسيرًا إيجابيًّا، حذرت من الخطر الكامن في صعود نظم حكم إسلامية إلى سدة الحكم بدلاً من نظم الحكم العلمانية المستبدة[27]. وأشار كنيج إلى أن هذه النظم العلمانية المستبدة كانت مريحة للغاية للدول الغربية؛ حيث صانت أو حافظت بشكل عام على علاقات جيدة مع الدول الغربية[28].

 ويؤكد تسفي مزائيل، السفير السابق للكيان الصهيوني في مصر وكبير الباحثين في مركز القدس للشؤون العامة والدولية، المعني السابق ذاته؛ حيث يرى أن النظرة الأولى للغرب تجاه الأحداث كانت خاطئة، لا لشيء إلا لأنها أتت بالإسلاميين إلى الحكم في أكثر من دولة، حيث يقول: "رأى الغرب في الأحداث "ثورة عربية كبري" وأراد أن يصدق أنها ستحرر الشعوب العربية من الاستبداد، وستؤدي إلى الديمقراطية والتنمية الاقتصادية. إلا أن هذه الآمال سرعان ما تبخرت، ووصلت أحزاب الإخوان المسلمين إلى السلطة في المرحلة الأولى"[29]. يتحدث مزائيل هنا وكأن هذه الأحزاب وصلت بطريق غير ديمقراطي، وبغير إرادة شعبية، بل إنه يتعمد إشاعة أخبار كاذبة في حق هذه الأحزاب الإسلامية؛ حيث يزعم، ضمن أكاذيب أخري، أن حزب النهضة التونسي، الذي وصل إلى السلطة في انتخابات 2011، "شجع العناصر المتطرفة التي جرَّت تونس إلى حافة حرب أهلية بعد اغتيال اثنين من المعارضة اليسارية عام 2013"[30].

 ويلخص يعقوف عميدرور النظرة الحقيقية للدول الغربية تجاه صعود الأحزاب الإسلامية إلى الحكم بقوله: "الواقع المرير أن العالم الغربي الديمقراطي يخوض حربًا حقيقية ضد الإسلام السني الراديكالي، وهي حرب مستمرة منذ أكثر من ثلاث عشرة سنة"[31]. لكنه، مع هذا الاعتراف الصريح، يرى أن "الشرق الأوسط كان محظوظًا بسبب فشل جهود عناصر خارجية في منع الثورات المضادة لثورات الربيع العربي أو وقفها، مشيرًا إلى أن هذه الجهود لو نجحت وتثبت حكم الإخوان في مصر، لأدت إلى تعزيز قوة الإسلام المتطرف أضعافًا مضاعفة"[32]. ومن الواضح أن الغرب والكيان الصهيوني يتشاطران النظرة السلبية ذاتها تجاه حق شعوب المنطقة في الحرية والديمقراطية، وتجاه رغبتهم في التخلص من الأنظمة الاستبدادية، تخوفًا لا غير من أن تأتي الديمقراطية بنظم ذات مرجعية إسلامية.

 ويردد بعض الباحثين في الكيان الصهيوني، ومنهم مردخاي كيدار، المقولة الممجوجة والفارغة التي يلوكها، للأسف، بعض المثقفين والمسؤولين في المنطقة، والقائلة إن الديمقراطية لا تصلح للمنطقة، أو أن شعوبها غير ناضجة لها، حيث يقول: "ثمة صعوبة في نقل حل من أوروبا الديمقراطية لحل مشاكل الشرق الأوسط، بسبب الفروق الكبيرة والمهمة بين الثقافات"[33]. ويدلل الكاتب على ما يقول باستطلاع رأي أجراه موقع "إيلاف" استخلص فيه أن الديمقراطية غير قابلة للتطبيق في الشرق الأوسط"[34].

 ويعبر البروفيسور نمرود هوروفيتس عن عدم تخوفه من وصول الإسلاميين إلى الحكم؛ لإدراكهم، في نظره، أن تحقيق الاستقرار في سياساتهم وتحقيق أهدافهم العامة "يستوجب الحفاظ على علاقات وطيدة مع الدول العظمى ومع الهيئات الاقتصادية الدولية"[35]. وهو يدلل على ذلك النهج البراغماتي في كل ما يتعلق بالسياسة الخارجية والأمنية بالعلاقة بين مصر ودولة الكيان الصهيوني، خلال العام الذي حكم فيه الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي مصر، حيث يرى أن هذه العلاقة "تعبير بارز عن هذا الاعتدال، بسبب التطلع إلى الحفاظ على العلاقات الجيدة مع الجماعة الدولية"[36]. لكنه يشير، مع ذلك، إلى أن إقامة نظم حكم ديمقراطية، مهما كانت مرجعيتها، "يتعين عليها أن تأخذ بعين الاعتبار إرادة المصوتين الذين يعادون إسرائيل وسياستها تجاه الفلسطينيين، على اختلاف توجهاتهم، سواء أكانوا ليبراليين أم إسلاميين"[37]، مستنتجًا أن هذه النظم "تتبنى سياسة تساعد الفلسطينيين بدون الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل ومع الدول الغربية الداعمة لها"[38]. كما حذّر من أن ما يسميه الربيع الإسلامي "يعرّض علاقات إسرائيل مع دول المنطقة للخطر؛ لأن إسرائيل لن تستطيع، كما كان الحال في الماضي، التوصل بعد إلى اتفاقيات مع زعماء هذه الدول من وراء ظهر الجمهور العربي، لكن ليس بالضرورة أن تؤدي هذه الصعوبات إلى اندلاع نزاع عنيف"[39].

 

المبحث الثاني : الموقف السياسي الرسمي للكيان الصهيوني من ثورات الربيع العربي

 

التأطير السلبي للأحداث

 يعترف ليئور لاهريس أن ثورات الربيع العربي التي أثارت حوارًا مجتمعيًّا وإعلاميًّا "اتسمت بقدر كبير من التأطير السلبي، تمثل، ضمن أمور أخرى، في الاعتراض على مصطلح "الربيع العربي"، واستعمال الاصطلاح/ التسمية البديلة: "الشتاء العربي"، أو "الشتاء الإسلامي"[40].

موقف رئيس حكومة الكيان الصهيوني

 في عام 1993 نشر بنيامين نتنياهو كتابه (Place Among the Nations) الذي ترجم إلى اللغة العربية تحت عنوان مكان تحت الشمس، خصص فيه فصلاً لمسألة العلاقة بين الديمقراطية والسلام، وزعم فيه أن العقبة الرئيسة أمام السلام في الشرق الأوسط هو غياب الديمقراطية في العالم العربي، وطالب الدول الغربية بممارسة الضغوط على الأنظمة العربية حتى تتبنى الديمقراطية، إلا أن هذا الموقف تغير مع اندلاع ثورات الربيع العربي؛ حيث رسم في تصريحاته في الداخل صورة سلبية جدًّا لهذه الثورات وما تنطوي عليه من تهديد في نظره.

 ففي أول تطرق علني له على الثورة في تونس (في 6 يناير 2011) لم يشر نتنياهو إلى الجانب الديمقراطي في الأحداث، وإنما وصفها بأنها تعبير فقط عن الطابع غير المستقر للشرق الأوسط، حيث قال: "المنطقة التي نعيش فيها منطقة غير مستقرة. ونحن نرى هذا في العديد من الأماكن في المجال الجغرافي الذي نعيش فيه"[41]. بل إنه أبدى، في معرض تعليقه على الأحداث في مصر (في 31 يناير 2011)، تخوفه من صعود الإسلاميين إلى الحكم، وإقامة ما وصفه بـ"نظام قمعي للإسلام المتطرف، تداس فيه حقوق الإنسان، ويشكل خطرًا على السلام"[42]. وفي كلمته أمام "الكنيست"، في 31 أكتوبر 2011، استعمل خطابًا تخويفيًّا، قال فيه: "لو تحتم عليّ أن ألخص ما ينتظرنا في المنطقة لاستعملت مصطلحين: عدم استقرار وعدم يقين... نحن في حاجة إلى التحلي، في مواجهة اللايقين وعدم الاستقرار، بالقوة والمسؤولية"[43]. وبعد ذلك بشهر ألقى خطابًا آخر في الكنيست كان أكثر حزمًا، وبّخ فيه من رأى في الأحداث أمرًا إيجابيًّا يدعو إلى التفاؤل إزاء المستقبل، وحرَّض فيه ضد الإسلاميين، وحذر من وصولهم للحكم، حيث قال: "لا مكان للسذج في الشرق الأوسط... ملايين من المواطنين المصريين تدفقوا في شوارع القاهرة، آنذاك شرح لي محللون وكثيرون من رفاقي هنا في المعارضة بأننا على أعتاب عصر جديد من الليبرالية والتقدم يزيح النظام القديم... فقلت إننا نأمل أن يتحقق ذلك بالفعل، لكن بالرغم من كل الآمال فإن كل المؤشرات تقول إن موجة إسلامية ستغمر كل الدول العربية، موجة مناهضة للغرب، موجة مناهضة للّيبرالية، موجة مناهضة لإسرائيل، وفي النهاية موجة مناهضة للديمقراطية أيضًا"[44]. واستطرد ينفي عن نفسه تهمة التخويف أو اتخاذ موقف خاطئ: "قيل لي إنني أحاول تخويف الناس، وإننا نقف في الجانب الخطأ من التاريخ... أنا اخترت أن أوائم سياستنا مع الواقع وليس مع الأمنيات... أنا أتساءل اليوم: من منا هنا لم يفهم الواقع؟ من منا هنا لم يفهم التاريخ؟"[45].

 ومن الواضح أن خطاب نتنياهو الموجه إلى الداخل يقوم على التخويف والتحذير والتحريض، وبث روح اليأس من إمكانية تقدم دول المنطقة نحو الديمقراطية. أما خطابه الموجه نحو الخارج فذو لونٍ مختلف، فيه قدر من التفاؤل والتقدير والتعاطف مع قادة التغيير في المنطقة؛ فقد قال في أحاديث منشورة مع مسؤولين غربيين إن "إسرائيل دولة ديمقراطية تشجع النهوض بقيم الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط وإن النهوض بهذه القيم سيفيد السلام"[46]. ويأتي هذا الموقف المختلف من منطلق حرصه على أن يقلص الفجوة بينه وبين الجماعة الدولية، وأن يتماهى معها في نقدها للأنظمة المستبدة في المنطقة، كما قال في خطاب مهادن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2011، إنه "يمد اليد إلى الشعوب في ليبيا وتونس، ويقدر محاولاتها في بناء مستقبل ديمقراطي... (و) إلى المواطنين في سورية ولبنان وإيران متأثّرًا بشجاعة أولئك الذين يناهضون القمع الوحشي"[47].

 وظهرت هذه الروح في رد نتنياهو على أسئلة رواد الإنترنت من العالم العربي، حيث قال ردًّا على سؤال حول الربيع العربي: "إن زيادة مساحة الحرية تساعد في ازدهار الدول، ويمكن لزيادة حرية المعلومات أن تساعد في تحقيق السلام"[48]. وثمة نموذج آخر لهذا الخطاب المهادن المختلف عن خطاب الداخل، نجده في المقابلة التليفزيونية التي أجرتها شبكة العربية معه في يوليو 2011، حيث قال: "إذا حدثت ديمقراطية حقيقية في العالم العربي، فسيكون هناك سلام حقيقي آنذاك. حيث إن الديمقراطية الحقيقية تعكس إرادة الشعوب، ومعظم الشعوب، عرب ويهود، كلهم لا يريدون رؤية أبنائهم وبناتهم يموتون في ميدان المعركة"[49]. وحين سئل عن التخوف من ازدياد قوة الإسلاميين في أعقاب الربيع العربي، ظهر تخوفه وتحذيره منهم: "الشعوب العربية تريد التقدم، ولا تريد العودة إلى عصور الظلام، هي تريد عالمًا آخر"[50]. ومن الواضح أن هذا الكلام يختلف كثيرًا عن التقديرات التي عرضها نتنياهو أمام الكنيست، وزعم فيها أن الحركات الإسلامية هي "القوة الأكثر تنظيمًا وقوة في معظم الدول العربية، أما القوي الليبرالية، التي تتطلع إلى الحرية والتقدم، فإنها منقسمة وضعيفة"[51]. إذًا، قاد نتنياهو الخط الرسمي للكيان الصهيوني إزاء ثورات الربيع العربي، ورسم عبر تصريحاته العلنية صورة سلبية تؤكد المخاطر والتهديدات الكامنة فيها، ووصف سيناريوهات متشائمة، وانتقد من وجدوا في ثورات الربيع العربي فرصة أو مؤشرًا إيجابيًّا، وانتهج خطابًا مزدوجًا مارس فيه إزاء الخارج والجماعة الدولية خداعًا وتماهيًا مراوغًا. ويشير عاموس هرئيل، المحلل العسكري بجريدة هاآرتس إلى أن موقف نتنياهو صادف هوى لدي الناخبين الإسرائيليين، وإلى أن انتخابات الكنيست تحسم طبقًا لشعور الناخب بالأمن الشخصي أكثر من أي اعتبار آخر، وإلى أن استطلاعات الرأي تشير إلى تأييد راسخ لحزب الليكود -حزب نتنياهو- ولمواقفه[52].

موقف وزير خارجية الكيان الصهيوني

 شغل أفيجدور ليبرمان منصب وزير الخارجية في حكومة نتنياهو الثالثة، خلال ثورات الربيع العربي، ولم يختلف موقفه عن موقف نتنياهو من حيث ازدواجيته؛ فقد كان خطابه الداخلي تخويفيًّا وتحريضيًّا أيضًا، خاصة فيما يتعلق بالتغيير في مصر. ففي خطاب كتبه إلى نتنياهو في أبريل 2012 -خطاب سُرِّب إلى الإعلام-وصف ليبرمان سيناريو مرعبًا حيال انعكاسات الربيع العربي في مصر، حيث قال: "المسألة المصرية أكثر مدعاة للقلق من المسألة الإيرانية (...) ليس من المستبعد بعد أن يُنتخب رئيس جديد في مصر أن تنقض مصر اتفاق السلام بشكل جوهري، وأن تدخل قوات مؤثرة إلى سيناء"[53]. ودعا ليبرمان في هذا الخطاب أيضًا إلى "اتخاذ قرار سياسي شجاع، وإعادة بناء القيادة العسكرية الجنوبية -المواجهة لمصر -من خلال إعادة إنشاء الفيلق الجنوبي الذي حُلَّ بعد اتفاق السلام"[54]. أما خطابه إلى الخارج فكان مختلفًا، ويكاد يكون نسخة كربونية من خطاب نتنياهو المهادن تجاه الخارج، وكأن ثمة اتفاقًا على ما ينبغي أن يُقال هنا وهناك، حيث صرّح خلال زيارة إلى فرنسا، مخاطبًا وزير الخارجية آنذاك لوران فابيوس: "رغم ازدياد قوة العناصر الراديكالية، فإن الربيع العربي حمل معه قوى جديدة شابة، مثقفة وليبرالية"[55]. وطالب ليبرمان مساعدة فرنسا في إنشاء حوار بين إسرائيل وهذه القوى. ويُستشف من هذا كله أن الموقف الرسمي ارتكز على ثلاثة محاور: تخويف الداخل، ومهادنة الخارج، والسعي إلى إيجاد وسيلة لإقامة علاقات مع القوي الصاعدة بمساعدة الدول الغربية.

موقف رئيس الكيان الصهيوني

 لم يتبن رئيس الكيان الصهيوني، في حينه، شمعون بيرس هذا التأطير الرسمي السلبي لأحداث الربيع العربي، وذلك لاعتبارات تتعلق بشخصيته الدولية في المقام الأول، حيث كتب مقالاً في أبريل 2011، نشر في صحيفة الجارديان تحت عنوان: "We in Israel welcome the Arab spring" "نحن في إسرائيل نرحب بالربيع العربي"، جاء فيه: "إسرائيل تبارك رياح التغيير وترى في ذلك نافذة فرص"[56]. كما قال في خطاب له بمؤتمر الرئيس: "ربيع الشباب خير لنا جميعًا (...) نحن على استعداد لمساندة نجاحهم ودعمه، ليس من موقف التعالي، وإنما لأننا تواقون إلى الحرية"[57]. كما قال في خطاب أمام الكنيست: "لا شك أن صالح المنطقة كلها، بما في ذلك إسرائيل، أن يكون هناك نظام جديد، أن يقوم شرق أوسط يتوفر فيه غذاء وحرية. النضال ما يزال في مهده، ولا ينبغي الحكم عليه من الجولة الأولى أو من جولة واحدة"[58]. وفيما يتعلق بموقفه إزاء صعود الإسلاميين قال بيريس إن من المحتمل أن يفوز الإخوان المسلمون تحديدًا في الجولة الأولى، لكنه أوضح أنهم إذا لم يوفروا حلولاً حقيقية للمشاكل، وإذا استمر الفقر والقمع، فإن الجوع سيدحر مثل هذا الفوز... ولن يهدأ الشباب الذين قادوا الأحداث"[59].

 من المهم أن نشير، تعقيبًا على هذا التأطير الإيجابي للأحداث، إلى أن بيريس رجل دولة يتمتع بسمعة دولية طيبة، ومن ثم يصعب أن يخرج خطابه عن سياق الخطاب الغربي في حينه، كما تأتي هذه النظرة الإيجابية في إطار لعبة التوازنات داخل الساحة السياسية في الكيان الصهيوني.

 وثمة نوع ثالث وسط من المسؤولين في الكيان الصهيوني، بين هذين المشار إليهما سابقًا، يتبنى التأطير السلبي للأحداث من جانب، لكنه يحاول تقديم صورة أكثر تعقيدًا ذات زوايا أخرى، من بينهم وزير الاستخبارات في حكومة نتنياهو الثالثة، دان مريدور، الذي دعا في مقابلة صحفية أجريت معه في ديسمبر 2011 إلى "البحث عن فرص في التغيرات التي تجري في العالم العربي"[60]، مشيرًا إلى أن "هناك فرصًا لعقد تحالفات أيضًا، معظمها سرية"[61]، متفقًا في هذا مع السفير السابق للكيان الصهيوني بمصر، حتى نوفمبر 2011، يتسحاق لفانون، الذي قال : "لا يجب النظر إلى نصف الكوب الفارغ فقط"[62]. وحول الموقف من الإخوان المسلمين، بعث لفانون رسائل طمأنة جزم فيها بأن الإخوان المسلمين أقل خطرًا وأكثر براغماتية مما يصورون في إسرائيل"[63]، مقدرًا أن يكون لهم تأثير إيجابي، بالنسبة إلى إسرائيل، على حماس.

 وثمة صوت آخر يمكن أن نضمه إلى هذه الفئة هو تسيبي ليفني، التي شغلت منصب زعيمة المعارضة حتى مارس 2012، إذ وافقت في تصريحاتها على الفرضية الأساسية التشاؤمية التي تبناها نتنياهو وزمرته فيما يخص الربيع العربي، لكنها انتقدت بشدة سلوك نتنياهو وسياسته إزاء الأحداث، ويبرز ذلك في خطابها أمام الكنيست الذي وجهت خلاله حديثها إلى نتنياهو قائلة: "سيدي رئيس الحكومة، كلنا نعرف أن الربيع العربي قد يكون بداية شتاء إسلامي متطرف وبارد، لكن ما الذي تفعله في هذا الشأن بخلاف تحذير الناس؟"[64]. غير أنني أرى أن حديثها يأتي في إطار التجاذبات السياسية، والمناكفات المعهودة بين الحكومة والمعارضة، وأن حديثها لا يقل تشاؤمية عن خطاب نتنياهو.

 

موقف المؤسسة الأمنية وقادتها

 تبنت المؤسسة الأمنية وقادتها، في الأغلب، الخط المتشائم والتأطير السلبي لثورات الربيع العربي، مع التركيز على التخويف من صعود الإسلاميين إلى الحكم، ومن خطر نشوب مواجهات معهم، فقد زعم رئيس الهيئة الأمنية السياسية بوزارة الأمن، العميد (احتياط) عاموس جلعاد، أن الربيع العربي يقود إلى إقامة "إمبراطورية إسلامية"[65]، بل حذر بعض قادة المؤسسة من احتمال وقوع مواجهة شاملة وعامة مع الإسلاميين في حال وصولهم إلى سدة الحكم، ومنهم قائد الجبهة الداخلية أيال آيزنبرج الذي قال : "ما يحدث يسمى ربيع الشعوب العربية، لكنه قد يكون شتاءً إسلاميًّا راديكاليًّا، يرفع احتمالية وقوع مواجهة عسكرية شاملة وعامة"[66]. ومن بين من تبنوا النهج ذاته العميد (احتياط) يوآف جالانت، الذي قال إن "الربيع العربي قد يتضح أنه شتاء إسلامي مستمر وبارد، وجزم بأن السنين السبع السمان التي شهدتها إسرائيل في المجال الأمني توشك أن تنتهي، وأن التغيرات في العالم العربي تعقّد الوضع الأمني لإسرائيل وتلزمها بالاستعداد لإمكانية حدوث تدهور على جبهة واحدة أو أكثر"[67].

 وقدَّم رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية، آنذاك، العميد أفيف كوخافي - يشغل الآن منصب رئيس الأركان – توقعًا متشائمًا، إذ صرح في أغسطس 2012: "ستواجه إسرائيل في العام القادم بيئة إقليمية غير مستقرة ومتوترة، وأكثر إسلامية مما في الماضي (...) بيئة ستشهد سلسلة من الأزمات الإقليمية والداخلية، وسترفع سقف الحساسية لدى كل اللاعبين، ومن شأنها أن تفضي، حتى بدون تخطيط مسبق، إلى اندلاع مواجهات"[68].

 وهناك مسؤولون عسكريون آخرون، يتبنون التأطير السلبي ذاته للأحداث، لكنهم يحاولون تقديم صورة ذات زوايا مختلفة، ويطرحون قراءة أخرى للانعكاسات والاستنتاجات المترتبة على أحداث الربيع العربي. يشير أصحاب هذه المقاربة، على سبيل المثال، إلى أن الربيع العربي له انعكاسات إيجابية أيضًا، ومنهم الرئيس السابق لهيئة الاستخبارات العسكرية، عاموس يادلين، الذي صرح بأن ثورات الربيع العربي تعد "فرصة أكثر منها خطرًا، وأنها ستضعف المحور الراديكالي الذي عمل ضد إسرائيل"[69]؛ ومنهم رئيس الموساد السابق ميئير داجان، الذي صرح بأن "التحدي العسكري الذي تواجهه إسرائيل في أعقاب الربيع العربي قد توارى من ثلاث إلى خمس سنوات"[70]. لكن علينا أن نقرأ رؤية هذين المسؤوليْن العسكريين السابقين في سياق التجاذب مع سياسة رئيس الحكومة نتنياهو، حيث سبق لهما أن انتقدا سياساته في أمور أخرى.

 وفيما يتعلق بالتقدير الرسمي لهيئة الاستخبارات العسكرية نفسها للأحداث، فإنه يتضح من خلال الكتاب الذي وضعه رئيس قسم البحث بهيئة الاستخبارات، خلال فترة توليه المنصب في السنوات 2011 – 2015، تحت عنوان: البحث الاستخباري : تمحيص الواقع في عصر التغيرات والتقلبات، وخصص فيه فصلاً كاملاً للأحداث، أن الكتاب سمَّى بداية الثورات بأنها "هزة إقليمية، و حدث تاريخي، والصائغ الأكبر لطبيعة السنوات القادمة، وسيكون لها تأثير دراماتيكي على الشرق الأوسط، وبأن المنطقة موجودة الآن بين نظام قديم انهار ونظام جديد لم يتبلور بعد، وأن هذه الفترة الانتقالية تتسم بعدم اليقين وعدم الاستقرار وبالقابلية للانفجار"[71]. وقد صار مفهوم "هزة إقليمية"، الذي صكته الاستخبارات العسكرية، مفهومًا قائمًا بذاته تُبني على المستوى السياسي، وصار حجة في فهم الأمور من جانب كبار المسؤولين في الكيان الصهيوني.

 ويذهب الكتاب إلى أن "الدولة"، كمؤسسة وفكرة في الشرق الأوسط، قد انتصرت على المنافسين غير الدولاتيين – أي الشعوب والحركات السياسية والتنظيمات العنيفة والأفكار"[72]، زاعمًا أن "خروج الشعوب العربية إلى الشوارع احتجاجًا على الغبن السياسي والاقتصادي – الاجتماعي، ظاهرة أحادية وهامشية في جوهرها، وتافهة من حيث تأثيرها في مستقبل الشرق الأوسط"[73]، إلا أن هذا الزعْم فيه كثير من السطحية وقصر النظر، إذ إن التغيرات الراديكالية تستغرق وقتًا طويلاً من الزمن، كما حدث في الثورة الفرنسية على سبيل المثال، فضلاً عن أن حركة الشعوب في المنطقة أزاحت حكامًا ما كان يمكن إزاحتهم بدون هذا الحراك الشعبي.

 وفيما يتعلق بتأثير "الهزة الإقليمية" على الكيان الصهيوني، بحسب توصيف هيئة الاستخبارات العسكرية، فإن القول إن "القابلية للانفجار" أمر مترتب على "الهزة"، معناه أن ثورات الربيع العربي قد تدفع الكيان الصهيوني إلى "استعمال القوة أيضًا من أجل التصدي لأي تهديد محتمل وهو في طور التشكل"[74]. إلا أن الكتاب يشير إلى أن الخصوم السابقين – الدولاتيين وغير الدولاتيين على حد سواء – استمروا في العمل طبقًا لقواعد اللعبة، مرتدعين، من حيث المبدأ، من القوة الإسرائيلية، وإلى أن إسرائيل قد استفادت بشكل مخطط ومدروس من الفرص التي وفرتها "الهزة" للنهوض بمصالحها الاستراتيجية، سواء تمثلت في منع ازدياد قوة حزب الله عن طريق شن هجمات عليه داخل سورية، وإبعاد إيران وحزب الله عن الحدود الإسرائيلية من خلال مساعدة بعض العناصر العسكرية المحلية، وتعزيز الحلف الاستراتيجي مع مصر عن طريق مساعدتها في مكافحة الإرهاب في سيناء"[75]. ويذهب تقدير هيئة الاستخبارات العسكرية إلى أنه نشأ نظام جديد يكاد يكون مشابهًا للقديم، مع عدد أقل من اللاعبين الجدد، وأن حالات عدم اليقين والخطر قد تقلصت، بالنظر إلى استقرار الأحداث ومحدوديتها، بقدر كبير، إلا أن الشيء الوحيد الذي بقي ثابتًا هو حالة عدم اليقين البنيوي، وإلى أن هذه الحالة كانت قائمة قبل "الهزة الإقليمية" ومستمرة في الوجود بعدها أيضًا[76].

موقف المستشرقين داخل الكيان الصهيوني

 عبر المستشرقون والمحللون الإسرائيليون عن رؤيتهم للأحداث تعبيرًا متفاوتًا، شأنهم في ذلك شأن الساسة، وعرضوا اتجاهات وإجابات مختلفة، فمنهم من رسم صورة صعبة ومتشائمة، وشكك بقوة في أن تؤدي العملية الثورية إلى ديمقراطية، ومنهم من نحا غير ذلك. من بين أصحاب النظرة التشاؤمية جاي باخور، الذي وصف في مقال نشره في ديسمبر 2011 سلسلة من الاتجاهات والنتائج السلبية للربيع العربي من بينها: عدم الاستقرار وتفكك القومية العربية وفقدان الأمل: "العالم العربي تحول إلى عالم قمعي يمارس فيه موت يومي (...) لا وجود فيه لمتعة، لفرحة، فقط قلق عربي آخذ في التزايد من الغد"[77]. وثمة نموذج آخر، هو أوريا شافيط، الذي كتب مشككًا في قدرة الإخوان المسلمين على النهوض بالمجتمعات العربية: "النتيجة الحتمية لفوز الإخوان المسلمين هي إقامة نظام ثيوقراطي، يفرض سلطة رجال الدين على الشعب تحت مظلة العملية الديمقراطية، ولن يوفر الثورة العلمية والتكنولوجية التي تصبو إليها المجتمعات العربية"[78]. ولا ندري، حقيقة، ما المعايير التي استند إليها شافيط حين جزم بأن "الإخوان المسلمين يتكلمون لغة ديمقراطية وليبرالية، ويتصرفون أحيانًا كديمقراطيين وليبراليين، ومع ذلك، فهم ليسوا ديمقراطيين وليسوا ليبراليين"[79]. ولا يعد موقف شافيط جديدًا من مسألة الديمقراطية في العالم العربي، إذ سبق وسجله في كتاب بعنوان فجر يوم قديم، صدر عام 2003، شكك فيه بإمكانية حدوث تطور ديمقراطي وليبرالي في الدول العربية، وربط ذلك بالبناء الاجتماعي والثقافي القائم، وهي حجة ما انفك يرددها كل من لا يود رؤية هذا العالم العربي ديمقراطيًّا.

 على النقيض من باخور وشافيط، يقف المستشرق إيلي فودة الذي كتب في يوليو 2012 بنبرة إيجابية عن الديمقراطية والإسلاميين في العالم العربي، قائلاً: "رغم عدم اليقين الذي اتسمت به نظرة الغرب، خاصة إسرائيل، إلى الربيع العربي، فإنه يمكننا أن نستخلص أن العالم العربي يقف حقًّا على أبواب عصر الديمقراطية (...) أما الحركات الإسلامية، فيبدو أنها منخرطة في الحوار الديمقراطي ولا ترى تعارضًا بالضرورة بين الإسلام والديمقراطية"[80]. وطرح أوري جولدبرج رؤية مماثلة، منتقدًا الموقف الذي يرى أن هناك تعارضًا بين التدين والديمقراطية[81]. ودعا مستشرقون آخرون، من بينهم البروفيسور يورام ميطال، رئيس "مركز حييم هرتسوج" لبحوث الشرق الأوسط والدبلوماسية، إلى "التحرر من التصور الاستشراقي القائل إن الإنسان العربي في عصرنا لا يتطلع إلى الحرية والحقوق العالمية"[82].

 ويذهب الصحفي والبرلماني عوفر شيلح إلى أن الموقف السلبي لدى بعض المستشرقين الإسرائيليين موقف ينبع من مخاوف ومن استعلاء، جازمًا بأن ما يصلح هنا من حرية تعبير ومبادرة، وحكم يعتمد على الشعبية وليس على القوة، يصلح لكل البشر"[83]. ويعزو إليوت أبرامز، نائب مستشار الأمن القومي في إدارة بوش وأحد ممثلي تيار "المحافظين الجدد"، سبب اتخاذ بعض الإسرائيليين موقفًا سلبيًّا من مسألة الديمقراطية في العالم العربي إلى أن الإسرائيليين "لا يؤمنون بعالمية الديمقراطية... هم يؤمنون بما اعتاد "خبراء" أمريكيون الإيمان به في الماضي، وعلى ما قيل في الخمسينيات؛ بمعنى أن الديمقراطية ملائمة لنا (نحن الأمريكيين) ولأوروبا الغربية، ولكن ليس للّاتين (بسبب الثقافة الكاثوليكية الزائدة) وليس للآسيويين (بسبب الكونفوشية الزائدة). يؤمن الإسرائيليون بأن الثقافة العربية لا تسمح بالديمقراطية"[84].

خاتمة

 برزت من خلال الحوار العام داخل الكيان الصهيوني، بشأن ثورات الربيع العربي، بضعة مزاعم، منها:

 (1) أن دولة الكيان الصهيوني "واحة استقرار وواحة للديمقراطية في المنطقة"، بحسب نتنياهو، الذي قال: "الأرض تتزلزل في كل مكان، من غرب الهند وحتى خليج جبل طارق، كل شيء يتزلزل ويتأرجح والمكان الوحيد المستقر، الدولة الوحيدة المستقرة هي دولة إسرائيل الديمقراطية"[85].

 (2) أن القضية الفلسطينية ليست جوهر المشكلة في المنطقة وإنما غياب الديمقراطية، والمشاكل الاقتصادية، حسب قول وزير خارجية الكيان في حينه أفيجدور ليبرمان الذي صرح: "إن إسرائيل تعاني من سوء فهم كثير، منه الزعم بأن المواجهة بين إسرائيل والفلسطينيين هي لب المشكلة في الشرق الأوسط (...) أنا لا أرى علاقة بين المواجهة مع الفلسطينيين والاضطرابات التي تحدث في البحرين، والتمرد في تونس، وما يحدث في ليبيا أو في أماكن أخرى"[86].

 (3) الزعم أن الوضع الجديد في المنطقة يبرر إصرار الكيان الصهيوني على المطالبة بما يسمى تسويات أمنية في كل تسوية سياسية مستقبلية، مثلما صرح نتنياهو بعد الثورة التونسية: "الدرس المستفاد من الثورة هو أنه من المهم الحفاظ على الأمن في كل تسوية سلمية"[87].

 (4) محاولة الربط بين الربيع العربي والمسألة الإيرانية، والتحذير الدائم من تدخل إيران في الأحداث واستغلالها لمصلحتها، حيث صرح نتنياهو في مقابلة مع شبكة (AFP) الفرنسية: "قد نجد الربيع العربي وقد تحول إلى شتاء إيراني"[88].

 (5) من أهم المسائل التي تؤرق المسؤولين في الكيان الصهيوني صعود الإسلاميين إلى الحكم في المنطقة، وهم يربطون تاريخ انبعاث الصحوة الإسلامية "ببداية ثمانينيات القرن الماضي في أعقاب الثورة الإيرانية في 1979"[89]، ويرصدون ويتتبعون تطورها من بلد لآخر. ويدلل يارون فريدمان، المحاضر عن الإسلام في معهد العلوم التطبيقية "التخنيون" بقسم الدراسات الإنسانية وفي كلية "الجليل"، على هذا التطور بقوله: "ظهرت براعم الصحوة الإسلامية في السنوات الأخيرة في دول ذات أغلبية سنية كبيرة: في 2002 صعد للحكم في تركيا حزب "العدالة والتنمية"، وفي 2006 انتخبت حماس في مناطق السلطة الفلسطينية، وتعزز وضع "جبهة العمل الإسلامي" في الأردن بعد الربيع العربي، وفي سورية يراكم الإخوان المسلمون قوة مؤثرة داخل أوساط المعارضة المنفية، وفي نوفمبر 2011 فاز حزب "العدالة والتنمية" في الانتخابات بالمغرب، وفي تونس فاز حزب "النهضة" بأغلبية في البرلمان، وفي ديسمبر فاز حزب "الحرية والعدالة" في مصر بـ 40 % من مقاعد البرلمان"[90]. وهو يعزو هذا النجاح إلى ثلاثة أسباب: عدم وجود معارضة قوية بخلاف الحركات الإسلامية، والصورة الذهنية الإيجابية للحركات الإسلامية لدى الجمهور المسلم، ونجاح الطرح الإسلامي القائل إن النظم العلمانية في العالم الإسلامي بعامة، والعربي خاصة، تتعاون مع الولايات المتحدة والغرب وتعترف بوجود دولة إسرائيل[91].

 ومما له صلة بمسألة الهاجس من صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم، هذا التشكيك الدائم في نواياهم، والتفتيش في ضمائرهم والتخويف منهم، وهي نبرة لدى السواد الأعظم من المحللين والسياسيين، ومن ذلك ما يقوله إيرز شتريم: "صحيح أن حركة الإخوان المسلمين في مصر تبنت في حوارها مبادئ ديمقراطية ليبرالية عديدة خلال العقد الذي سبق "الانتفاضة" (الربيع العربي)، لكن هذا الحوار نبع من دوافع براغماتية أكثر مما هو من إيمان أو التزام بالأفكار الديمقراطية"[92]. كما زعم أنهم-أي الإخوان المسلمين- احتضنوا الفكرة الديمقراطية بعد الثورة؛ لأنهم "أدركوا أن عملية الانتخابات الحرة تمنحهم أفضلية وفرصة لترجمة الدعم الذي حظوا به لدى الناس إلى قوة سياسية"[93].

 (6) يرى بعض المحللين أن الشرق الأوسط دخل أعقاب الربيع العربي في "دوامة مستمرة، وأن هذا الأمر يمثل تحديًا لإسرائيل، يختلف عن التحديات المتنوعة التي واجهتها في العقود الأولى من القرن الحادي والعشرين[94]. ويتفق نمرود جورين مع الرؤية السابقة، حيث يقول إن "إسرائيل تنظر إلى الواقع الإقليمي الجديد بتخوف ليس بالهين. الإجماع الإسرائيلي العام أننا بصدد عصر طويل من عدم الاستقرار، وأن كثيرًا من الإسرائيليين يرون أن الربيع العربي خطر على الأمن القومي، بسبب تصاعد قوة الإسلاميين خاصة"[95]، مشيرًا إلى أن السياسة الرسمية للكيان الصهيوني "تعكس هذه المخاوف، وتتسم بالرغبة في الحفاظ على الوضع الراهن المعروف وبالامتناع عن اتخاذ مبادرات لدفع العملية السياسية"[96]. وقد سخر بنيامين نتنياهو نفسه ممن دعوه لاستغلال الفرصة للسعي نحو إحراز اتفاق سلام مع الفلسطينيين، حيث قال: "كل أرض سنسلمها، لا نعرف من الذي سيشغلها، ليس غدًا أو اليوم بعد الظهر... إسرائيل تواجه فترة عدم استقرار وعدم يقين في المنطقة، ليس هذا هو الوقت بالتأكيد للإصغاء لمن يريدون منا أن نسير خلف أمنيات"[97]. بل إن أعضاء بالكنيست، من بينهم أرييه إلداد (حزب الاتحاد القومي اليميني المتطرف)، دعوا الملك عبد الله إلى إعلان الأردن الدولة القومية الفلسطينية، مشيرًا إلى أنه إذا لم يفعل ذلك فقد يجد نفسه في المستقبل القريب أمام حشود من الأردنيين يطالبونه بذلك في الشوارع والميادين[98].

 وعلى النقيض من التصورات السابقة، المتخوفة من انعكاسات الربيع العربي، هناك بعض التصورات التي ترى أن ثورات الربيع العربي من شأنها أن "تسهم في تقوية إسرائيل"[99]. من بينها من يرى في الأمر فرصة: "الأحداث تذكرنا مرة أخرى بأنه على الرغم من أن معظم جيراننا يرون أننا عنصر غير شرعي، فإن ضعفهم حال بينهم، في السنوات العشر الأخيرة، وبين ترجمة التحفظ الأيديولوجي إلى إجراء عسكري واقتصادي وسياسي فعال ضدنا"[100]. ومن بين هذه التصورات، من يرى أن الأحداث "تخلق إمكانية لإضعاف اللاعبين الإقليميين، الذين مثلوا تحديًا لإسرائيل (وإن بفاعلية غير كبيرة) في العقود الثلاثة الماضية"[101]. والتصور القائل إن "التحالف الإسرائيلي – الأمريكي سيزداد قوة إذا رأت واشنطن أن القيمة الاستراتيجية لإسرائيل ستزداد إزاء فقدان حلفاء عرب، وإن من شأن دول غربية أخرى أيضًا أن تتبنى هذا الموقف"[102]. كما أن ثمة تصورًا قائلًا إن التهديد الذي تتعرض له بعض الأنظمة العربية، لا سيما في حاجتها إلى توجيه طاقاتها إلى الداخل، من شأنه أن يدفع بعضها إلى التقارب مع إسرائيل، في حالات تعتقد فيها أن مثل هذا التقارب سيسهم في استقرار النظام[103]. ومن بينها أيضًا التصور القائل إن الربيع العربي من شأنه أن "يخلق حافزًا لإسرائيل لتعمل على تثبيت علاقاتها مع لاعبين رئيسيين في المنطقة، مع استغلال هذه العلاقات من أجل السعي للتوصل إلى تسوية باتفاق مع حركة حماس"[104]، بما يعني استغلال هذه العلاقات من أجل تركيع حماس سياسيًّا، بعد أن عجز الكيان الصهيوني عن ذلك بالوسائل العسكرية.

(7) يسعى الكيان الصهيوني إلى استغلال الأحداث من أجل ضم مزيد من الأراضي الفلسطينية، إذ قال بنيامين نتنياهو: "إن من المهم للغاية على ضوء الهزة العنيفة التي يشهدها العالم العربي اليوم، أن يكون هناك حضور إسرائيلي على امتداد غور الأردن في أي تسوية مستقبلية"[105].

 (8) يرى بعض المحللين أن الكيان الصهيوني نجح في الحفاظ على اتفاقيات السلام مع مصر والأردن، رغم الهزات التي اجتاحت المنطقة ورغم تغيير النظام في مصر أكثر من مرة، وأن الربيع العربي حسَّن من وضعها الجيو-استراتيجي، وأكد المصالح المشتركة له مع كتلة الدول السنية بزعامة مصر والسعودية[106].

 (9) أظهرت استطلاعات الرأي أن نظرة الإسرائيليين إلى الربيع العربي لم تكن قاطعة، حيث رأى 48 % من المستطلعة آراؤهم أن الثورات تحمل تطورًا إيجابيًّا بالنسبة إلى إسرائيل (مارس 2011م)، فيما قال 44 % إن وضع إسرائيل في المنطقة أسوأ كثيرًا في أعقاب التغيرات (مايو 2011). من جانب آخر، عكست عناوين صحف الكيان الصهيوني مدى الهلع بعد فوز الدكتور محمد مرسي بمنصب الرئاسة، حيث جاءت على النحو التالي: "دُجى مصر/ ظلام حالك بمصر" (يديعوت أحرونوت)، و"نتابع بقلق" (يسرائيل هيوم)، و"امبراطورية الإخوان المسلمين" (ماكور ريشون).

 (10) دعت أصوات معزولة، وهم قلة نادرة، من بينهم ليئور لاهريس الباحث في المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية والإقليمية، إلى إعادة التفكير في النظرة إلى الإسلام السياسي، مشيرًا إلى أن الأمر أكثر تعقيدًا: "يُنظر إلى حركات الإسلام السياسي في العالم العربي في الرؤية الإسرائيلية على أنها عنصر خطير ومتطرف، ولا يجوز إضفاء شرعية عليها، ولا يمكن التوصل معها إلى حوار، وهي نظرة ترتبط في التفكير الإسرائيلي بصورة مباشرة بالمنظمات الإرهابية وبإيران – في واقع الأمر الصورة أكثر تعقيدًا. إزاء تحول هذه الحركات إلى لاعب مركزي في الساحة العربية الجديدة وتحولها من مقاعد المعارضة إلى أطر الحكم، فإن هناك مجالاً لتطوير حوار جديد يقترح قراءة جديدة وجادة، مع قليل من أحادية البعد، ومناقشة سبل التعامل مع الواقع الجديد وأدواته"[107]، مشيرًا إلى أن "انخراط هذه الحركات في الحكم سيؤدي إلى اعتدالها، وسيجبرها على التخلي عن البلاغة المتطرفة لمصلحة الاعتراف بالواقع القائم، فضلاً عن أن الحوار مع أنظمة تضم هذه العناصر الإ

 

[1]      أكاديمي مصري، أستاذ الأدب العبري الحديث والمعاصر، جامعة المنصورة.

 

[2]                  ד"ר עופר קניג, האביב הערבי והדמוקרטיה:

 www.idi.org.il

 

[3]                  אסעד גאנם, האזרח הערבי התעורר

erettzacharet.org

 

[4]                  السابق.

 

[5]                  Joshua Keating. "Who First Used the Term Arab Spring?" Foreign Policy, November, 4, 2011:

https://bit.ly/2mnD9mP

 

[6]                  ד"ר עופר קניג, שם.

 

[7]                  راجع كتاب مروان المعشر:

The Second Arab Awakening: And the Battle for Pluralism. New Haven: Yale University Press, 2014.

 

[8]                  צבי בראל, הולדת העם הערבי, "הארץ"

 21.12. 2012.

 

[9]                  Ruthven, Malise. "What happened to the Arab Spring?" The New York Review of Books 61.12 (2014): 72-75:

https://bit.ly/2m8WCYc

 

[10]                السابق.

 

[11]                סלמאן מצאלחה

 middle east transparent 1/3/2015.

 

[12]                Ibrahim, Raslan. "Regional Organizations and Internal Conflict: The Arab League and the Arab Spring." BPC Policy Brief 4 (2016): 6-31. P. 24.

 

[13]                ליאור להריס, חושך מצרים או אביב של נעורים? השיח הישראלי על האביב הערבי:

mitvim.org.

 

[14]                משה יעלון בכנס באוניברסיטת בר אילן:

27.12. 2011.

 

[15]                ליאור להריס, שם:

 

[16]                עמוס ידלין, שנה להתקוממות הערבית, המכון למחקרי בטחון לאומי, תל אביב, מרץ 2012.

 

[17]                אופק איש מעש, להתראות "האביב הערבי" ,"הטלטלה האזורית ", כקונספצייה שמוטב לנפץ לפני שתתנפץ עלינו, המכון לחקר המתודולוגייה המודיעינית, מחקר עומק.

 

[18]                מיכאל סגל, שמונה שנים לאביב הערבי, תימן הפכה למגרש אירני:

mida.org.il

 

[19]                السابق.

 

[20]                نفسه.

 

[21]                מרדכי קידר, קץ החלום: העולם הערבי הוכיח כי אינו מוכן לדמוקרטיה:

mida.org.il

 

[22]                צבי מזאל, שמונה שנים לאביב הערבי:

mida.org.il, 13.1.2019.

 

[23]                السابق.

 

[24]                نفسه

 

[25]                نفسه

 

[26]                ליאור להריס, مصدر سابق.

 

[27]                ד"ר עופר קניג، مصدر سابق.

 

[28]                المصدر السابق.

 

[29]                צבי מזאל، مصدر سابق.

 

[30]                نفسه.

 

[31]                יעקב עמידרור, כאוס בשל סערה מושלמת, מרכז בגיןסאדאת למחקרים אסטרטגיים, מזכרי מרכז בס"א, מספר 8, אוניברסיטת בר אילן, יוני 2015.

 

[32]                المصدر السابق.

 

[33]                מרדכי קידר, مصدر سابق.

 

[34]                أعده حيّان الهاجري. المصدر السابق.

 

[35]                ד"ר נמרוד הורביץ, האביב האסלאמימהפכה לתקופת ביניים:

molad.org. 7.4.2013.

 

[36]                المصدر نفسه.

 

[37]                المصدر السابق.

 

[38]                نفسه.

 

[39]                نفسه.

 

[40]                ליאור להריס, مصدر سابق.

 

[41]                نفسه.

 

[42]                المصدر السابق.

 

[43]                المصدر نفسه.

 

[44]                نفسه.

 

[45]                نفسه.

 

[46]                المصدر نفسه.

 

[47]                نفسه.

 

[48]                نفسه.

 

[49]                المصدر نفسه.

 

[50]                المصدر السابق.

 

[51]                نفسه.

 

[52]                עמוס הראל, ישראל נשארה אי של יציבות בתוך סביבה עוינת וקיצונית דתית, "הארץ", 20.12.2012.

 

[53]                ליאור להריס, مصدر سابق.

 

[54]                المصدر السابق.

 

[55]                نفسه.

 

[56]                نفسه.

 

[57]                نفسه.

 

[58]                نفسه.

 

[59]                المصدر نفسه.

 

[60]                نفسه.

 

[61]                نفسه.

 

[62]                نفسه.

 

[63]                نفسه.

 

[64]                انظر المصدر السابق.

 

[65]                المصدر نفسه.

 

[66]                نفسه.

 

[67]                نفسه.

 

[68]                نفسه.

 

[69]                نفسه.

 

[70]                المصدر نفسه.

 

[71]                אופק איש מעש, مصدر سابق.

 

[72]                المصدر نفسه.

 

[73]                نفسه.

 

[74]                איתי ברון, המחקר המודיעיני: בירור המציאות בעידן של תמורות ושינויים, הוצאת המרכז למורשת המודיעין, 2015.

 

[75]                المصدر السابق.

 

[76]                אופק איש מעש, مصدر سابق.

 

[77]                ליאור להריס, مصدر سابق.

 

[78]                م. س.

 

[79]                المصدر نفسه.

 

[80]                نفسه.

 

[81]                السابق.

 

[82]                المصدر نفسه.

 

[83]                المصدر السابق.

 

[84]                نفسه.

 

[85]                نفسه.

 

[86]                نفسه.

 

[87]                نفسه.

 

[88]                نفسه.

 

[89]                ד"ר ירון פרידמן, האביב הערבי והאסלאם, האם ישראל תרוויח?:

 ynet.co.il. 29.12.2011.

 

[90]                المصدر نفسه.

 

[91]                المصدر السابق.

 

[92]                ארז שטרים, חמש שנים לאביב הערבי: ציפיות שכשלו:

 30/1/2016 mida. org. il.

 

[93]                المصدر نفسه.

 

[94]                עוזי רבי, בחזרה לעתיד, המזרח התיכון בצל האביב הערבי, הוצאת ריסלינג, 2016:

 w w w. dayan. org

 

[95]                ד"ר נמרוד גורן, גניה יודקביץ (עורכים), ישראל והאביב הערבי: הזדמנויות בשינוי, המכון הישראלי למדיניות חוץ אזורית.

 

[96]                المصدر السابق.

 

[97]                ליאור להריס, مصدر سابق.

 

[98]                نفسه.

 

[99]                ד"ר אהוד ערן, האביב הערבי: הזדמנויות:

mitvim.org.il.8.2011

 

[100]              المصدر السابق.

 

[101]              نفسه.

 

[102]              المصدر نفسه.

 

[103]              نفسه.

 

[104]              نفسه.

 

[105]              אריה זוסמן, יתד נאמן, ג, אדר ב.

 

[106]              שאול שי, האביב הערבי, הערכת ביניים:

israeldefense.co.il 23.4.2019

 

[107]              ליאור להריס, مصدر سابق.

 

شارك :

التعليقات (0)

أضف تعليق