دعوة للمشاركة في ملف "العربية والتدافع اللغوي المعاصر"

طباعة 2022-11-05
دعوة للمشاركة في ملف "العربية والتدافع اللغوي المعاصر"

الإنسان كائن لغوي بامتياز، كائن يسكن فضاء لغويا ويستوطن في مجال حضاري وفضاء جغرافي، ومن خلال هذا الفضاء يعيش في العالم ويتواصل معه عبر اللغة، التي هي نظام من الرموز والعلامات متواضع عليها للتعبير عن الوجود؛ ومن ثمة كانت معبرة عن الإنجازات الفكرية لمتكلميها، بل نجد من يذهب إلى ربط اللغة بالانتماء الوطني وتشكل الأصوات والكلمات التي ترسم معالم الأمة والشعور القومي، كما أوضح ذلك جون جوزيف في كتابه عن اللغة والهوية. وبصورة أوضح تصبح اللغة أساس تشكيل منظار الأمة والمحدد لرؤيتها للعالم والوجود، ولذا لا يتصور وجود الإنسان بدون كلام، مما يجعل اللغة تعبيرا عن الهوية الوجودية والكينونة الحضارية.

لقد كانت المجتمعات التقليدية عموما أحادية اللغة لمحدودية هجرة الإنسان التقليدي لفضائه الجغرافي الذي ولد فيه، ومن ثمة لم يكن في حاجة إلى تعلم اللغات الأخرى، ما عدا السفراء وبعض التجار والعلماء. وضمن الحضارة الإسلامية التي عرفت أوجَها في قرون الإسلام الست الأولى سادت اللغة العربية، بكونها لغة العلم والثقافة والدين؛ لذا كان العلماء من غير العرب مضطرين إلى تعلم اللغة العربية والكتابة بها. لكن ذلك لم يمنعهم من الكتابة بلغاتهم الأصلية كما هو حال أبي حامد الغزالي الذي وضع بعض مؤلفاته باللغة الفارسية. وضمن المجتمعات الإسلامية حدث نوع من التوافق الضمني على كون اللغة العربية هي لغة العلم والحضارة، والنسق الرسمي للتواصل الإداري، بينما حافظت الجماعات اللسانية المختلفة على هويتها اللغوية في التخاطب اليومي، المرتبط في جوهره بالجغرافيا اللغوية للمتكلم. وحقيقة الأمر أن الإشكال اللغوي لا يطرح في زمن القوة الحضارية بل هو تجلّ من تجليات أزمة الذات وحالة الانحطاط الحضاري للأمة.

مع بروز الحركة الاستعمارية في ربوع العالم الإسلامي ستنشأ الإشكالية اللغوية بوصفها معضلة مستدامة، تتولد عنها صراعات تتغذى من الصراعات السياسية والإيديولوجية. فقد سعى الاستعمار لبسط سيطرته والحط من مكانة لغات الشعوب المستعمرة وقيمتها؛ فخلق نوعا من السوق اللغوية، حيث النجاح والترقية الاجتماعية ترتبط بالتمكن من لغة المستعمر، خاصة مع جعل السوق والعلم يتحدثان بلغة القوي الغالب. وقد نشأت تبعا لذلك هرمية وتراتبية لغوية مصطنعة: لغة العلم ولغة الإدارة ولغة الشارع ولغة المعابد ولغات حية ولغات ميتة، مما أدى إلى استبطان أبناء المستعمرات نظرة دونية للغاتهم مقابل لغة المستعمِر.

ومن أجل تكريس هذا الواقع، عمدت السياسة الاستعمارية إلى إحياء النزعات العرقية والإثنية وخرق جدار الانسجام، الذي عاشته العربية مع اللغات المحلية الأخرى، كالكردية والأمازيغية والقبطية وبعض اللغات الإفريقية، التي غدت تطالب بحقها في المساواة مع العربية في الاستعمال والتداول وحتى الترسيم والتدريس.

ستجد الدولة الوطنية نفسها بعد الاستقلال، مضطرة إلى تدبير تعدد لغوي لم تصنعه، بل ورثته عن المرحلة الاستعمارية. ومع حماس لحظة الاستقلال عرفت دولنا العربية عموما نوعا من التوافق الوطني والقومي على منح اللغة العربية مكانة خاصة بترسيمها لغةً وطنية، لكنها بالمقابل نتيجة مخلفات الاستعمار وحالة التأخر الاقتصادي والثقافي، ستجد نفسها مضطرة إلى وضع سياسات لغوية تأخذ بالحسبان المعطى الواقعي المرتبط بوضعية لغوية معقدة لا يمكن فيها القطع مع لغة المستعمر، وزاد من تعقيد الوضع اللغوي نفوذ نخب ارتبطت ترقيتها الاجتماعية برصيدها وثروتها اللغوية المستمدة من الانتماء إلى المنظومة الاقتصادية والثقافية واللغوية للمستعمر. كما أن مجموعة من الدول نتيجة تعدد عرقياتها وجدت نفسها مضطرة إلى منح لغة المستعمر مكانة اللغة الوسيطة نظرا لغياب توافق على إحدى لغات البلد.

فاللغة العربية ستجد نفسها لاسيما في الدول الخارجة من الاستعمار الفرنسي في وضع دوني، وصارت محاصرة من جهة بلغة المستعمر ومن جهة ثانية بلغات الأقليات أو الأكثريات اللغوية التي ترى كل تمييز لصالح اللغة العربية تضييقا عليها. نتج عن هذا الوضع نشأة نخبة مرتبطة بالاستعمار القديم الجديد اجتماعيا وثقافيا وهوياتيا، رأت في محاولات التعريب الذي عرفته مجموعة من الدول العربية مساهمة في تقوية شوكة الإسلاميين والمحافظين، خاصة بعد أحداث الربيع العربي؛ لهذا التقت مصالح الاستعمار والاستبداد على استراتيجية حصار اللغة العربية ودعم تدريس اللغات الأجنبية بدعوى انفتاحٍ سيساهم في حصار الظاهرة الإسلامية.

لقد تبنت بعض الأنظمة العربية تلك الأطروحة وأنزلتها ضمن سياساتها التعليمية والثقافية. كما أن البعض استبطن صراع اللاتينية مع اللغات المحلية في أوروبا، وحاول أن يسقطه على تجربته المحلية على أساس أن إحياء اللغات المحلية ساهم في توسيع دائرة المتعلمين في أوروبا أثناء نهضتها. وقد تم ذلك عبر النفخ في مقولة اللغة الأم ودورها في التنمية الثقافية والتعليمية.

دعّم هذا المسار ومنحه شرعية ما سمي بالعولمة وما ارتبط بها من سوق لغوية نشأت عنها تراتبيات لغوية، حيث هيمنت اللغة الإنجليزية، لاسيما بعد تولي أمريكا قيادة العالم باعتبارها أكبر قوة اقتصادية وعسكرية. ورغم هيمنة الإنجليزية على العالم فإن المستعمرات الفرنسية السابقة بقيت وفية للغة الفرنسية، رغم تدهور موقعها ضمن لغات البحث العلمي.

وهكذا بدأنا نتحدث عن لغات حية ولغات ميتة، ضمن هذا التدافع اللغوي. ويتميز المشهد اللغوي الراهن بسوء التوزيع ومسلسل إقصاء متواصل للغات الكثير من الشعوب، حيث نشهد باستمرار اندثار العديد من اللغات التاريخية، وهو ما حذرت منه باستمرار المنظمات الدولية كاليونيسكو. كما يتسم الواقع اللغوي العربي بهيمنة كبيرة للغة المستعمر في التعليم والبحث والإعلام والاقتصاد، مقابل إقصاء للعربية الفصحى وتهميشها على كافة المستويات، بدءا من مرحلة التعليم الأولي وانتهاء بمختلف مراحل التعليم. مما دفع ببعض الخطابات إلى تفسير معاناة العربية في بيئتها بتعرضها لمؤامرة حقيقية لإزاحتها نهائيا، بعد مسار طويل من الإضعاف والتحقير وربطها بالتخلف والتقليد، فضلا عن اتهامها بالعجز الذاتي عن مواكبة العصر ولغة العلم الحديث.

لقد خصصت مجلة أواصر هذا العدد لمسألة التدافع اللغوي، وتقترح على المختصين والمفكرين والباحثين المشاركة في هذا الموضوع من أجل نقاش علمي حول المخاطر التي تهدد العربية، في ظل هذه الوضعية اللغوية المتعددة الأبعاد. وقد اخترنا مصطلح تدافع بدل الصراع أو الحرب الذي اعتاد علماء سوسيولوجيا اللسانيات توظيفه، تفاديا للثنائيات التي يدفع نحوهما هذين المصطلحين لأن الأمر أعقد من هيمنة طرف على آخر، فالمسألة اللغوية لا تحل بمنطق الحرب بل بمنطق وعي التدافعات والحاجة إلى دعم وتجهيز لغات لتستطيع مواكبة التحولات. هذا لا ينفي وجود صراعات لغوية أو صراعات سياسية تتلبس صراعات لغوية بل نود من هذا الإشارة إلى مقاربات متعددة للشأن اللغوي تستحضر واقع السوق اللغوية ومنطقها التنافسي لكنها تراعي أيضا أبعاد الهوية والتنمية ومؤهلات اللغات للتموقع ضمن هذه السوق.

إن المسألة اللغوية متعددة الأبعاد: سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ولسانية؛ ولذلك فإن مصطلحات الحرب أو الصراع غير قادرة لوحدها على استيعاب تعقيدات الوضع اللغوي السائد حاليا بل قد تكون مضللة في حالة الإسراف في الإحالة إليهما.

انطلاقا مما سبق نقترح للاستكتاب المحاور الآتية:

  1. المسألة اللغوية: جدل الاستعمار والعولمة.
  2. السوق اللغوية واستراتيجيات الهيمنة.
  3. المسألة اللغوية بين خطابي الهوية والتنمية.
  4. الدولة الوطنية وتدبير المسألة اللغوية.
  5. السياسات اللغوية والتعليمية وواقع العربية.
  6. اللغة العربية في مناهج التعليم وسؤال الهوية.
  7. لغات الأقليات والوضع "الدوني" للغات.
  8. التيارات الفكرية والسياسية والموقف من العربية.
  9. اللغة العربية وسؤال النهضة.
  10. تجارب الترجمة والتعريب في العالم العربي: الحصيلة والآفاق.
  11. اللغة العربية والحوسبة والتحولات الرقمية والإنتاج العلمي.
  12. أي مستقبل للغة العربية في ظل التحولات الراهنة؟

تستقبل مواد هذا الملف في موعد أقصاه 15 فبراير 2023، كما يمكنكم المساهمة في مواضيع أخرى خارج ملف العدد، وفقا لرؤية المجلة وسياستها في النشر حيث تشمل: محور "الترجمات" ومحور "دراسات ومقالات" ومحور "مراجعات الكتب"، في مختلف مجالات العلوم الاجتماعية والسياسية وحقل التاريخ والفلسفة والفكر الإسلامي.

 

البريد الرسمي للمجلة: [email protected]

شارك :

التعليقات (0)

أضف تعليق