الخباء والمدينة - قراءة تحليلية في علاقة العصبية بالدين

طباعة 2018-11-16
الخباء والمدينة - قراءة تحليلية في علاقة العصبية بالدين

مقدمة

 يحيا العربي فوق صحرائه في نظم من القواعد والأصول التي تقيم اجتماعه، وهي الأسس والقوانين المجردة، والتي من دونها لا يمكن لأي جماعة بشرية أن تحدد أهداف حياتها وأنماط سلوكها وطرائق عيشها المشترك وأنظمة حكمها.

العرب أمة تحكمها فكرة العصبية1، وهي تعني في أحد معانيها أقارب الشخص الذين يلازمونه، وهذه الملازمة يتولد منها الدفاع والحماية والتآزر. كما أنها شبكة من الأمان الاجتماعي والسياسي تحمي الفرد العربي من التطاول والاعتداء عليه من الآخرين؛ إذ لا حكومة قوية رادعة ولا هيئة حاكمة تمنع الصعاليك والخلعاء هضم الحقوق، وبذلك صارت العصبية ضرورة من ضرورات الحياة العربية2. وهي العصب وهي العصابة والجماعة، وابن خلدون يعبّر عنها بـ«النعرة على ذوي القربى وأهل الأرحام أن ينالهم ضيم أو تصيبهم هلكة»3.

 لذلك تبدو العصبية في المجتمع العربي قيمة عليا، تنتظم خلالها مجموعة من القيم والفضائل مثل: الكرم، والفخر، والشجاعة، والبذل، والنجدة؛ وهي الخصال الناجمة عنها والمقوية لها، تتساند جميعها لتحقق للنموذج العصبوي حضورًا وفاعلية. وهو نموذج عجيب؛ فالعصبية بالنسبة إليه توازن بين الحرية الفردية والتضحية بالنفس والمال، وهي فكرة جامعة بين الفردية والفدائية.

 والحقيقة: إن ظهور العصبية بتلك الفضائل الفرعية في «المجتمع الجاهلي قبل الإسلام كان يلبي حاجة كامنة في نفس العربي، ويروي ظمأه إلى التعلق بمثَلٍ أعلى يعيش من أجله ويعكس توقه إلى عقيدة يبذل دمه في سبيلها، فكانت العصبية في هذا التوقيت صدًى ومجسدًا لها»4.

وابن خلدون أول من لفت النظر إلى العلاقة بين العصبوي والديني5، وأنهما معًا يمكن أن يحققا النقلة التي فشلت فيها العصبية وحدَها، وقد يفشل كذلك الدين وحدَه في تحقيقها. فالعصبية دلالة انقسام ونزاع، والدين دلالة وحدة واجتماع. ويرى أن العصبية وحدَها كقيمة عليا لا تصلح لبناء جماعة سياسية وقيام دولة؛ لأن العصبية تقوم على الروح العشائرية واللُّحمة الدموية الضيقة لا اللُّحمة السياسية. قوة الدم هي مركز الثقل القبلي الموجِّه لكل نشاطاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ ولذلك يرى أنه حتى تروّض العصبية لا غنى عن «الصبغة الدينية» التي « تذهب بالتنافس والتحاسد الذي في أهل العصبية وتفرد الوجهة إلى الحق»6. ويشير إلى دور النبوة أو الولاية التأثيري باعتبارهما السبب في أنْ «ذهب خلُق الكبر والمنافسة على الرئاسة فسهُل انقيادهم واجتماعهم»7.

ويؤكد أن العلاقة بين العصبية والدين تبادلية التأثير؛ فالدعوات النبوية تحتاج إلى قوة العصبية «فالعصبية ضرورية للملة، وبوجودها يتم أمر الله منها، وفي الصحيح، ما بعثَ الله نبيًّا إلا في منعةٍ من قومه»8، لكن ابن خلدون يؤخر العصبية عن موضع الغاية ليضعها في موضع «المطية» بتعبيره أو الوسيلة، كخادم للقيم الدينية العليا وإقامة الحق، وبهذا تكتسب المشروعية وهي «العصبية في الحق وإقامة شرع الله»9، «وهي ضرورية في الملة، وإلا لما تمّ أمر الله بها»10.

بمعنى أوضح، نقل الإسلام مركز القيم عند العرب من العصبية إلى التقوى، وتأخرت العصبية لتكون في صف الخادم والأداة التي تخدم تلك القيمة. ليست العصبية فقط التي تمت إزاحتها، بل قيمها وفضائلها الفرعية مثل الكرم والشجاعة والنجدة .. إلخ، حيث أضحت التقوى هي الغاية الهادية، والقيمة المركز أو الفضيلة الأم، بالتعبير الأخّاذ للشيخ دراز11، التي تتكاثف فيها كل الوصايا، وحضور قيمة التقوى هو الذي يمنح قيم الكرم والبذل والشجاعة والنجدة رضا الله والأجر الأخروي؛ فمن دونها تصبح القيم الفرعية ذات معنى دنيوي بحت12.

ومن خلال حاكمية التقوى على العصبية، تحولت قوى التآزر الدموي الجاهلي إلى نمطٍ أرقى من التآخي وأعلى من قيمة الدم، وهو أخوّة العقيدة والقرابة الرمزية؛ فانتقلت من الهتاف ببكرٍ أو تميم إلى «أبي الإسلامُ لا أبَ لي سواه»13. وأدى هذا إلى تذويب القبيلة في نسبٍ أوسع وهو عصبية التقوى أو جماعة المؤمنين؛ حيث يتعصّب المسلم لإخوانه ويقاتل عنهم في سبيل الله، حتى ضدّ أخوّة النسب14.

ومِن ثَمّ تُصبح قيمًا عربية، مثل الشرف والرياسة والمجد والسؤدد، لا تطلق على «أعصبكم» أو أقواكم، بل على «أتقاكم»، وقد سمح ذلك بإنتاج رتب تفاضُلية اجتماعية وسياسية جديدة على أساس التقوى لا العصبية، فرأينا تسمياتٍ مثل: السابقين والبدريين والمهاجرين والأنصار والمبشَّرين بالجنة وأصحاب الشجرة، وباتت تسبق المناقب العربية التقليدية من سيادةٍ وشرفٍ وسؤدد، المؤسسةَ على العصبية وحدَها. وقد قال أبو سفيان في هذا المعنى في خلافة عمر: «إن هؤلاء الرهط من المهاجرين سبقوا وتأخّرنا، فرفعَهم سبقُهم وقصر بنا تخلُّفنا، وصاروا قادةً وصِرنا أتباعًا»15.

من العصبية إلى التقوى

ليس التحول القيمي التراتبي من العصبية إلى التقوى حراكًا قيميًّا فقط، لكنه في العمق تحوُّل من المحسوس إلى المجرد. هذا التحول مهم لإطلاق قوى التحضر والتطور العمراني؛ فلم تعُدِ الفضائل الدينية تُوجّه القواعد الأخلاقية الفردية والاجتماعية، بل تُهذّب تقاليد الحياة وأنماطها إلى سواء السبيل، حيث سُخر نمط حياتي بدوي كالهجرة، وهي حركية البحث عن الرزق والنسب، لتصبح بعد أن تتغيّا المثال الأعلى حركية مادية ومعنوية إلى الله ورسوله، من الخباء إلى المدينة ومن القبيلة إلى الأمة؛ ما أدى إلى نجوم فضائل الحكم الجديد، وقيام أول نظام دستوري عربي، وأول جماعة سياسية عربية في المدينة تتحدث عن فكرة الأمة العابرة للقبلية، والمتجاوزة نسب الدم المكونة من «المسلمين من قريش ويثرب ومَن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم» والذين وصفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- «أنهم أمة واحدة من دون الناس»16، و«إصدار الوثيقة يُمثّل تطورًا كبيرًا في مفاهيم الاجتماع السياسية، حيث انصهرت طائفتا الأوس والخزرج في جماعة الأنصار، ثم انصهر الأنصار والمهاجرون في جماعة المسلمين»17. لا تتحدث وثيقة المدينة الدستورية عن أمة قبلية دينية مغلقة، بل تتحدث عن أمة تعددية تشاركها العيش جماعات من اليهود، «وأن يهود بني عوف أمة من المؤمنين. لليهود دينهم وللمسلمين دينهم»18.

 ولأن الهدف دولة أكبر من المدينة، وأمّة أعظم من الجماعة؛ وجدنا أنه بعد أن تم غلق باب منقبة الهجرة إلى يثرب بعد فتح مكة، الذي كان بابًا لتحصيل الفضائل الكبرى، فُتح بابٌ أوسع وهو «الجهاد والنية»19 لتحصيل مناقب جديدة20. وقد كانت المكافحة والقتال من أجل العصبية والسعي إلى الرزق، فأضحى الجهاد في العهد النبوي مهمًّا لاستمرارية حركية تذويب البداوة في الجماعة، ونحو الأمة بالمعنى الاجتماعي والسياسي.

هذه المتغيرات القيمية التي قادت لتكوين جماعة عابرة للقبلية هي التي سمحت بقيام حكم عابر للقبلية في المدينة. فبعد هجرة النبي، كما يقول المقدسي، صارت الرئاسة للإسلام وأهله21، وتمثلت في حكم النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كانت ترفض القبائل فكرة هذا النمط من الحكم فوق القبلي، وكانت تتمسك عادةً بفكرة «منا رئيس ومنكم رئيس»، لصعوبة انقياد القبائل لرئاسة رئيس؛ لأن الانقياد لرئيس واحد معناه، في نظر رؤساء العشائر، خضوعهم لغيرهم، واستذلالهم له، وتنازلهم عن حريتهم وعن استقلالهم في إدارة شؤون عشائرهم لغيرهم، ولو كان هذا الرئيس منهم، كما يقول جواد علي22.

 وسمَّى الصحابي أسعد بن زرارة رئاسة النبي القرشي على أهل المدينة، من الأوس والخزرج، بـ«المرتبة الصعبة»23، ومن رأي الشافعي أن رئاسة النبي أو إمارته كانت حدثًا استثنائيًّا، فبحسب قوله، « كل من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة، وكانت تأنف أن يعطي بعضُها بعضًا طاعة الإمارة، فلما دانت لرسول الله بالطاعة، لم تكن ترى ذلك يصلح لغير رسول الله»24، وهذا ما صعب مهمة السقيفة في البداية، لكن نتيجة الاختيار التي تُوّجت باختيار الصدّيق أكّدت صِدق تلك التحولات القيمية، وتجلَّى ذلك في شرائط اختيار الرئيس التي عدّلها الإسلام، حيث جعل من العصبية والشرف، أو معاني القوة، أدواتٍ لخدمة الأمانة (القوي الأمين). وهنا يأتي الاجتهاد الجيد القائل إن حديث «الأئمة من قريش» مقولة نبوية تخبر عن امتياز قريش عند العرب، وليس امتياز قريش عند الله، أي إن القرشية حقيقة واقعية سابقة على الدين، وليست مفروضة منه25، وهي مُعرّضة للزوال مع ذهاب أثرها التأثيري في العرب. أما التغير الذي أحْدَثه الإسلام مع أداة واقعية كالقرشية فهو في تبديل دورها؛ فقد كانت قبل الإسلام تُمثّل أداةً لتمكين العصبية القرشية الأرستقراطية من الحكم والسيادة، وبعد الإسلام وفي العهد الراشدي أضحت أداةً لتمكين وخدمة النخبة الممتازة من المهاجرين المؤمنين أمثال أبي بكرٍ وعمر.

وما ينطبق على الخلافة والعصبية، ينطبق على النبوة والعصبية أيضًا؛ فالنبوات مع أصلها الغيبيّ أدخلها الإسلام، بحسب ابن خلدون، تحت سلطان الواقع والظواهر الاجتماعية، لا سيما عند الحديث عن تمكين دعوة النبي ورئاسته في مجتمعه؛ حيث لا بد أن يكون النبي المبعوث في إطار ما يسميه الحديث النبوي «في منعة من قومه»، لذلك اختير للنبوة العربية أن تتموضع وتتلبس بالقرشية لسببٍ واقعيّ عصبويّ، يسمح بقبول العرب لقيادة دينية. وكان ابن الأزرق يرى أن دعوة الأنبياء وسلطانهم يقويان «بالعصائب والعشائر ولو شاء الله تعالى لأيّدهم بالكون كله لكن أجرى الأمور على مستقرّ العادة والله عليم حكيم»26. المختلف أيضًا، أن النبوة لم تتنزّل داخل العصائب والقبائل بمعايير العظمة السائدة عند العرب، بحسب ما نقل القرآن عن زعماء قريش الذين اندهشوا من نزول الوحي على رجلٍ ليس منهم: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: 31].

إذًا هناك العصبية وهناك الدين؛ ويبدو أن العصبية هي التي تُمثِّل الجانب السلطوي في حال ترافُقِها مع الدين، فالعصبية هي «الحقيقة الفاعلة» بحسب ما يسميها ابن خلدون27، ويُقصد بها القوى الاجتماعية الحيوية التي يخرج منها شكل السلطة السياسية المرتبطة بالدين؛ أي إن الجانب السلطوي في الإسلام ليس مرتبطًا بالدين، ولكنه مرتبطٌ بقوانين الواقع التاريخي والاجتماعي الذي يحضر فيه، والاختلاف بين نمط سلطوي راشدي أو ملكي يكون طبقًا لطبيعة العلاقة بين السائد في لحظةٍ تاريخيةٍ ما؛ فالدولة هي ابنة عمرانها الذي تنوجد فيه؛ لذلك قال ابن خلدون: «الدولة والملك للعمران، بمثابة الصورة للمادة»28.

من القبيلة إلى الدولة

 كان حكم النبوة ثم الخلفاء أشبه بالحكم الرئاسي القبلي القائم على الاختيار والبيعة، والعرب تُفضّل هذا النمط من الحكم على الملكية الوراثية29؛ لأن فكرة الرئاسة القبلية، بحسب ابن خلدون، من مصلحتها الحفاظ على نزعة الحرية عند الفرد، وتأكيد سلطانه على نفسه وإحساسه بالمساواة مع أفراد القبيلة. فهذا الإحساس يزيد من شعور الفرد بالبأس والبطولة، وكلها أمور تُقوّي حميته وعصبيته، وفي ذلك تعزيز لقوة القبيلة؛ ومن ثم فإن الرئيس في النموذج القبلي «مضطرٌّ إلى إحسان ملكتهم وترك مراغمتهم؛ لئلَّا يختل عليه شأن عصبيته فيكون فيها هلاكه وهلاكهم»30. هذا على خلاف النظام الملكي المفكك للعصبية وحرية الفرد البدوي؛ لأن مبعث الإلزام في الحكم الملكي ليس مروءة العربي الداخلية، ولكن القهر الخارجي السلطاني، الذي من مصلحته كسر الأنفة والحمية والمساواة عند العربي، فـ«سياسة الملك والسلطان تقتضي أن يكون السائس وازعًا بالقهر وإلا لم تستقم سياسته»31، كما أنه «لا غنى للسلطان عن توظيف المذلة والانقياد حتى يكسر سورة العصبية»32.

والحكم النبوي والراشدي، بطابعهما الرئاسي الشوروي والديمقراطي، مثل الرئاسة القبلية؛ يريد الحفاظ على طاقة الحرية الجوانية عند العربي الممتلئ بالأنفة والاعتداد، لكي تكون في خدمة المثُل الدينية لا العصبية. وبفضل منطق الرئاسة النبوية احتفظ العربي الجديد، أو النموذج السامي من الصحابة، بقوى العنفوان والحمية والاستبسال والبأس الجهادي، ووازعه الذاتي «التقوى ها هنا» لتصبح تلك القوى الداخلية هي قوى إرغام باطني وإيماني، وكما يقول حجة الإسلام الغزالي فإن «صاحب الشرع -صلوات الله عليه- لم يطالب العرب في مخاطبته إياهم بأكثر من التصديق»33.

بين النبوّة والملْك

لم يأتِ الحكم النبوي بسُلطةِ سيطرةٍ وتجبُّر مثل الملوك، بل بسُلطة مذكِّر، تنشط حوافز القوى الداخلية نحو المثل الأعلى. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا أراد الله بعبد خيرًا جعل له واعظًا من نفسه يأمره وينهاه»34، وكانت سلطة الفرد أقوى من رقابة المجتمع، وكانت مسؤوليته أمام الله تسبق مسؤوليته أمام الدولة، وقد كان لكل امرئٍ وازعٌ من نفسه يحمله إذا ما ارتكب وزرًا أن ينشد التوبة والمعرفة الدينية؛ فقد يرتكب الوزر دون أن يدري أن الإسلام قد نهى عنه، وهي مسؤولية منبعها الإيمان الروحي والعقلي35، وقال عمر -رضي الله عنه-: «من لم يؤدِّبه الشرع لا أدبه الله»36.

ويضع الغزالي سياسة حكم الأنبياء في درجة أعلى من الملكيات؛ لأنها تقود الباطن والظاهر داخل الإنسان، عكس الملكية التي تحكم ظاهره. ويرى ابن تيمية في معرِض تحليله لسلطة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لم يكن نبيًّا فقط دون أن تقترن دعوته بطاعة ملزمة، ولم يكن نبيًّا ملكًا مثل الملك سليمان، ولكنه «كان عبدًا رسولًا، مؤيدًا مطاعًا متبوعًا»37. أي إن نمط طاعة النبي قائم على التصديق والإيمان، وليس على القهر والجبر، وقد اختار النبي بوعيٍ ذاتيٍّ هذا النمط من السلطة، فعندما خُيِّر بين الأمرين «لم يختر أن يكون ملكًا لئلَّا ينقص؛ لما في ذلك من الاستمتاع بالرياسة والمال عن نصيبه في الآخرة»38. ويرى ابن تيمية أن «حال العبد الرسول أكمل من حال النبي الملك، كما هو حال نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم»39، والنبي -صلى الله عليه وسلم- عندما قدّم نفسه لأهل مكة قال: «ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكنّ الله بعثني إليكم رسولًا»40. وكان هذا رأي أحد ملوك الروم عندما سمع بدعوة النبي، كما نقل ذلك أبو سفيان الذي كان يستفسر منه عن نبي الإسلام هل كان في آبائه من ملك؟ قال: لا، فقال له: «لو كان في آبائه ملك لقلت رجل يطلب ملك آبائه»41.

ويُقسّم ابن خلدون النظم السياسية إلى ثلاثة نظم42: «الملك الطبيعي»، والحكم فيه للشهوات، ومطامع النخب والحكومات، حيث لا قانون ولا قواعد أخلاقية، وهو أدنى أنواع النظم. ثم «الملك العقلي»، وهو النظام الذي يحمل الشعب على النظر في مصالحهم الدنيوية فقط، وفق نظر عقلي ونفعي ومادي، وهو يعمل على رفاهية الأمة وتقدُّمها الدنيوي وغير معنيّ بأمر الآخرة. ثم «الخلافة الراشدة»، وهي أسمى أنواع النظم السياسية، وهي: «حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها»43. والخلافة وفق هذا التعريف هي المجسِّد الأعلى لسيادة الديني على الدنيوي أو القيمي على العصبي، بإدارتها سياسات تسعى إلى المحافظة على نظام السعادتين في الدنيا والآخرة. وهي نظام وحياني، وضع أُسسه نبيٌّ مطاعٌ وليس نبيًّا ملكًا كما يقول ابن خلدون، ويمشي على هديه الخلفاء وهم ليسوا ملوكًا. إضافةً إلى أن نظامها شوروي يقوم على تطوير البرلمانية القبلية القديمة، لكن في صورة أهل الحل والعقد، وسيادة رئاسات تَقَوِيّة تسوس أفرادًا منتمين بالوازع الداخلي إلى أفراده ونخبه، لا مجبرين على ذلك بالقهر الخارجي.

الملك العضوض

  لكنّ انتقال جماعة من بدو كانوا «يأكلون الحنطة بنخالها»44 إلى الحضارة والأمصار، وترك حياة الشظف إلى الترف45، والتحول في الأنماط الاقتصادية؛ أدّى إلى ازدياد نزعات التحضر عند البدو، وضعفٍ في أثر المثاليات الدينية عند بعض النخب السياسية؛ ومِن ثَمّ قاد كل ذلك إلى تحولات في نمط الحكم السياسي الراشدي، «فعندما تتدرج البداوة إلى نهايتها تجيء طبيعة الملك»46. ودلالة انقلاب الخلافة إلى ملك يمكن استقراؤها على عدة مستويات:

الأول: استحالة استمرارية الجماعة الدستورية الأولى التي تأسّست بالمدينة وكل فضائلها السياسية وحكمها الرئاسي، لإشكالات مسّت الأسس والقيم المؤسسة، فإذا كانت الجماعة الأولى نقشت على معنًى قِيَميٍّ تَقَوِيٍّ متسيّد على العصبية؛ فإن التحولات الاجتماعية على صعيد الفرد والجماعة التي صاحبت الفتوحات وتدفُّق الثروات ونشأة المدن والأمصار وانتقال القبائل إليها والفتنة الكبرى والحروب الأهلية وما بعدها، كل ذلك كشف عن ضعف المعامل الديني ليكون وحدَه سببًا رئيسًا لانعقاد جماعة المسلمين على نفس أُسس الخلافة الراشدة، فاحتيج إلى تأسيس جديد لجماعة جديدة، وإذا كان الحكم الرئاسي في الخلافة يسمح بوجود مساواة بين الأفراد والعصبيات، فإن الحكم الملكي يقوم على التراتُبيّة الهرمية ولا يسمح بشيوع المساواة، إذًا «لا بد من عصبية تكون أقوى تستتبعها جميع العصبيات»، وهم الأمويون في هذه الحالة، لتنفرد بالمجد والغلبة على بقية العصبيات المتنازعة، وتقود بالقهر انتقال البداوة إلى الحضارة، وتُحوّل السلطة من الخلافة الرئاسية إلى الملك أو الدولة الإمبراطورية «العظيمة الاستيلاء». وإذا كان الفرد ينتمي إلى الجماعة السياسية تحت سلطان النبوة والخلافة بدافعٍ من الاختيار الحر والوازع الديني الذاتي، فإنه في مرحلة الملك يفقد الفرد سلطانه على نفسه؛ ففي الأمس الراشدي كان ارتباط الفرد بالجماعة «دينًا»، ثم انقلب «عصبيةً وسيفًا»، بحسب تعليق ابن خلدون، إنه زمن الرهبة الإيجابية بعد ضعف التقوى كما يقول ابن الأزرق47، وقد تجلّى ذلك في تأسيس ما سُمّي عام الجماعة48، كما يحب أن يطلق عليه قطاعٌ واسعٌ من أهل السنة، أو الجماعة الثانية التي تناسب الملك، وهو عام القهر والكسروية كما يقول الجاحظ والمعتزلة.

الثاني: وإذا كان في المرحلة النبوية والراشدية، تسيّد الديني على العصبي؛ فإنه في مرحلة الملك، حدث العكس، صعد العصبي فوق الديني، وأصبح مطلوبًا من الديني أن يكون خادمًا للعصبي ومبررًا له. وهذا ما لوحظ في مراحل تأسيس الملك العضوض؛ إذ تحوّل نمط الحكم من خلافة النبي الذي يختار بالشورى، إلى خلافة الله الذي يتوّج بالإكراه، وأضحت السلطة نفسها غايةً وقيمًا عليا، وبتعبير ابن الأزرق «بل الحاجة إلى الملك -إذ ذاك - في أرفع مراتب الاعتبار»49، بل إن سطوته في الضبط أرفع وأصرم من سلطة القيم الدينية؛ فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، والسيف والسنان يفعلان ما لا يفعل البرهان50. وهذه النصوص توحي بأن القوة والجبر قد يلعبان أدوارًا خيّرة في حياة المؤمنين، وتولّد من هذا الإيحاء أن هذا التحول في فلسفة الحكم من الخلافة الراشدة إلى الملك لم يكن اختيارًا بل أمرًا من الله وتقديرًا منه لمصلحة الجماعة؛ لأن «الخلافة الشرعية وهي قليلة اللبث» كما يقول ابن خلدون والإخباريات النبوية كانت تستشرف دورة التحول من النبوة والخلافة إلى الملك العضوض51، حتى إن فقيهًا مالكيًّا رأى أن التحول إلى الملك كان أمرًا حتميًّا، أو على حدّ تعبيره: «إن انقلاب الخلافة إلى ملك لا بد منه بحسب طبيعة الوجود»52.

الثالث: ومع تقدٌّم العصبية في اتجاه تأسيس الملكية، نجد أن تحولًا موازيًا واكبه في النظام المعرفي والديني. ففي زمن الخلافة لم تكن هناك علوم دينية وفقهية؛ لأن الأفراد يتحركون بوازع من داخلهم، ولأن الملكية هي نظام يقوم على الانقياد، فالحرية والوازع الداخلي والقُوَى التي كانت تُوجِّه الفرد، تم صياغتها في قانونٍ وشريعةٍ وأنظمةٍ تعليميةٍ ومعرفية، تعمل على تقنين الإخضاع والانضواء داخل الجماعة تحت سيادة الشريعة. وقد ربط ابن خلدون بين تناقُص الدين وظهور الأحكام السلطانية، وكذلك بين تراجُع الورع وسطوع الفقه والقانون؛ يقول ابن خلدون: «لما تناقصَ الدين في الناس وأخذوا بالأحكام الوازعة، ثم صار الشرع علمًا وصناعة يُؤخَذ بالتعليم والتأديب، ورجع الناس إلى الحضارة وخلق الانقياد إلى الأحكام؛ نقصت بذلك سورة البأس فيهم، فقد تبيّن أن الأحكام السلطانية والتعليمية مفسدة للبأس لأن الوازع فيها ذاتي؛ ولهذا كانت هذه الأحكام السلطانية والتعليمية»53. والحقيقة، ليس ابن خلدون الوحيد مَن ربطَ بين صعود الملك العضوض والتحضر وضعف الورع، وتدفق العلوم الشرعية والممارسة القانونية للدين، فأبو حامد الغزالي وضع الفقه باعتباره من علوم الدنيا واعتبره يقوم بدور الضبط القانوني المساعد للحكم السلطاني، ويعمل على حصار النزاعات داخل المجتمع بحسبان أن «الفقيه هو العالم بقانون السياسة وطريق التوسط بين الخلق إذا تنازعوا بحكم الشهوات»54، وبرأيه لو سادَ «العدل لانقطعت الخصومات وتعطَّل الفقهاء»55، وكان يدعو إلى تأسيس شرعية يكون دورها تحقيقًا لا يكون دورها المساعدة على القهر السلطاني فقط، بل يكون دورها التعبير عن مصالح الآخرة، تُعيد دور الورع الداخلي والحياة الروحية في توجيه سلوك المسلم- وهو ما يسميه الغزالي علم المعاملات والمكاشافات56. وتوغلت هذه النزعة لإعادة تأسيس حكومات باطنية تحكم العالم الباطني على النهج الراشدي وفْقَ منظومة شرعية ورعية وروحية، لا قهرَ فيها ولا إلزام، وهناك كثيرٌ من تيار الزهد والصوفية نفروا من الدولة الظاهرة والنزعة القانونية الشرعية، وقرروا العودة إلى الصحراء والبداوة، باعتبار حياة البداوة هي المثل الأعلى للحرية الداخلية57، عاشوا في جبالها، بعيدًا عن المدنية والحضارة والقهر السلطاني والإيغال نحو المادة- والبحث عن حياة البداوة، هو بحث عن منطق الوازع والورع الداخلي.

الرابع: ومع التحولات العصبوية تأسست سلطويات موازية للخلافة السنية مثل «الإمامة» الشيعية، وتُمثِّل حركة المعارضة الرئيسة للحكم السائد التي يلتف حولها آل البيت، وقد تأسست شرعيتها في البداية في إطار محاولة مقاومة التحولات القيمية التي شهدتها الخلافة. ولكن ما لبثت الأحزاب الشيعية أن تسعى إلى طلب تأييد عصبيات عربية ومن أعراق أخرى من أجل المدافعة، وحين كانت تتحصّل على العصبية اللازمة للغلبة، تتحوّل عنها إلى نموذج الخلافة السلطوي كما يرى ابن خلدون58، كما حدث مع الشيعة الراوندية والدولة العباسية، وكذلك الشيعة الإسماعيلية والدولة الفاطمية.

الخامس: أدى تسيُّد العصبي على الديني إلى نشأة الأحزاب السياسية، أو إعادة تمظهُر القبيلة من جديد في صورة فِرق دينية، وبدأت العصبية تأخذ معانيها السلبية داخل الثقافة العربية بسبب ما أشاعته من انقسامات حول مكانة الصحابة والصراع حولهم، وتحويل مناقب بعضهم التي أرساها الإسلام كفكرة مضادّة لفكرة العصبية والمفاضلات الجاهلية؛ لتصبح هي نفسها مؤسسة لعصبيات فرقية حول ما يعرف بالبكرية والعمرية والعثمانية والعلوية والعباسية والخوارج، بالإضافة إلى شيوع النزعة العصبية المذهبية الفقهية التي بدأت تأخذ أبعادًا أكثر تطرفًا؛ إذ أضحت المذاهب مرتبطة بقبائل وأقاليم بل ودول.


الهوامش

  1. عند ذكر العصبية وما يتصل بها كالبداوة مثلًا؛ فإننا لا نذكرها كتوصيف بيئي؛ ولكن كقيمة اجتماعية على غرار ما دار عليه كلام ابن خلدون في مواضع من مقدمته.
  2. جواد علي، المفصل في تاريخ العرب (ساعدت على نشره جامعة بغداد، من دون تاريخ) 4/397.
  3. عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، المقدمة، صيدا: المكتبة العصرية، 2014، ص 122.
  4. فاطمة جمعة، الاتجاهات الحزبية في الإسلام، بيروت: دار الفكر اللبناني، د.ت، ص 43.
  5. ابن خلدون، المقدمة، ص 148.
  6. المرجع نفسه، ص 147.
  7. المرجع نفسه، ص140.
  8. المرجع نفسه، ص 198.
  9. السابق.
  10. أبو عبد الله ابن الأزرق، بدائع السلك في طبائع الملك، تحقيق علي سامي النشار، القاهرة: دار السلام، 2008، 1/91.
  11. «إن هذه شريعة توصي (بالعدل) و(الرحمة) معًا، وتتواثق فيها العناصر (الفردية) و(الاجتماعية) و(الإنسانية) و(الإلهية) على نحوٍ متين. بيد أننا لو بحثنا في مجال هذا النظام عن فكرة مركزية، عن الفضيلة الأم التي تتكاثف فيها كل الوصايا، فسوف نجدها في مفهوم «التقوى»، وإذًا، فما التقوى إن لم تكن الاحترام البالغ العمق للشرع»، محمد عبد الله دراز، دستور الأخلاق في القرآن، تعريب وتحقيق وتعليق عبد الصبور شاهين، بيروت: مؤسسة الرسالة، ص 681.
  12. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن أول الناس يُقضَى يومَ القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرّفه نعمه فعرَفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل، ثم أمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلّم العلم وعلّمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرّفه نعمه فعرَفها، قال: فما فعلتَ فيها؟ قال: تعلمتُ العلم وعلّمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرّفه نعمه فعرَفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيلٍ تحبّ أن يُنفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسُحب على وجهه ثم ألقي في النار» أخرجه مسلم. انظر أيضًا: محمد عابد الجابري، العقل الأخلاقي العربي، 2014، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ص ٥٦١ - ٥٩٢.
  13. أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا هتفوا ببكر أو تميم. القائل هو نهار بن توسعة بن أبي عتبان، من بكر بن وائل، يراجع: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، الشعر والشعراء، تحقيق أحمد شاكر، القاهرة: دار المعارف المصرية، 1967، 1/537.
  14. لذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ليس منّا من دعا إلى عصبية، وليس منّا من قاتل عصبيةً، وليس منّا من مات على عصبية» أخرجه أبو داود في السنن 5/ 343، كتاب الأدب (35)، باب في العصبية (121)، الحديث (5121).
  15. أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، تحقيق: سهيل زكار ورياض الزركلي، بيروت: دار الفكر، 1996، 5/ 17.
  16. انظر: البداية والنهاية، لابن كثير، القاهرة: دار هجر، 1997م، 4/556، 557.
  17. عماد الدين خليل، دراسة في السيرة، بيروت: دار النفائس، 1991، ص 152.
  18. البداية والنهاية، 4/ 557.
  19. حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهادٌ ونيّة، وإذا استنفرتم فانفروا» أخرجه أحمد 1 / 226، 266، 316، 355، والبخاري 2 / 214، 3 / 200، 210، 4 / 38، ومسلم 2 / 986، 1487، برقم (1353).
  20. المدهش أن هذا الباب سمح للكثير من ذوي العصبية التقليدية، كالأمويين والمخزوميين والذين أسلموا بعد الفتح، أن ينالوا فضائل جديدة، مثل فضيلة الجهاد، وتمكين قوى الدين في الجزيرة العربية وخارجها. انظر: عبد الله جنوف، عقائد الشيعة الإثني عشرية وأثر الجدال في نشأتها وتطورها حتى القرن السابع من الهجرة، بيروت: دار الطليعة، 2013، ص27.
  21. المطهر بن طاهر المقدسي، البدء والتاريخ، القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية (من دون تاريخ)، 4/ 130.
  22. جواد علي، المفصل، مرجع سابق، 4/ 346.   
  23. قال الصحابي الجليل عند مبايعة الأنصار النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- في مكة: «ودعوتنا ونحن جماعة في عزٍّ ومنعةٍ لا يطمع فينا أحدٌ أن يرأس علينا رجل من غيرنا قد أفرده قومه وأسلَمه أعمامُه وتلك رتبةٌ صعبةٌ فأجبناك إلى ذلك، وكل هؤلاء الرتب مكروهةٌ عند الناس إلا مَن عزَمَ الله على رشده»، راجع علاء الدين علي بن حسام الدين الشهير بالمتقي الهندي، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تحقيق: بكري حياني وصفوة السقا، بيروت: مؤسسة الرسالة،1981، ص 327.
  24. أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة، تحقيق: أحمد محمد شاكر، القاهرة: مكتبة البابي الحلبي، ص 79.
  25. يرى الفقيه عبد القادر عودة أن أحاديث القرشية كلها وردت بصيغة الخبر عدا حديث «استقيموا لقريش ما استقاموا لكم»، وحديث «قدِّموا قريشًا ولا تَقدَّموها» فإنهما وردَا بصيغة الأمر، والأحاديث الواردة بصيغة الخبر ليست أحكامًا، وإنما هي أخبار عن حال قريش وما يحدث لها، ومجموعها يفيد أن الإمامة ستكون فيهم ما أطاعوا الله ولو بقي من الناس اثنان، فإذا عصوا الله بعث عليهم من يقصيهم عنها، أما الحديثان الواردان بصيغة الأمر فقد جاءَا ببيانِ ما يجب على الأمة من معاملة قريش ما دامت مستقيمةً على أمر الله. يراجع: عبد القادر عودة، الإسلام وأوضاعنا السياسية، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1981م، ص 144، كذلك يراجع: ناصيف نصار، الفكر الواقعي عند ابن خلدون، بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر،1981، ص 207.
  26. ابن الأزرق، مرجع سابق، 1/113.
  27. المقدمة، ص 349.
  28. المرجع نفسه، كذلك يراجع ناصيف نصار، مرجع سابق، ص 229.
  29. التقاليد العربية لا تقر مبدأ الوراثة في الرئاسة، انظر: عبد العزيز الدوري، مقدمة في تاريخ صدر الإسلام، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ص 57، ومن رأي ابن خلدون أن الملكية أو الحكم الوراثي مع تتابع الأجيال يبدأ اعتزازها بنسبها الخاص وتطرح ما عداه من عصبية «والرياسة التي تأتي من قوة العصبية وشرف النسب والخلال الكريمة. وهذه خلال تضعف من الابن إلى الحفيد، حتى إذا كان الرابع قصر عن طريقتهم جملة وأضاع الخلال الحافظة لبناء مجدهم واحتقرها، وتوهم أن ذلك البنيان لم يكن بمعاناة ولا تكلف، وإنما هو أمر موجب لهم منذ النشأة بمجرد انتسابهم، فيربأ بنفسه عن أهل عصبته» ابن خلدون، المقدمة، ص 128-129.
  30. المقدمة، ص 140
  31. المرجع نفسه، ص140.
  32. المرجع نفسه، ص132.
  33. أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، الاقتصاد في الاعتقاد، عُني به: أنس الشرقاوي، جدة: دار المنهاج، 2016، ص74.
  34. أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أم سلمة بإسناد حسن بلفظ «إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا»، انظر: المغني عن حمل الأسفار في الأسفار، في تخريج ما في الإحياء من الأخبار، أبو الفضل زين الدين العراقي، الرياض: مكتبة طبرية، 1995م، ج1 ص 1153.
  35. حسين فوزي النجار، الإسلام والسياسة، القاهرة: دار المعارف (من دون تاريخ)، ص 113.
  36. المقدمة، ص 539.
  37. تقيّ الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، مجموع الفتاوى، جمع وتحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، المدينة النبوية: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 2004 34/35.
  38. المرجع نفسه.
  39. المرجع نفسه.
  40. راجع المفاوضات التي تمت بين زعماء مكة والنبي صلى الله عليه وسلم، ومنها عرضُهم له أن يتوّج عليهم ملكًا، في ابن هشام، السيرة النبوية، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، بيروت: دار الكتاب العربي، 1990، ص 322-326.
  41. شمس الدين الذهبي، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، بيروت: دار الكتاب العربي، 1990، 1/503.
  42. المقدمة، ص 177،178.
  43. المرجع نفسه.
  44. المرجع نفسه، ص 191.
  45. قال المسعوديّ: (في أيّام عثمان اقتنى الصّحابة الضّياع والمال، فكان له يومَ قُتل عند خازنه خمسون ومائة ألف دينار وألف ألف درهم وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما مائتا ألف دينار وخلّف إبلًا وخيلًا كثيرة، وبلغ الثّمن الواحد من متروك الزّبير بعد وفاته خمسين ألف دينار وخلّف ألف فرس وألف أمَة، وكانت غلّة طلحة من العراق ألف دينار كلّ يوم ومن ناحية السّراة أكثر من ذلك، وكان على مربط عبد الرّحمن بن عوف ألف فرس وله ألف بعير وعشرة آلاف من الغنم وبلغ الرّبع من متروكه بعد وفاته أربعة وثمانين ألفًا، وخلّف زيد بن ثابت من الفضّة والذّهب ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلّف من الأموال والضّياع بمائة ألف دينار، وبنى الزّبير داره بالبصرة وكذلك بنى بمصر والكوفة والإسكندريّة، وكذلك بنى طلحة داره بالكوفة وشيّد داره بالمدينة وبناها بالجصّ والآجر والسّاج، وبنى سعد بن أبي وقّاص داره بالعقيق ورفع سمكها وأوسع فضاءها وجعل على أعلاها شرفات، وبنى المقداد داره بالمدينة وجعلها مجصّصة الظّاهر والباطن، وخلّف خمسين ألف دينار وعقارًا وغير ذلك ما قيمته ثلاثمائة ألف درهم- اهـ كلام المسعودي. ... ولم يكن ذلك منعيا عليهم في دينهم؛ إذ هي أموال حلال لأنّها غنائم وفيوء، ولم يكن تصرّفهم فيها بإسراف، إنّما كانوا على قصدٍ في أحوالهم -كما قلناه-، فلم يكن ذلك بقادحٍ فيهم، وإن كان الاستكثار من الدّنيا مذمومًا فإنّما يرجع إلى ما أشرنا إليه من الإسراف والخروج به عن القصد، وإذا كان حالهم قصدًا ونفقاتهم في سبل الحقّ ومذاهبه؛ كان ذلك الاستكثار عونًا لهم على طرق الحقّ واكتساب الدار الآخرة). المقدمة، ص 191.
  46. ابن الأزرق، مرجع سابق، ص 90.
  47. بعد انقلابها (الخلافة) ملكًا وخصوصًا إلى العضوض منه، ضعف الوازع (التَّقَوى) أو كاد يفقد غالبًا؛ فاحتيج إلى مزيدٍ من الرهبة» ابن الأزرق، بدائع السلك، 1/73.
  48. شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، سير أعلام النبلاء، بيروت: مؤسسة الرسالة، 3/146. وبحسب الجاحظ استولى معاوية على الملك واستبدّ على بقية الشورى وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سمَّوْه «عام الجماعة» وما كان عامَ جماعةٍ بل كان عام فُرقةٍ وقهرٍ وجبريةٍ وغلبة، والعام الذي تحولت فيه الإمامة ملكًا كسرويًا والخلافة منصبًا قيصريًّا. انظر: رسائل الجاحظ، جمعَها ونشَرها: حسن السندوبي، القاهرة ص294.
  49. ابن الأزرق، مرجع سابق، ص73.
  50. أبو حامد الغزالي، الاقتصاد، مرجع سابق ص 21.
  51. قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «أول هذا الأمر نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملكًا ورحمة» (رواه أحمد والطيالسي والبزار، وصحّحه العراقي والألباني) انظر: السلسلة الصحيحة (رقم 3270).
  52. ابن الأزرق، 1/ 91.
  53. ويقارن ابن خلدون بحال الصحابة تحت الحكم النبوي بقوله: «لا تستنكر ذلك بما وقع في الصحابة من أخذِهم بأحكام الدين والشريعة ولم ينقص ذلك من بأسِهم بل كانوا أشدَّ الناس بأسًا؛ لأن الشارع -صلوات الله عليه- لما أخذ المسلمون عنه دينهم كان وازعهم فيه من أنفسهم لما تلا عليهم من الترغيب والترهيب، ولم يكن بتعليم صناعي ولا تأديب تعليمي، إنما هي أحكام الدين وآدابه المتلقاة نقلًا، يأخذون أنفسهم بها بما رسخ فيهم من عقائد الإيمان والتصديق، فلم تزل سورة بأسِهم مستحكمةً كما كانت ولم تخدشها أظفار التأديب والحكم» المقدمة، ص 120.
  54. أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، بيروت: دار ابن حزم، ج1 ص25.
  55. المرجع نفسه.
  56. المرجع نفسه.
  57. انظر: عبد الله العروي، مفهوم الحرية، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1993، ص 13ـ 27.
  58. يقول ابن خلدون «ثم إن الشيعة خصُّوا عليًّا باسم الإمام نعتًا له بالإمامة التي هي أخت الخلافة، وتعريضًا بمذهبهم في أنه أحق بإمامة الصلاة من أبي بكر لما هو مذهبهم وبدعتهم، فخصُّوه بهذا اللقب ولمن يسوقون إليه منصب الخلافة من بعده، فكانوا كلهم يُسمَّوْن بالإمام ما داموا يدعون لهم في الخلفاء حتى إذا يستولون على الدولة يحولون اللقب فيما بعده إلى أمير المؤمنين كما فعله شيعة بني العباس»، المقدمة، ص 210.
شارك :

التعليقات (0)

أضف تعليق