جينالوجيا العنف في العالم الإسلامي

معتز ممدوح

جينالوجيا العنف في العالم الإسلامي

مقدمة

في مقدمة كتابها في العنف، تقول المُنظّرة السياسية الألمانية حنة آرندت: «لا يمكن لشخص أعملَ فِكرَه في شؤون التاريخ والسياسة، أن يبقى غافلًا عن الدور الكبير الذي لعبه العنف، دائمًا، في شؤون البشر، ومن هنا سيبدو للوهلة الأولى مفاجئًا ما نلاحظه من أن العنف نادرًا ما كان موضع تحليل أو دراسة خاصة»1.

على الرغم من تلك الندرة النسبية للدراسات الغربية للعنف، كما أسلفت آرندت، تظلّ الدراسات الغربية أكثر تعددًا بنهاية المطاف مقارنةً بالدراسات العربية والإسلامية في هذا المجال بما لا يقاس، سواء على صعيد دراسة عنف الدولة أو حتى على صعيد دراسة عنف الجماعات المسلحة، على الرغم من كون العالمَيْن، العربي والإسلامي، هما أكثر مناطق العالم، ربما، معاناةً من العنف السياسي في زماننا الراهن.

وعلى الرغم من كون هذا العنف عنفًا جدليًّا؛ أي يخضع لكثيرٍ من التجاذبات التي تكتنف مسألة البحث عن جذوره، حيث يتم النظر إلى ذلك العنف في العالم العربي والإسلامي حتى الآن، من قِبل تيارات واسعة في العالم الغربي ومن بعض النخب في العالم الإسلامي، باعتباره نتاجًا لإرث ديني وثقافي وتاريخي يتمتع بخصوصية منفردة، وليس نتاجًا لأسباب اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، مثلما يتم تحليل بواعث العنف في أيّ منطقة أخرى من العالم؛ فإن هذه المقاربة للعنف خلقت، حتى يومنا هذا، العديد من المشكلات الحقيقية؛ كتنامي ظاهرة الرهاب من الإسلام، وتزايُد معدلات جرائم الكراهية العنصرية ضد الأقليات المسلمة في الغرب في السنوات الأخيرة.

لذلك تبدو الدراسة والبحث في أسباب العنف والأنماط الثقافية الحقيقية التي يصدر منها في العالم العربي والإسلامي، أكثر ضرورةً وإلحاحًا اليوم من أيّ وقتٍ مضى، لا سيما بعد نشأة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام؛ مما حدا الكثيرين في شرق العالم وغربه خلال العامين الماضيين إلى اجترار تراث الأفكار المقولبة والعنصرية للإجابة عن ذلك التساؤل المكرَّر الذي بات يطرح نفسه من جديد، ويسأل عن مصدر هذا العنف وعلاقته بالتراث الإسلامي التاريخي والديني.

 سنسعى في هذه الورقة لمحاولة الإجابة عن هذا التساؤل، وسنعتمد في ذلك، كما يظهر في العنوان، على مقاربة جينالوجية2. ولعل هذه المقاربة هي الأنسب في التعامل مع ظاهرة جدلية كظاهرة داعش التي سنتناولها في هذا الإطار؛ إذ تُشبه الأخيرة المولود غير الشرعي الذي يرفض أن يعترف بنسبه أحدٌ، بما في ذلك تيارات السلفية الجهادية نفسها، على لسان مختلف مشايخها ومُنظّريها الكبار والبارزين من مُنظّري تنظيم القاعدة وغيرهم، فأضحت مجرد محاولة إلحاق نسبة هذا التنظيم لأيّ فكرٍ أو تيارٍ تبدو الآن وكأنها اتهامٌ بجريمةٍ تمسّ الشرف.

وسنسعى هنا في هذه الدراسة، بشكلٍ عام، في سياق التتبع الجينالوجي للعنف الراهن في العالم الإسلامي، وتقفِّي عمود النسب الحقيقي الذي ينتمي إليه تنظيم الدولة وغيره من جماعات العنف الأخرى، بتناوُل تلقِّي التحديث في العالم الإسلامي وبدايات تشكُّل الحركات الإسلامية المعاصرة أولًا.

  ثم سنعطف بالنهاية لنتناول ميلاد ظاهرة السلفية الجهادية، ونقارن بعض حركاتها بعددٍ من الحركات الإسلامية الأخرى ذات البنية التقليدية في العالم الإسلامي، لعلّنا ندرك، من خلال التأمل في كلّ ذلك، طبيعة الجذور الحقيقية للعنف في عالمنا الإسلامي اليوم، وإلى ماذا ينتسب هذا التنظيم الذي سيطر خلال السنوات الأخيرة الماضية على أجزاء واسعة من شرق سوريا وغرب العراق، وقضم عددٌ من أفرعه الأخرى جانبًا آخر من بعض الأجزاء الرخوة في خاصرة العالم الإسلامي وأطرافه.

 الوجه الآخر للحداثة

تشير كارين أرمسترونج إلى أنه عند بدء التحديث في العالم الإسلامي قوبل في بادئ الأمر باضطراب عميق كما حدث في أوروبا نفسها، وتم اعتباره من قطاع اجتماعي لا بأس به آنذاك كحالة مُستجلَبة من الخارج لا تُعبّر عن طبيعة المجتمعات الإسلامية أساسًا؛ مما أدى، في الأخير، إلى تشكُّل حركة ثقافية مضادة، بحسب أرمسترونج، هدفها إعادة الدين إلى الحياة العامة بصورة شاملة تستغرق المجال العام الحديث بالطريقة ذاتها التي استُبعد الدين من خلالها. وتتوقف الكاتبة هنا عند مفارقة لافتة، لا يُنتبه إليها عادةً، وتتمثَّل في أن الحركات التي ندعوها اليوم بالجماعات «الأصولية» قد نشأت وتطورت منذ البداية من خلال علاقة تكافلية ومتزامنة مع عملية التحديث والعلمنة في العالم الإسلامي3.

وصاحبَ نشأة هذه الحركات الأخيرة في العالم الإسلامي تحولات في النظرة إلى الدين، تشكَّل معها نمط جديد من التدين ألا وهو التدين السياسي، وتحوَّل الإسلام في القرن الماضي في ذهنية الكثير من المسلمين عبر تأثير هذا النمط من كونه دينًا إلى نوعٍ من الأيديولوجيا الشمولية، بشكلٍ أو بآخر؛ لارتباطه الشديد بفكرة الدولة.

شكَّل هذا النمط من التدين، في الأخير، الوجهَ الآخر للحداثة في عالم المسلمين والجانب المسكوت عنه فيها، وظلَّ دائمًا الجزء الذي لم يستوفِ حقه من التأمل في ظاهرة التحديث، حيث تم اعتبار التيارات الإسلامية في هذا الإطار شكلًا من أشكال الرجعية التي تناوئ التقدم والاستنارة في العالم الإسلامي، رغم أنها نشأت أساسًا من خلال التحديث نفسه إذا نظرنا إليه بوصفه سيرورةً جدلية.

وقد اتجه معظم الباحثين في الإسلام السياسي بالفعل، على عكس تلك القناعات التي سادت في القرن الماضي، إلى التعامل في المقابل، وبأثرٍ رجعي، مع الحركات الإسلامية المعاصرة بالطريقة ذاتها تقريبًا التي تعامَل معها أوليفيه روا في كتابه تجربة الإسلام السياسي، بوصفِها حركاتٍ أيديولوجية حداثية مفتونة بالدولة4. فعلى سبيل المثال، يقول الباحث المصري الراحل حسام تمّام في سياق التعاطي مع هذه المسألة: إن «موضوع الدولة جوهر يكاد يكون ثابتًا في أيديولوجيا الإسلام السياسي، وهو القضية الأهم بالنسبة إليها؛ حيث لم تقم الحركات الإسلامية المعاصرة على فكرةٍ أو مفهومٍ بقدر ما أُقيمت على فكرة إقامة الدولة الإسلامية»5. وكان يعتقد تمّام في هذا الإطار أن الإسلام السياسي هو أيديولوجيا تحديثية تخضع للسياقات نفسها التي قامت فيها الأيديولوجيات القومية والاشتراكية وغيرها6.

ويقول بشير موسى نافع ضِمن السياق نفسه: «تُمثل مسألة الدولة أحد أكبر التحديات التي واجهت التيار الإسلامي السياسي منذ ولادته في عشرينيات القرن العشرين؛ إذ لاحظ الإسلاميون الأوائل كيف باتت الدولة الحديثة تتحكم في شؤون الحياة كافةً، وهو ما طوَّر رؤيتهم تدريجيًّا باتجاه محاولة القبض على مقاليد الحكم والسلطة. ولكنّ الإسلاميين لم ينظروا إلى الفارق الكبير بين بنية الدولة الحديثة والأسس التي ترتكز عليها، ونموذج الدولة الإسلامية التاريخية الذي استبطنوه»7.

ومن الملاحظ هنا أن حركات الإسلام السياسي لم تتمتع بأيّ ملامح من أشكال البنى التقليدية منذ نشأتها، وهذا يحمل، بطبيعة الحال، مفارقةً كبيرة منذ البداية مع طابعها السلفي المفترض؛ فهي لم تختلف في بنيتها كثيرًا عن البنية التنظيمية للأحزاب الأيديولوجية المعاصرة عمومًا حول العالم. 

ولعل السمات السلوكية والمظهرية والرطانة الخطابية للحركات الإسلامية تحتاج إلى إعادة تأمُّل بالفعل؛ فهي في صميمها لا تعبر فحسب عن شكلٍ أو مظهرٍ دينيّ، بل ربما كانت هذه المظاهر والمسلكيات في وقتٍ من الأوقات، لا سيما في مطلع الصحوة في سبعينيات القرن الماضي، نوعًا من ردة الفعل تسعى إلى استعادة الهوية والتقاليد التاريخية المتآكلة، والتي تعرضت لمحاولاتٍ عدة من الطمس المنهجي على يد تجارب التحديث الوطني؛ كتجربة مصطفى كمال أتاتورك في تركيا، وتجربة الشاه رضا بهلوي في إيران، وغيرها.

يذهب آصف بيات8، عطفًا على مسألة الدولة الحديثة عند الإسلاميين، إلى أن الاهتمام الرئيس بما يسميه «الإسلاموية» يتمثّل في بناء مجتمعٍ أيديولوجي تتحقق فيه مُثُل الإسلام المتصوَّرة من خلال السيطرة على الدولة التي في تصوُّرهم هي الطريق الرئيس لتحقيق هذه الغاية9.

وكغيره من الباحثين في هذا الإطار، يؤكد بيات أيضًا على قضية حداثة تلك الظاهرة، فيقول: «إنه، وعلى الرغم من أن التحليل المعاصر للظاهرة الإسلامية يربطها بالتعبير عن التقليدية والسلفية الفكرية، نجد أن أغلب المنتمين إلى هذه الحركات هم من مشاربَ وخلفياتٍ مهنيةٍ حداثية؛ حيث تغلغلت هذه الحركات في بنية الطبقات الوسطى المدينية، ووقفت على التضاد من المؤسسات التقليدية، خاصةً فيما يتعلق بتفسيرها للرؤية السياسية للدين»10.

 يعتقد الأنثروبولوجي والفيلسوف البريطاني إرنست غيلنر، بأن المجتمعات في الزمن القومي الراهن تعبد نفسها؛ مما يعني أنه لا يهم كثيرًا إن كنت أصوليًّا أم علمانيًّا قوميًّا، فمن الممكن للأغلبية العظمى من الناس الانتقال في المواقف بين الأصولية والفكر القومي بسهولةٍ ويسرٍ حسب المعطيات والظروف، ولكن في ظلّ الإطار القومي الذي يؤطر الفكر الديني خلاله بالنهاية 11. ويرتبط ما يتحدث عنه إرنست غيلنر هنا بشكلٍ وثيقٍ بما سنتناوله لاحقًا عن التحولات التي حدثت مطلع الصحوة الإسلامية في سبعينيات القرن الماضي.

نشأة السلفية الجهادية

ربما تحمل الفكرة التي تناولتها آنفًا عن تشكُّل الحركات الإسلامية الراهنة، بوصفِها بنيةً مُحدّثةً في الواقع المعاصر للعالم الإسلامي، مفارقةً من نوعٍ ما، وذلك هو ما جرى في واقع الأمر خلال القرن الماضي، وينطبق هذا تقريبًا على مختلف أطيافها الأيديولوجية، من أكثرها «اعتدالًا» إلى أشدّها «تطرفًا».

 وبينما تشكّلت حركات الإسلام السياسي من داخل بنية الدول الوطنية الحديثة، تشكّلت في المقابل الحركات السلفية الجهادية من قلب المؤسسات العقابية الحديثة لتلك الدول، التي اصطدمت أنظمتها السياسية بدورها في مراحل عديدة من التاريخ المعاصر مع تيار الإسلام السياسي، تعرّض خلالها أبناء ذلك التيار لشتى صنوف التعذيب والإذلال النفسي والبدني داخل السجون والمعتقلات؛ وهو ما أدّى إلى خلق تحولات فكرية عميقة لدى العديد منهم، إذ إنه بمقدار العنف والقمع والتسلط الذي تعرّض له البعض منهم، بقدر ما اتصف الكثير منهم بالعنف القاهر أيضًا بوصفه وسيلةً أساسيةً ووحيدةً للتغيير وتحقيق رؤاهم السياسية والاجتماعية. فتحولت بذلك السجون إلى مصنع للعديد من التنظيمات الجهادية منذ منتصف القرن الماضي إلى مطلع قرننا الراهن، وكان آخرها تنظيم الدولة الإسلامية نفسه، الذي تشكلت نواته التنظيمية من قلب سجن بوكا في العراق بعد الغزو الأمريكي.  

ففي هذا السياق مثلًا، يذكر واحد من قيادات تنظيم الدولة الإسلامية لجريدة الغارديان البريطانية، خلال حوار صحفي أجرَتْه معه، أنه لولا السجون الأمريكية في العراق (كسجنَيْ بوكا وأبو غريب)، لما خرجت «الدولة الإسلامية» إلى حيّز الوجود. فهو يؤكد أن سجن بوكا بوجهٍ خاصّ كان بمثابة المصنع الذي كوّن نهج التنظيم الفكري12. وقد أقرّ العديد من المساجين العراقيين السابقين، بالإضافة إلى مسؤولين أمريكيين بارزين، بتأثير السجون السلبي المهيّج في عراق ما بعد الاحتلال13.

ومن المثير للتأمل بالفعل أن نعرف أن جميع تقنيات التعذيب والإخضاع التي تعرّض لها معظم الإسلاميين في سجون ومعتقلات الدول الحديثة في العالم العربي، وما تعرَّض له العديد من المساجين في سجون الاحتلال الأمريكي بالعراق كسجنَيْ بوكا وأبو غريب هي ذاتها الأساليب المعتمدة من جهةٍ أخرى في إكساب الحيوانات طابع العدوانية والشراسة؛ إذ مع التعرض للرعب الشديد والضغط النفسي والبدني المستمر بالإضافة إلى الوحدة والعزلة المشددة، تكتسب الحيوانات عامةً بنهاية المطاف حالةً من التوحش، وما ينطبق على الحيوانات ينطبق كذلك على الإنسان. يذكر مثلًا أحد مرافقي أبي عمر الكردي الملقب بـ«جزار القاعدة»، الذي اعتقلته أجهزة الأمن في النظام العراقي من عام 1991 حتى 1995 بعد عودته من أفغانستان، والذي أُعدم على يد الحكومة العراقية، بعد أن نفّذ أكثر من مائتي عملية تفخيخ، أنه كان يصف نفسه بـ «الوحش»؛ إذ ينقل مرافق الكردي عن الأخير قوله:

«تحولتُ إلى وحش. هل تعرف كيف يُمكن أن يُصبح الإنسان بعد اعتقاله في زنزانةٍ منفردة خمس سنوات؟!»14.

ويُؤرَّخ عادةً لبداية التحولات الأولى التي قادت إلى تشكُّل التيار السلفي الجهادي من ستينيات القرن الماضي تحديدًا، حيث ظل ذلك التيار آنذاك محدود الانتشار، ومرتبطًا أساسًا بالتجارب الشخصية لمن تعرّضوا لمرارات الاضطهاد في سجون النظام الناصري حينَها؛ حيث عانى التيار الإسلامي من انحسارٍ كبيرٍ في المجتمع المصري منذ الصِّدام الكبير الذي جرى عام 1954 بين نظام يوليو وجماعة الإخوان المسلمين في مصر وما أعقبه من عمليات قمع واستئصال اجتماعي واسعة.

ولكن عقب هزيمة 1967، لم يستمر ذلك التراجع على ما هو عليه، فمع فداحة هزيمة النظام الناصري في مصر، فقد تهاوى الخطاب القومي في مختلف أرجاء العالم العربي، وتشكّلَت أثناء ذلك موجة مدٍّ إسلامي داخل صفوف طلبة الجامعات كنوعٍ من ردّ الفعل النفسي على الهزيمة.

 ووفقًا لفرضية إرنست غيلنر آنفة الذكر، فإن هذا التحول الديني السريع في ظل البنية الاجتماعية نفسها لم يكن إلا تحولًا شكليًّا على مستوى الرؤية السياسية في الحقيقة، حيث استبطن الحركيون الإسلاميون الجدد الذين انبثقوا من قلب تلك الصحوة الدينية بمختلف أطيافهم نموذج الدولة القومية مندمجةً مع تصوراتهم المثالية حول فكرة الدولة الإسلامية.

ورغم أن بعض المحللين لظاهرة الحركات الإسلامية يؤرّخ لبدايات ظاهرة السلفية الجهادية منذ الحركة الوهابية في القرن الثامن عشر، بل يبلغ المدى بالبعض الآخر في تجذير الظاهرة بإرجاع أصولها إلى حركة الخوارج في القرن الهجري الأول، بسبب تقاطُع الفكر السلفي الجهادي المعاصر مع أفكار بعض الخوارج القدامى في القرنين الهجريين الأول والثاني، فإنه يظل هناك العديد من الفوارق العميقة بين تلك الظاهرة المعاصرة وسائر تلك النماذج التاريخية السابقة، ويتمثل ذلك بشكلٍ أساسيّ في تصوُّر الدولة وبنيتها؛ فبينما يمثل نموذج الخوارج التاريخي ونموذج الحركة الوهابية تصوُّر الدولة بالمفهوم القديم القائم على أساس ديني مذهبي تستمد شرعيتها منه، كالمذهب الحنبلي الذي ترتكز عليه الوهابية بشكل رئيس، أو مذهب الإباضية أو الصفرية أو النجدات في حالة الخوارج مثلًا، يمثل نموذج السلفية الجهادية في المقابل نموذجًا مستجدًّا وطارئًا يتبنَّى مفهومًا حديثًا للدولة يقوم على أساس العنف والقدرة على تنظيمه بمفهوم ماكس فيبر، وهذا المعنى يمكن فهمُه بشكلٍ واضحٍ من عنوان أحد أهم الأعمال النظرية السلفية الجهادية ألا وهو (إدارة التوحش).

وتُعَدّ التجربة الوهابية منذ الدولة السعودية الأولى، بالمفارقة مع تجارب السلفية الجهادية المعاصرة، تجربةَ حكمٍ تقليدي بالمعنى الاصطلاحي في العلوم السياسية لهذه الكلمة؛ فهذه الدولة، كما يقول ستيفان لاكروا، هيمن عليها منذ البداية نخبتان متمايزتان تقاسمتا السلطة، نخبة سياسية مؤلَّفة من سلالة محمد بن سعود، ونخبة دينية تمحورت حول محمد بن عبد الوهاب وذريته؛ مما أدى إلى تبلور مجالين منفصلين تمامًا، وهما (المجال الديني) من جانب، و(المجال السياسي) من جانبٍ آخر، وبذلك احتكرت كلتا النخبتين مجالها الخاص الذي تتحرك فيه، وتعززت الاستقلالية بينهما أكثر من خلال عملية (تأطيرٍ للمجال) خضع لها فاعلو كلا المجالين، ويظهر هذا بحسب لاكروا بوضوح بدءًا من رموز تبوأت المكانة، ففي حين اكتفى أبناء آل سعود الفاعلين الرئيسين في المجال السياسي في هذا الإطار بلقب الأمير، أصبح لقب الشيخ الذي تستخدمه المجتمعات الخليجية كلقبٍ لأبناء الأسر الحاكمة صفةً خاصةً تُميّز فاعلي المجال الديني، وعلى رأسهم آل الشيخ من ذرية محمد بن عبد الوهاب، أما بالنسبة إلى الزيّ فقد امتنع العلماء عن ارتداء العقال الذي يرتديه دائمًا، في المقابل، أمراء آل سعود، وقد جرى كذلك كما يذكر لاكروا تعزيز كل هذه العوامل المؤطرة، بدءًا من ستينيات القرن الماضي، بعملية تقنين رسمية شملت إقامة مؤسسات منظمة بطريقة هرمية لإدارة المجال الديني15.

وعلى الرغم من ذلك، قد ينظر البعض إلى السلفية الجهادية على أنها امتدادٌ تاريخيّ بشكل أو بآخر للوجود المجهض لحركة «إخوان من أطاع الله» الذين قاتلوا مع الملك عبد العزيز آل سعود خلال حروب الأخير لبناء مملكته التي وحّدت جزءًا كبيرًا من أرجاء شبه الجزيرة العربية، وهي الحركة التي قضى عليها الملك عبد العزيز لاحقًا بعد أن تحدّت أوامره بعدم شنّ الغارات على بادية العراق والكويت التي اعتبرها الإخوان أرضًا للمشركين يجب الانقضاض عليها، التزامًا منه بمعاهدة بحرة الموقَّعة عام 1925. ولكن كان القضاء على حركة «إخوان من أطاع الله» المسلحة بمثابة تخليصٍ للوهابية من العنصر الثوري النافر عن سياق خطابها الديني المحافظ الذي تطبّعت به لاحقًا، وهو ما يصنع ذلك التباين بين الوهابية من جهة، والسلفية الجهادية وتجليّاتها المعاصرة من جهةٍ أخرى، وهي المفارقة التي يتجاوزها الكثيرون في الآونة الأخيرة من خلال المماهاة تجاوزًا بين الوهابية والدولة السعودية وبين داعش على سبيل المثال.

أما فيما يتعلق بالخوارج الذين يعتبرهم بعض المحللين الجذر الأول للسلفية الجهادية، فيكفى للمتابع تأمُّل السيرورة المذهبية للخوارج، من خلال المذهب الإباضي ومعتنقيه على سبيل المثال، الذين يُشكّلون الأغلبية من سكان عمان اليوم، والذين هم من أكثر المجتمعات الدينية مسالمةً في العالم العربي اليوم، حيث لا يُفهم هذا التباين بين مسلك سكّان عمان اليوم من أتباع المذهب الإباضي، وبين التاريخ الدموي للخوارج في المقابل، إلا في إطار أن الميل إلى تكفير الخصوم والعنف الشديد الذي اتّسم به الخوارج القدامى لم يكن إلا سمةً غير قارّةٍ أو ثابتة؛ إذ لم يتحوّل ذلك المنزع في العموم إلى أيديولوجيا متكاملة الأركان كما هو الحال بالنسبة إلى الفكر الجهادي الراهن.

أما فيما يتعلق بمفهوم الحاكمية الذي دعا إليه الخوارج والذي يربطه البعض بمفهوم الحاكمية في فكر السلفية الجهادية اليوم، فغنيٌّ عن الذكر أن مفهوم الخوارج للحاكمية كان تاريخيًّا في الأساس مفهومًا تحكيميًّا في ظل الصراع السياسي المعروف في تاريخ الإسلام بالفتنة الكبرى، ولم يتسع أو يتطور إلى ذلك الشكل الشمولي المرتبط بالدول الحديثة الذي تنطوي عليه أطروحات السلفية الجهادية المعاصرة.

أداتية العنف الجهادي

تقول حنة آرندت: «إن التنبؤ بالغاية المتوخّاة من أيّ عملٍ بشري، يستحيل من دون التقصي في وسائل تحقيقه، حيث تكتسب الوسائل المستخدمة للوصول إلى غايات معينة عادةً، أهميةً تفُوق ربما في آثارها الأهميةَ التي تتمتع بها الغايات المنشودة منذ البداية»16.

 ولذلك، لعل الوسيلة التي اختارت أن تنتهجها تيارات السلفية الجهادية تُحدّد لنا، بصورة أو بأخرى، شكل وطبيعة الدولة المنشودة التي تسعى إلى إقامتها، وقد اختارت السلفية الجهادية في هذا الإطار العنف وحدَه منذ البداية، كسبيل وحيد لا محيد عنه ولا بديل سواه للوصول إلى الدولة الإسلامية المبتغاة، كما هو واضح من خلال تجربتها، وكما تم التأكيد كذلك على تلك الفكرة بشكلٍ لا لَبس فيه من خلال أطروحات مُنظّريها.

 فيذكر مؤلف كتاب إدارة التوحش في سياق تناوُل هذه الفكرة، في المبحث الخامس من كتابه، والذي يحمل عنوان «هل توجد حلول أخرى أيسر من ذلك؟»:

« قد يتساءل البعض: هل توجد حلول أخرى أيسر من ذلك الحل الصعب وأحقن للدماء؟ ... إنّنا نحلم بترتيب رفيعٍ جدًّا لشوكةِ التّمكين دون المرور بشوكة النّكاية، وهي الشّوكة التي يقع فيها: ﴿إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُون، ويقع فيها: ﴿يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ، وهذا مع عدم إمكانيّة حدوثه فإنّه يفرز، ولا شكّ، فِقهًا أعوجَ، وأحكامًا فاسدة، ... وهذا لأنه تم له التمكين دون تحضير أرضية التمكين بما يناسبها، وهذا التحضير لا يقع إلا من خلال شوكة النّكاية...»17.

ويضيف مؤلف الكتاب في موضعٍ آخر في المبحث الخامس نفسه: «علينا جرّ الجميع إلى المعركة ليحيا مَن يحيا على بينة ويهلِك مَن يهلِك على بينة، علينا أن نجر الجميع، الحركات والشعوب والأحزاب، إلى المعركة، ونقلب الطاولة فوق رؤوس الجميع»18. لعل قراءة هذه النصوص تستدعي في الذهن للوهلة الأولى العديد من أفكار جان بول سارتر وفرانز فانون التي قدّمَاها في كتاب المعذبون في الأرض19.

 إضافةً إلى أن قراءة تلك النصوص تستدعي، من جهة أخرى، بعض أفكار جورج سوريل، في كتابه تأملات في العنف، التي تنظر أيضًا إلى العنف باعتباره حتميةً وحيدةً للتغيير الاجتماعي والسياسي، فيتحول العنف، بعد أدلجته بتلك الطريقة، من كونه مجرد أداة إلى هدف يُبتَغى في حدّ ذاته20.

ورغم أن العنف كان سمة أساسية في الصراعات السياسية على الحكم منذ القِدم، فإن العنف الحديث يتفرّد بطبيعته النسقية والمنهجية المرتبطة بطبيعة السلطة الحديثة التي تبسط سيادتها على شتى مظاهر الحياة، والقائمة في أساسها النظري على العنف وليس الدين أو الأخلاق كما أشرنا سلفًا.

 وكما رأينا من خلال تلك النصوص، فقد أصبح خطاب السلفية الجهادية، من خلال تلك التنظيرات، عبارة عن «لاهوت حرب» بتعبير فرانسوا بورغا في كتابه الإسلام السياسي في زمن القاعدة21، أو ثورة دائمة بمفهومٍ موازٍ لتصورات ليون تروتسكي22، أو لنَقُل بالأحرى: إنه «جهاد» بلا حدود، دائم ومؤدلج ومُؤطَّر نظريًّا، وهذا ما يجعل تجربة السلفية الجهادية تختلف في أساسها النظري مع تجارب أخرى معاصرة، كتجربة طالبان في أفغانستان، أو حركة المحاكم الإسلامية في الصومال، فضلًا عن الوهابية أو الخوارج كما أسلفنا.

 فعلى الرغم من الصِّلات والعلاقات التاريخية القوية بين قيادة تنظيم القاعدة وقيادة حركة طالبان كما هو معروف، تظل تجربة طالبان بالنهاية تجربة حُكم تقليدي وفق أدبيات العلوم السياسية، حيث تتشابه في هذا الإطار مع تجربة الحركة الوهابية في الجزيرة العربية، ويتجلى هذا في نواحٍ عديدة، منها: تقليد حركة طالبان لأحد مذاهب الفقه السُّنية الأربعة، وهو المذهب الحنفي، وتبنِّيها كذلك للمدرسة الماتريدية في أصول العقيدة، وهو التبنِّي الذي يجد نظائر أخرى له فقهيًّا وعقائديًّا لدى الوهابية أيضًا، وهو ما تفتقر إليه في المقابل السلفية الجهادية، التي رغم محاولة نسب نفسِها إلى سلفية أهل السنة والجماعة وإلى أهل الحديث، تحوّلَتْ مع الوقت إلى أيديولوجيا سياسية تتمحور حول فكرة الدولة بشكل رئيس، بينما تستخدم الفقه على الجانب الآخر بشكل انتقائي وذرائعي في الكثير من الأحيان.

ويُلاحَظ في سياق متصل، أن طالبان تمتعت خلال فترة حكمها بعلاقات دولية ودبلوماسية معقولة، وبسلام مشهود مع جوارها الإقليمي، حيث استطاعت من خلال ذلك أن تخلق قدرًا مقبولًا من الاستقرار الداخلي النسبي داخل أفغانستان، وهذا من البديهي لم يكن ليتحقق لو تبنت تلك الحركة الطابع الثوري للسلفية الجهادية المعاصرة.

وتتشابه طالبان أيضًا في هذا الإطار مع تجربة اتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال قبل أن تنهار، حيث وفرت كلتا الحركتين الأمن والاستقرار النسبي داخل مناطق حكمها، بجانب عدم اتسامها بشكل عام بالعدوانية؛ إذ أنشئت المحاكم الإسلامية، مثلها في ذلك مثل طالبان؛ لمواجهة أمراء الحرب بشكلٍ أساسيّ، وسدّ الفراغ الأمني والقانوني في الصومال.

ولعل البرهان العملي لصحة الطرح القائم على التفرقة بين تجربتَيِ المحاكم الإسلامية الصومالية وحركة طالبان وبين السلفية الجهادية هو ما حدث لاحقًا خلال التجربة الصومالية، عبر انشقاق المجموعة التي عُرفت باسم حركة شباب المجاهدين، والفكر والمسلك المختلف الذي اتبعته لاحقًا، والذي يتباين ويختلف بوضوح عن الفكر والمسلك لتجربة المحاكم، في حين يتشابه ويتسق مع منهج تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية التي بايعتهما تباعًا بعد ذلك.

 وهنا يكمن الفارق بين العنف الذي تمارسه السلفية الجهادية الراهنة ومختلف تجارب الحركات الدينية الأخرى منذ الخوارج، وصولًا إلى حركة المحاكم الإسلامية في الصومال، ويتمثل ذلك في المنظور الأيديولوجي المتمركز كليًّا حول العنف عند حركات السلفية الجهادية، والذي تم من خلاله بناء منظومة فكرية كاملة حول أداة منفصلة عن القيم المرتبطة بغايتها النهائية، حيث صار الفعل العنيف بالنهاية لدى عموم الجهاديين هو الهدف في حدّ ذاته وليس مجرد أداة.

 وصارت الدولة، في الأخير، هي الغاية وليست مجرد وسيلة لتنظيم الشأن الاجتماعي، وتلك السمات هي سمات حداثية بارزة تتجلى خلالها بوضوح النزعة الأداتية التي كان مارتن هيدجر ورواد مدرسة فرانكفورت من أكبر منتقديها في القرن الماضي.

ولعل كل هذا يؤسس بالنهاية لتمايز نظري واضح، ينبغي أن نضعه في عين الاعتبار، عند المقارنة بين تجارب حكم تقليدي كتجربة اتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال وتجربة حكم طالبان، وبين تجربة تنظيم القاعدة أو تجربة تنظيم الدولة الإسلامية الراهنة، اللتين جاءتا ثمرةً مشوّهةً للتحديث غير الناجز في العالم الإسلامي. 

ختام

في النهاية، نودّ أن نقول: إن في الظاهرة، موضع الدراسة، تعقيدات كثيفة وجمّة بطبيعة الحال، ولكن ذلك لا ينبغي أن يمنعنا من الخروج ببعض التعميمات، تعميماتٍ تساعد على تحديد موقع تلك الظاهرة في التاريخ، ولا تقضي على تركيبيتها، بل تعطي بعض التماسك أمام انزياحات المعنى والدلالة المربكة التي تؤدي إلى إفلات ظواهر مثل داعش وغيرها من الإدراك الجيد والمعقول.

 ولذلك نقول في نهاية المطاف: إن ذلك العنف الدامي الراهن الذي يضرب منذ سنوات في قلب العالم الإسلامي كما يضرب في خارجه على حدٍّ سواء، ليس ارتدادًا إلى الماضي بقدر ما هو نتاجٌ للزمن الحديث.

 فتلك التنظيمات التي تتبنّى تلك الأعمال وذلك النهج رغم التهويمات الظاهرية هي ابنة عصرها وليست آتيةً من الماضي البعيد، بل هي بالأحرى ابنة فترة الانقطاع عن ذلك الماضي الذي أضحى تراثًا انقطع عنَّا وانقطعنا عنه.

 ولم يكن ماضي المسلمين بهذا السوء في الحقيقة، لينتج لنا ظواهر كتلك، فقد كان المسلمون في الماضي، وعلى العكس من واقع حالهم اليوم، أمةً بالغةَ التحضر والإنسانية، ولا يُحمل تاريخهم، الذي لا يخلو بطبيعة الحال من قدرٍ من المساوئ، على فظائع بالحجم الذي ارتكبته الشعوب الأوروبية تاريخيًّا بحق بعضِها البعض أو بحق العالم الذي استعمرت معظم أرجائه وأبادت قارّةً كاملةً تقريبًا من سكانه على سبيل المثال.

 لذلك، فالأحرى بنا أن ننظر إلى داعش وغيرها من حركات العنف الأخرى كجزءٍ من الراهن الدائر والمتوالي على رقعة جغرافيّتنا العربية والإسلامية، وبما أنها في النهاية جزء من عملية جدلية تتضمن الفعل من ناحية، وردة الفعل من ناحية أخرى، فهي تُشكّل من ذلك الجانب على الأقل جزءًا من السيرورة الحديثة للعالم الإسلامي، فضلًا عن كل الجوانب الأخرى التي تناولناها في هذه الدراسة والتي تقودنا إلى الاستنتاج نفسه.

 ولعله الوهم أو التفكير بالتمني، هو الذي يحيل ظاهرة داعش وما يحيط بها إلى الماضي، وينسى أو يتناسى أنها جزء من جدلٍ مستمرٍّ شارك في صُنعه الأمس القريب، ويصوغ اليوم الواقع الدامي الذي تعايشه الآن.

وغنيٌّ عن الذكر أن العالم العربي والإسلامي انقطع تاريخيًّا منذ وقتٍ طويلٍ مع الأطر الاجتماعية التراثية، التي نظمت إيقاع ووتيرات حركته الاجتماعية في الماضي وتشكَّل على أنقاضها واقع جديد بأُطُر وبنى جديدة، هي ذاتها الأطر التي تشكَّل خلالها الفكر الإسلامي المعاصر متفاعلًا مع الفكر القومي الحديث، ونشأت خلالها كذلك نوستالجيا السلفيات بما فيها السلفية الجهادية التي تحنّ إلى ماضي الأمة البعيد، والتي تحاول بدورها أن تُعيد نمط حضور المسلمين فيه إلى عالم اليوم؛ لتُمثّل بذلك نموذجًا عكسيًّا من الأيديولوجيات الحديثة التي تؤمن بفكرة التقدم نحو نهايات يوتوبية للتاريخ، حيث تنمذج تلك السلفيات الماضي نفسه باعتباره يوتوبيًّا، تحاول أن تعيدنا إلى لحظاتها الأولى التي تحققت فيها ذروة وكمال النموذج العقائدي والاجتماعي الذي اضمحلّ منذ ذلك الحين، ولعل ذلك الشكل المعاكس للأيديولوجيا، جاء نتيجةً للتأثر بالأيديولوجيا نفسها كنمطٍ فكريٍّ سائدٍ في القرن الماضي. 

لذا، فإن ظاهرة داعش ونوستالجيا السلفيات الجهادية عمومًا، ليست ارتدادًا حقيقيًّا إلى الماضي، بقدر ما هي نتاج اليوم والأمس القريب، فهي ظواهر بقدر ما تقترب من الدين في التحليل السطحي بقدر ما تبتعد عنه كليًّا في الطبيعة والمضمون.

ولذلك، وبناءً على كل ما سلف نستطيع أن نقول في نهاية هذه الدراسة وبقدرٍ معقولٍ من الطمأنينة والثقة: إن السلفية الجهادية الراهنة وظاهرة داعش وعنفها المسرف والحادّ، كلتاهما تُمثّل ظواهر حديثة وليست استنساخًا لماضٍ آفل، رغم بعض التشابهات السطحية التي يمكن ملاحظتها مع بعض تجارب العالم الإسلامي التاريخية الغابرة، ورغم ما يحمل ذلك أيضًا من مفارقةٍ واضحةٍ مع الشكليات المصاحبة للظاهرة الجهادية المعاصرة.

 


الهوامش

  1. حنة آرندت، في العنف، ترجمة: إبراهيم العريس، بيروت: دار الساقي، 1992، ص 10.
  2. والجينالوجيا كمصطلح تعني (علم الأنساب)، وهو علم قديم معنيٌّ أساسًا بالدراسة والتتبُّع لتاريخ السلالات وروابط الدم البشرية، واستخدمه الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه في كتاب جينالوجيا الأخلاق خارج سياقه المعرفي السابق ليتحدث عن مصدر الأخلاق وأصلها؛ ومن هنا جاء استخدام المصطلح بعد ذلك في العلوم الاجتماعية.
  3. كارين أرمسترونج، أسطورة العنف الديني، ترجمة: محمد معاذ شعبان، مجلة ذوات، عدد 6، 2015، ص 26 بتصرف.
  4. أوليفيه روا، تجربة الإسلام السياسي، ترجمة: نصير مروة، بيروت: دار الساقي، 1996، ص9.    
  5. حسام تمام، الإخوان المسلمون: سنوات ما قبل الثورة، القاهرة: دار الشروق، 2013، ص 163.   
  6. المرجع نفسه.
  7. بشير موسى نافع، «الإسلام، الإسلاميون والدولة الحديثة»، ورقة مقدَّمة في مؤتمر نظّمَته مؤسسة منتدى المشرق، تاريخ النشر مجهول، الورقة منشورة على صفحة د. بشير نافع، على موقع فيسبوك.
  8. أستاذ الاجتماع ودراسات الشرق الأوسط بجامعة إيلينوي الأمريكية.
  9. محمد مسعد العربي، «ما بعد الإسلاموية: الأوجه المتغيرة للإسلام السياسي»، مركز الجزيرة للبحوث والدراسات، مقال منشور على شبكة الإنترنت على الرابط أدناه:

 http://studies.aljazeera.net/bookrevision/2014/11/2014111865841824759.htm

  1. المرجع نفسه.
  2. حمّود حمّود، «هل كان قوميًّا أم أصوليًّا؟»، جريدة الحياة:

http://www.alhayat.com/article/416182/

  1. مارتن شولوف، جريدة الشرق الأوسط اللندنية، نقلًا عن جريدة الغارديان، جريدة الشرق الأوسط، الأربعاء -15 شهر ربيع الآخر 1436 هـ -04 فبراير 2015.
  2. المرجع نفسه.
  3. وائل عصام، «فصل المقال ما بين داعش والبعث من علاقة واتصال»، جريدة القدس العربي اللندنية بتاريخ 7 يوليو 2014، على الرابط أدناه:

http://www.alquds.co.uk/?p=189940

  1. ستيفان لاكروا، زمن الصحوة: الحركات الإسلامية المعاصرة في السعودية، ترجمة: عبد الحق الزموري، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2012، ص20.
  2. حنة آرندت، في العنف، مصدر سابق، ص6.
  3. أبو بكر ناجي، إدارة التوحش، ص 74.
  4. المرجع نفسه، ص 77.
  5. فرانز فانون، معذبو الأرض، ترجمة: سامي الدروبي وجمال الأتاسي، القاهرة: مدارات للأبحاث والنشر، الطبعة الثانية، ص30-32.
  6. Georges Sorel, Reflections on Violence. Cambridge: Cambridge University Press, 1999
  7. فرانسوا بورغا، الإسلام السياسي في زمن القاعدة، ترجمة: د. سحر سعيد، دمشق: دار قدمس للنشر والتوزيع، 2006.
  8. ليون تروتسكي، نتائج وتوقعات والثورة الدائمة، ترجمة: بشار أبو سمرا، القاهرة: مركز الدراسات الاشتراكية، 2001.

أواصر - مجلة فكرية فصلية

www.awasr.com