الاجتهاد في الفكر السياسي الإسلامي الحديث والمعاصر: من دعوى الخلافة إلى نظرية حاكمية القيم

طباعة 2018-04-22
الاجتهاد في الفكر السياسي الإسلامي الحديث والمعاصر: من دعوى الخلافة إلى نظرية حاكمية القيم

إن الفكر السياسي الإسلامي باعتباره حصيلة تفاعل العقل المسلم المستند إلى الوحي مع الظاهرة السياسية شهد تطورات مهمة ونوعية عبر تاريخ المسلمين، وذلك في اتصال مع تجدد آليات الفهم والاستمداد من الوحي وفي اتصال – أيضًا – مع تطور الظاهرة السياسية وتحولاتها[1]. وإذا كنا في عملنا الموسوم نشأة الفكر السياسي الإسلامي وتطوره قد تطرقنا إلى تطورات هذا الفكر في العهود المبكرة وحتى عصر التدوين[2]، فإننا في هذه المناسبة سنحاول الإشارة إلى أهم هذه التطورات في الفترة الحديثة والمعاصرة[3]؛ وذلك لقيمتها النوعية مقارنة مع حجم التطورات التي عرفها هذا الفكر منذ عصر التدوين[4].

إن ذهاب السكينة عن العالم العربي بسبب الإزعاج الغربي العنيف في هذه الفترة، وتفشي أزمات النظام السياسي الذي كان سائدًا بالعالم العربي، طرح العديد من القضايا والمسائل السياسية التي لا زالت ممتدة في الواقع السياسي العربي إلى اليوم، وكلها ترجع - تقريبًا - إلى متطلبات التكيف والتأقلم مع خصوصية اللحظة السياسية الجديدة التي راجعت عنوة وبالأمر الواقع ما اعتاد الناس عليه في النظام السياسي الإسلامي.

إن المأزق الأخلاقي الذي عانت منه الفكرة السياسية الإسلامية بسبب الخصوصية المتجددة للحظة التاريخية منذ القرن التاسع عشر أثار العقل السياسي الإسلامي، وحفزه على إيجاد تسويات لهذا المأزق خارجة عن التقليد والمعروف شرعًا وعادة، تسويات تدعم جهود الإصلاح وتطمئن الضمير الديني المتوجس منه، وقد برز في هذا السياق عدد من المفكرين سنعرض أثرهم فيما سيأتي.

وقبل الخوض في تفاصيل الأفكار والرؤى الاجتهادية التي أبدعها مفكرو السياسة في تفاعلهم مع المأزق الأخلاقي- التاريخي الذي وجدوا أنفسهم في معمعانه، لا بأس من بيان طبيعة النازلة السياسية التي نزلت بديار العرب في بداية العصر الحديث إجمالاً، والتي امتحنت العقل السياسي الإسلامي على امتداد قرن ونصف تقريبًا.

النازلة السياسية الحديثة بالعالم العربي: من الخلافة إلى الدولة المدنية

لقد كان العالم العربي خلال القرن التاسع عشر خاضعًا للخلافة العثمانية، باستثناء المغرب الأقصى الذي نجح في الحفاظ على استقلاله عنها، غير أنه ومع تقدم القرن التاسع عشر بدأت كثير من البلاد العربية تتجه بدوافع قومية نحو الاستقلال عن السلطنة العثمانية، وتقاوم ما عرف بسياسة التتريك، وبتشجيع من الغرب. وبالرغم من محاولات العثمانيين وخاصة السلطان عبد الحميد (1876- 1909م) مقاومة هذه النزعات الاستقلالية بالضرب على وتر الوحدة الدينية وفكرة الجامعة الإسلامية، فإن القدر كان غالبًا، حيث ساهم امتعاض العرب من العثمانيين من جهة وكيد الغرب المستمر لهم إلى تفكك الخلافة العثمانية وسقوطها نهائيًّا سنة 1924م.

تعرضت البلاد العربية التي خرجت من عباءة الحكم العثماني إلى الاحتلال الغربي تحت مسميات لطيفة كالانتداب والحماية وغيرهما، ولم تتخلص منه إلا مع حلول النصف الثاني من القرن العشرين، حيث ظهرت ولأول مرة في تاريخ المسلمين ما يسمى بالدولة الوطنية والقطرية في مفاصلة شبه تامة لمعهود العرب والمسلمين السياسي، وخاصة لمسمى السلطنات التي سادت في بلاد الإسلام في الفترات المتأخرة من العصر الوسيط. ولم توجد هذه الدول لتزول بعد حين، وتفسح المجال لعودة خلافة ما، بل وجدت لتستمر وتسود، وهو ما طرح تحديًا أخلاقيًّا وسياسيًّا على الفكر السياسي الإسلامي الكلاسيكي.

إن الدولة العربية (القطرية) التي نشأت إثر موجات التحرر كانت دولة شمولية استبدادية، تحكمها عائلات ملكية أو أميرية تقليدية أو نخب عسكرية حديثة، منغلقة سياسيًّا. ولم يكن في نية هذه الدولة ونية نخبها القيادية والمؤثرة تحقيق قدر من الانفتاح الديمقراطي، إلا بعد دخول العالم عصر الديمقراطية الليبرالية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي (1991م)، وتوحيد الألمانيتين (1990م)، والتحول الديمقراطي في أوروبا الشرقية الذي ابتدأ مع نهاية عقد الثمانينيات، حيث أمست الديمقراطية مع هذه التحولات الراديكالية أفقًا كونيًّا وإنسانيًّا، وأفضل نماذج الحكم الراشد على صعيد العالم، تحفظ في ظله الحريات وحقوق الإنسان، ويضمن للشعوب حق ممارسة سيادتها السياسية.. ومن ثم فقد أكرهت هذه التحولات الدولة القطرية الشمولية على الانفتاح على جملة من المفاهيم المدنية في السياسة. وفي اتساق مع هذه التحولات طرح على مستوى الفكر السياسي الإسلامي سؤال جديد لا يقل صعوبة عن الأسئلة التي طرحتها التحولات السالفة، ويتعلق بسؤال مدنية الدولة في المنظور الإسلامي.

لقد حاول الفكر السياسي الإسلامي مواكبة هذه التطورات الجديدة وتأصيل المدنية السياسية، كما أن الدولة القطرية هي الأخرى أخذت في تبني بعض أدبيات المدنية، غير أن هذا الاستعداد المدني الذي أبدته هذه الأخيرة مع نهاية التسعينيات من القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة سيعيد إلى الواجهة سؤال علاقة الدين بالسياسة، ففي الوقت الذي نجح الفكر السياسي الإسلامي نسبيًّا في إثبات مدنية الواقعة السياسية واستقلالها عن الدين، فإنه بالمقابل شق عليه الجواب عن سؤال كيف يدخل الدين على هذه الواقعة، وهو ما ساهم في إطلاق دورة جديدة من دورات الفكر السياسي الإسلامي.

وعمومًا، إن هذه الخطاطة الفكرية الإجمالية تجسد الخطوط العريضة لتحولات النازلة السياسية بالمجال العربي منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر وإلى اليوم، والتي ظهرت في سياقها مجموعة من الأطروحات السياسية من أبرزها: أطروحة الجامعة الإسلامية؛ أطروحة الخلافة الراشدة؛ أطروحة الحاكمية؛ أطروحة المدنية؛ أطروحة القيم السياسية، وسنحاول فيما يلي التعريف بها في حدود المتاح.

أطروحة الجامعة الإسلامية ومحاولة إنقاذ الخلافة العثمانية

لقد وجد الفكر السياسي الإسلامي نفسه خلال القرن التاسع عشر إزاء سلطة سياسية تقليدية تحت مسمى الخلافة، متحققة من الشروط الشرعية الشكلية التي وضعها المتقدمون، غير أنها ومع هذه الشرعية عانت من ضعف التضامن الإسلامي وتفشي النزعات الاستقلالية داخلها. ولم يكن ممكنًا معالجة إشكالية الشرعية الأخلاقية للخلافة العثمانية في علاقتها بداخلها ومحيطها الإسلامي، من خلال التذكير بمقولات وأحكام المتقدمين التي تدين جميعها الخروج وترغب في الوحدة، واتساقًا مع هذا الظرف عمد مفكرو السياسة من العرب والمسلمين في هذه المرحلة إلى إبداع مقولة الجامعة الإسلامية، وذلك لتحقيق هدفين أساسيين: الأول تعزيز الجبهة الداخلية للدولة العثمانية ونزع الشرعية عن الاتجاهات الاستقلالية؛ والثاني تقوية التضامن الإسلامي بين الكيانات السياسية غير المنضوية تحت لواء الدولة العثمانية، ومن ثم سعوا إلى بناء إطار سياسي وحدوي يتعدى الخلافة العثمانية كواقع، ويعترف بشرعية التعدد من جهة، ويدين – بالمقابل - الفكرة القطرية من جهة ثانية.

لقد برز في سياق الدعوة إلى الجامعة الإسلامية عدد من أعلام الإصلاح من أبرزهم الشيخ جمال الدين الأفغاني (ت. 1897م) والإمام عبده (ت. 1905م)، وعبد الرحمن الكواكبي (ت. 1902م)، وإبراهيم السنوسي الفاسي (ت. 1886م) وآخرون. ومن جميل عبارات الأفغاني في أواخر القرن التاسع عشر (1884م) ما يلي: «الاتفاق والتظافر على تعزيز الولاية الإسلامية من أشد أركان الديانة المحمدية، والاعتقاد به من أوليات العقائد عند المسلمين، ولا يحتاجون فيه إلى أستاذ يعلم، ولا كتاب يثبت، ولا رسائل تنشر»[5]، وتبعه في ذلك تلميذه الإمام عبده وبوضوح أشد، حيث اعتبر التشبث بالخلافة العثمانية ثالث العقائد بعد الإيمان بالله ورسوله، وهو موقف يقع في الطرف الأقصى من موقف أهل السنة والجماعة[6]، وعدّ في هذا السياق الخروج عليها والاستقلال عنها انحرافًا ومنكرًا[7]. أما الداعية الكبير عبد الرحمن الكواكبي فلم يكن أقل حماسًا من أبناء جيله لفكرة الجامعة الإسلامية، وقد أعربت نصوصه في أم القرى عن هذه الرغبة، وبينتها بجلاء[8].

ولم يختلف في الدعوة إلى الجامعة الإسلامية مفكرو الغرب الإسلامي عن نظرائهم المشارقة، وخاصة المغاربة منهم، بل أضافوا إلى ما سبق ما يناسب خصوصيتهم السياسية واستقلالهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر يصرح الشيخ إبراهيم السنوسي (ت. 1886م) في النور اللامع: إن كانت في الإسلام عصبيات متفرقة ومتعددة، فإن الواجب يقتضي ولتمام القوة والشوكة وحصول النتيجة المطلوبة رجوع تلك العصبيات كلها إلى عصبية واحدة جامعة، ويرشح في هذا السياق الدولة العثمانية لتكون مركز العصبيات ومأواها لأسباب عددها في كتابه[9].

أطروحة الخلافة الإسلامية والأمل في عودة التاريخ

إن الحديث عن الجامعة الإسلامية والتنظير الشرعي والسياسي لها لم ينته ولم يفقد جدواه إلا بعد فاجعة سقوط الخلافة العثمانية سنة 1924م، التي كان وقعها شديدًا على نفوس كثير من عامة المسلمين وخاصتهم، وطُرح في سياق ذلك سؤال ثقيل على أنظار مفكري السياسة المسلمين الذين عاصروا هذه الواقعة، ويتعلق بمصير الخلافة الإسلامية التي كانت مشخصة في العثمانيين، والتي كانت أكثر من إطار سياسي، بل كانت من متممات الإسلام وعنوان داره، إلى درجة اعتبرها محمد عبده ثالثة العقائد.

ومن ثم، ففي الوقت الذي كان العزم الفكري منعقدًا على صون الخلافة، وحشد الدعم لاستمرارها، صدم الجميع بسقوطها، ومن ثم انعطف التفكير ناحية جديدة قاصدًا توفير أسباب عودتها. وفي هذا السياق برزت في العشرينيات من القرن الماضي مجموعة من الأعمال التي كانت تدعو إلى إعادة نصب الخلافة، واستدلت لها من الشرع والواقع، وردت على معارضيها من كل الفرق والأجناس، ومن أبرز هذه الأعمال كتاب الخلافة للإمام رشيد رضا (ت. 1935م)، وأطروحة فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية للفقيه المصري عبد الرزاق أحمد السنهوري (ت. 1971م)، ونقض كتاب الإسلام وأصول الحكم للشيخ محمد الخضر حسين (ت. 1958م)، وكتاب نقد علمي لكتاب الإسلام وأصول الحكم للطاهر بن عاشور (ت. 1973م) الصادر سنة 1925م.

لقد كانت رسالة الإمام رشيد رضا في كتابه السالف الذكر التأكيد على شرعية الخلافة، وأنها من الأمور الواجبة، ودعا في سياق ذلك الشعب التركي قبل غيره من شعوب الإسلام إلى استعادتها، ونصبها من جديد، مؤكدًا على أن وجوبها يتعدى العقل إلى الشرع خلافًا للمعتزلة[10]. ولم يكن السنهوري في هذا الباب أقل حماسًا من رشيد رضا في الدعوة إلى الخلافة، والتشبث بأمل عودتها، لكن في صورة جديدة وحديثة تختلف عن صورتها التقليدية، خاصة وأنه هيأ عمله وانتهى منه بعد وقت وجيز من سقوط الخلافة (1926م)[11]، وتعتبر الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي في ضوء أطروحة السنهوري تجسيدًا للخلافة الراشدة وقائمة بوظائفها[12].

غير أن هذا الحماس الذي أبداه كثيرون لنظام الخلافة والمساعي التي بذلوها من أجل عودتها قابله موقف آخر، لم ير في هذه الدعوة أية وجاهة دينية أو عقلية، وعمل بالمقابل على إضفاء الشرعية الأخلاقية على الأمر الواقع، ولعل أبرز الفقهاء الذين تبنوا هذا الموقف الشيخ علي عبد الرازق (ت. 1966م) في عمله الشهير الإسلام وأصول الحكم الصادر سنة 1925م.

إن النقاش حول الخلافة والنشاط في الدعوة إليها كانت الغاية منه الحيلولة دون إقرار الدولة القطرية، وتجريدها من الشرعية الأخلاقية في بيئة شديدة الحساسية والاهتمام بما هو ديني وأخلاقي، غير أن عامل الوقت ومرور حوالي أربعين عامًا على ذهاب الخلافة كان حاسمًا في التطبيع مع الأمر الواقع (الدولة القطرية)، ومن ثم تجاوز أفق الخلافة وانقطاع الأمل في عودتها على النحو الذي كانت عليه في الماضي، وهو ما مهد لطور جديد من أطوار الفكر السياسي الإسلامي.

أطروحة الحاكمية والتطبيع مع الدولة القطرية

لقد أمسى مطلب الخلافة متجاوزًا ومثالية غير قابلة للتحقق بعد تعثر كل خطوات استعادتها، ورسوخ الدولة الوطنية القطرية بعد موجة الاستقلالات الوطنية، وهو ما أسس لوجهة نظر أخرى في الفكر السياسي الإسلامي تروم إضفاء الشرعية الدينية والأخلاقية على الأمر الواقع (الدولة القطرية) وبأسلوب مختلف عن أسلوب المتقدمين. ولم يجد مفكرو السياسة في المجال العربي آنذاك أفضل من نظرية الحاكمية لتحقيق هذه الغاية.

تعتبر نظرية الحاكمية كما صاغها الشيخ أبو الأعلى المودودي (ت. 1979م) ثورة معرفية وتجاوزًا نظريًّا مقنعًا للمفهوم الكلاسيكي للخلافة الإسلامية، حيث أخرجها من الإطار الكلامي والفقهي التقليدي، وجعلها في الجوهر تحقيقًا وتحققًا للحاكمية الإلهية، والتي تعني نزع كل السلطات من أيدي الناس منفردين ومجتمعين وتسليمها لله الواحد القهار[13]، وفي هذا السياق أمست الحاكمية معطى عقديًّا يعكس حقيقة الإيمان بالله الإله الواحد، بحيث لا يكمل إيمان المسلم إلا بالإيمان بالحاكمية السياسية لله وممارسته للسلطة القهرية (الحكم السياسي)[14].

لقد دخلت هذه النظرية المجال العربي مع ترجمة كتب المودودي إلى العربية وخاصة كتابيه نظرية الإسلام السياسية (1939م) مع نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات، وترجمة المصطلحات الأربعة في القرآن (1941م) سنة 1955م. وكان أول من تلقى هذه النظرية وعمل على إدماجها في النسق الثقافي العربي الشهيد سيد قطب (ت. 1966م) من خلال كتابه معالم في الطريق (1964م)، وخاصة في الفصل الخاص بـ«لا إله إلا الله منهج حياة»، وأيضًا من خلال كتابه الشهير في ظلال القرآن (1951- 1964م)، ومن قوله في هذا المعنى: «ليس عبدًا لله من يتلقى الشرائع القانونية من أحد سوى الله»، وإنما صحيح العبودية يتحقق بتحكيم الله في الصغير من الشؤون وكبيرها[15]، وذهب قطب بعيدًا في هذا المعنى، ولم يتردد في تكفير كل من ترك - بفهمه - حكم الله[16].

لقد كانت نظرية الحاكمية كما صاغها المودودي في شبه الجزيرة الهندية في الأربعينيات من القرن الماضي، وكما عربها وقربها سيد قطب رحمه الله بداية الستينيات من القرن نفسه الإطار النظري للخروج من نظرية الخلافة الكلاسيكية، ومنح الشرعية الدينية للدولة القطرية، فهاته الدولة لا يمكنها في ذاتها وصفاتها التحقق من شرعية الإسلام إذا لم تحكم بما أنزل الله؛ إذا لم تنزل على أحكام الشريعة جملة وتفصيلاً.

وإذا كنا في هذا النص ركزنا على سيد قطب كأحد منظّري الحاكمية الكبار، فإنه في الحقيقة لم يكن وحده في هذا الباب، وشاركه كثيرون من الشرق والغرب في المبدأ وإن اختلفوا معه في الحدة، وأعلاهم شأنًا الشيخ يوسف القرضاوي[17].

إن نظرية الحاكمية التي هيمنت على فكر الإسلاميين العرب وغيرهم بعد النصف الثاني من القرن العشرين لم تكن قاصرة عليهم فقط، بل حتى خصومهم من التيارات والنخب الثقافية كانوا كذلك تحكيميين في نظرتهم لعلاقة الدولة بالإسلام، وتقدم لنا الحالة المصرية أمثلة كثيرة عن هذه الظاهرة، فالذين انتقدوا سيد قطب في السبعينيات والثمانينيات - على سبيل المثال - لم يرفضوا فكرة الحاكمية مبدئيًّا، بل راجعوا مدلولها، وفي هذا السياق راجعوا مفهوم «ما أنزل الله» ومفهوم الشريعة، وحدود تطبيقها، واجتهدوا في أحكامها...[18] وإعمالاً لمبدأ الحاكمية – أيضًا - نص دستور الجمهورية العربية (مصر وسوريا وليبيا) (1971) على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع، وهي الصيغة التي اتخذت في دستور مصر سنة 1980م الشكل التالي: «مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع»[19].  

إن نظرية الحاكمية عرفت ازدهارًا كبيرًا في حقبة السبعينيات والثمانينيات، من القرن العشرين، ونجحت في إضفاء الشرعية الدينية على الدولة القطرية[20]، بحيث كان يكفي هذه الدولة أن تقبل بتحكيم الشريعة لتمسي دولة إسلامية، وفي هذا السياق أمست كثير من الدساتير العربية تنص على المصدرية التشريعية للشريعة، لكن هذا الازدهار بدأ في التراجع مع حلول عقد التسعينيات، وذلك بالتزامن مع انتصار الديمقراطية في عدد من أنحاء العالم، ففي هذا العقد سقط الاتحاد السوفياتي (1991م)، وسقط سور برلين وتوحدت الألمانيتان (1989- 1990م)، ونجح التحول الديمقراطي في أوروبا الشرقية.

لقد عانت نظرية الحاكمية في عقد التسعينيات من جملة من التحديات من أبرزها: التناقض الواضح بين مقتضاها السياسي والتشريعي، ومقتضى النظام الديمقراطي، فإذا كان الأول يرد السلطة إلى الله، والموقعين عنه (العلماء)، وبالتالي تكون السلطة في نظام الحاكمية في جانب مهم منها سلطة غير مدنية، فإن الثاني يرد هذه الوظيفة إلى ممثلي الأمة، ويجعل منها سلطة مدنية تصدر عن التقدير العقلاني والمصلحي بدل الفتوى، كما أن التعددية السياسية والحزبية لا تتوافق مع مقتضيات الحاكمية.. وقد استغرق هذا التناقض كثيرًا من جهود مفكري السياسة بالعالم العربي.

ومن ناحية أخرى أثارت الحاكمية جملة من المشاكل الأخرى من قبيل قضايا المساواة بين المرأة والرجل، وحرية الضمير، والالتزام بالعهود والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات التي تتعارض مع بعض أحكام الشريعة الإسلامية.. إلخ.

نظرية مدنية الدولة الإسلامية والاستجابة لمقتضى التحول الديمقراطي

إن التناقض بين مفهوم الحاكمية والمقتضيات التاريخية الجديدة التي فرضها الاستحقاق الديمقراطي الذي دخله العالم منذ تسعينيات القرن الماضي وازدياد الاندماج الدولي في إطار العولمة، أسّس لطور جديد في الفكر السياسي الإسلامي عنوانه الرئيس مدنية الواقعة والحكم السياسيين. ويعتبر هذا التحول في جوهره تطورًا داخل نظرية الحاكمية، فالشريعة و«حكم الله» في ضوء التحولات التاريخية الكبرى التي شهدها العالم العربي على مدى 15 قرنًا من الزمان، وفي ضوء مستجدات الظرف السياسي المتعلقة بانتصار الديمقراطية الليبرالية أمسى غير ممكن التطبيق، وعجز كثير من الحكام عن امتثال أوامره، وبدا في كثير من الحالات وكأنه مناقض ومناهض لمبادئ العدالة والحرية والمساواة.  

وفي هذا السياق ظهرت مجموعة من الأعمال والدراسات التي حاولت إخراج قضايا الحكم وشؤونه من حوزة الشريعة وسلطان الحاكمية، واستدلت على مدنيتها من الكتاب والسنة والزمن المرجعي، وأثبتت بالمقابل طابعها العقلاني والمصلحي. ويعتبر الدكتور سعد الدين العثماني من أبرز المفكرين الإسلاميين الذين اجتهدوا في تحرير الواقعة السياسية من عقال الحكم الديني، ودافعوا عن استقلاليتها عنه، فقد عمد العثماني منذ نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثالثة إلى نشر مجموعة من النصوص الدالة على مدنية الدولة الإسلامية، وأهمها «تصرفات الرسول بالإمامة»[21]، و«الدين والسياسة: تمييز لا فصل»[22]. وقد حاول سعد الدين من خلال إسهاماته المختلفة الاستدلال الشرعي والعقلي على أن الفعل السياسي في المجال الإسلامي وفي دولة النبي صلى الله عليه وسلم تحديدًا كان فعلاً مدنيًّا خالصًا، محتكمًا إلى العقل والمصلحة والخبرة البشرية، ولم يكن – أبدًا – فعلاً دينيًّا (تشريعًا دينيًّا أو فتوى)، وضرب لذلك مجموعة من الأمثلة من السنّة وتصرفات الرسول (ص).

إن أطروحة مدنية الدولة والسياسة التي يتبناها – اليوم - كثير من زعماء الإسلاميين بالعالم العربي، والتي أريد لها أن تتجاوز من جهة ثغرات الحاكمية وتعارضاتها الكثيرة مع النظام الديمقراطي، وأريد لها من جهة ثانية أن تتجاوب مع مقتضيات الاندماج في الجماعة الدولية، قد نجحت إلى حد ما في هذه المهمة نجاحًا عمليًّا أكثر منه نجاحًا نظريًّا، وهو ما أبدته كثير من تجارب الإسلاميين بالمغرب وتونس وتركيا وشرق آسيا، حيث أمسى متاحًا في إطار هذه النظرية التداول على السلطة السياسية بين الإسلاميين وخصومهم، والإقرار بشرعية التشريعات المستندة إلى العقل والمصلحة باعتبارهما أصولاً للنظر السياسي الشرعي.

إن هذا الاجتهاد الذي تبنته بعض التيارات السياسية الإسلامية عمليًّا شكّل أساسًا ثقافيًّا وفكريًّا لتلاقي التيارات السياسية الوطنية الديمقراطية المختلفة، وأسّس لشرعية تداول السلطة بين الإسلاميين وغيرهم، هذا التداول الذي لا ينال من الشرعية الأخلاقية والسياسية للدولة الوطنية.

غير أن هذا الاجتهاد الذي تجاوز في عدد من التجارب وبكفاءة عالية مآزق الحاكمية، ومهّد السبل الفكرية لقبول الإسلاميين بمقتضيات النظام الديمقراطي، أثار – بالمقابل - مشاكل وأسئلة من نوع آخر، أسئلة لم تجب عنها بالوضوح اللازم أطروحة مدنية الدولة والسياسة في الإسلام، وفي مقدمة هذه الأسئلة: ألا يعتبر التسليم بمدنية الدولة والتشريع والنزول على حكم العقل والمصلحة في كل شؤونهما إقصاء فجًّا للدين من ساحة السياسة، وطعنًا في مبدأ شمولية الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان؟

إن أطروحة المدنية نجحت باقتدار في إبعاد الواقعة السياسية نظرًا وممارسة عن الإسلام وأحكامه، واستدلت على ذلك بما استطاعت من الأدلة الشرعية والأمثلة المعتبرة، غير أنها فشلت فشلاً ذريعًا في إنتاج تأويل جديد يعيد الدين إلى حارة السياسة، يرضي ضمير المتدينين ويبدد مخاوف الديمقراطيين، ولهذا فسعد الدين العثماني بذل جهدًا كبيرًا على مدى عشر سنوات تقريبًا من أجل الانتصار لمدنية الواقعة السياسية، لكنه بالمقابل لم يقدم ما يستحق الذكر بخصوص الصورة التي يدخل بها الدين على السياسة. وقد تسبب هذا النقص في أطروحة المدنية في اتهامها وأهلها بالعلمنة.. وأنها في نهاية المطاف تؤدي إلى الغاية نفسها التي تطلبها العلمانية السياسية، أي إقصاء الدين من المجال العمومي وحصره في المجال الخاص. وقد ساعد هذا النقص، أو ضعف الإجابة عن الأسئلة التي أثارتها، على إحياء أطروحة الحاكمية واستمرارها ونفوذها بين الشباب الإسلامي.

نظرية حاكمية القيم السياسية الكلّية والبحث عن الأفق الإنساني

إن هذا القصور الذي عانت منه نظرية مدنية الفكر السياسي الإسلامي والأسئلة التي أثارتها، ستوجه أعمال بعض مفكري السياسة في الإسلام من المعاصرين نحو البحث عن الصلة الموضوعية والتاريخية، التي يمكن أن تقوم بين الإسلام والسياسة مع حفظ الطابع المدني للسياسة، والتي أجهد نظار المدنية أنفسهم في تفكيك صيغتها التقليدية، ومن ثم عمل هؤلاء على إنتاج صلة جديدة تحقق غايتين: الأولى، تجاوز ثغرات وحدود نظرية الحاكمية الإلهية التي جعلت من الممارسة السياسية دينًا وشرعًا منزلاً؛ والثانية، الحفاظ على دور الدين في المجال العام دون تضييع المعنى المدني للسياسة. وهي – كما تبدو - غايات صعبة.

إن النظرية الجديدة التي من شأنها تحقيق الغايتين السالفتين هي نظرية حاكمية القيم السياسية الكلّية، والتي تتجه إلى ما وراء الأحكام/ الثوابت النصية من قيم، وتنظر إلى هذه الأخيرة كأعراض للقيم الثابتة المتعالية عن التاريخ والمهيمنة عليه. وهذه النظرية لا زالت في بدايتها وطور تشكلها، ولم تحقق الانتشار والذيوع اللازم، والتراكم المعرفي والعلمي الضروري. وبالرغم من هذا النقص الناتج عن حداثتها وقلة المشتغلين بها فإنها تعد بالكثير من النتائج الإيجابية. وفي سياقها تندرج جهودنا[23]، وجهود الصديق المختار الشنقيطي[24].

تقوم هذه النظرية على جملة من المبادئ من أبرزها:

- إن الإسلام دين شمولي يمس سائر فعاليات الإنسان الفردية والجماعية، السياسية، والاقتصادية.. ومن ثم لا يمكن حصر نفوذه وسلطته في فعالية من هذه الفعاليات وإقصائه عن غيرها، فالسياسة في ضوء هذا المبدأ من مشمولات الدين وساحة للتدين.

- إن الإسلام صالح لكل زمان ومكان ولا يمكن حصر بعض معانيه وخاصة المعاملاتية (الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية) في مرحلة زمنية، بدعوى تغير الزمان وتبدل الأحوال، ومن ثم إقصائه عن الحاضر.

- إن الثوابت الإسلامية المتعالية عن الزمان والتي تجسد «ما أنزل الله» ليست هي الأحكام النصية (الثقافية) التي يحتج بها عادة أنصار الحاكمية الإلهية من قبيل أحكام الحرب والسلم، وأحكام الولاء والبراء، والحدود، والعقوبات الشرعية.. إلخ، بل هي القيم الكلّية الثاوية وراءها. والأحكام النصية التي يعتقد كثيرون في تعاليها عن الزمان هي مجرد تنزيل تاريخي ثقافي حسب طاقة عصر التنزيل، ولا تعكس بحال من الأحوال كل الطاقة القيمية للإسلام، فقيم العدل والكرامة والحرية والمساواة.. التي جاء بها الدين المحمدي وألح في طلبها نصًّا وواقعًا تحققت نسبيًّا في عصر التنزيل وما تلاه، ولعل أحكام الرق خير مثال عن هذا الأمر، وهي مفتوحة على تحققات في الحاضر والمستقبل أكثر نضجًا وأكثر اتساقًا مع غاية الإسلام وهديه في المجالات المختلفة، فقيمتا العدل والمساواة بمعناهما الشرعي فيما يتعلق بشأن العلاقة بين المرأة والرجل وفي مسائل الحريات السياسية والحقوق المدنية قابلة للتحقق بصيغ أكثر تقدمًا مما تحقق في الماضي الإسلامي.

- إن القيم السياسية الكلّية التي احتفى بها الإسلام، والتي تحتاج إلى مزيد بيان وتدقيق لا تختلف عن القيم العقلية إلا من جهة الدليل والتحيزات الفئوية أو الطبقية؛ ذلك أن القيم الدينية أكثر تجردًا من القيم العقلية المتحيزة للفرد على حساب الجماعة أو المتحيزة للجماعة أو الفئة على حساب الفرد.. وهكذا.

- إن السياسة – باعتبارها فعلاً أخلاقيًّا نبيلاً يطلب الخير والصلاح العام - هي مجال تحقق القيم الدينية والعقلية، ويتعاضد لأجل أخلاقيتها كل من الدين والعقل.

إن إيجابيات هذه الأطروحة كثيرة، لا يمكن حصرها وإجمالها في هذا الحيز الضيق، غير أن مما يحسن ذكره في هذا المقام أن اعتبار القيم كثوابت دينية وعقلية تجعل من السياسة فعلاً أخلاقيًّا يسع بأخلاقيته جميع الأطياف والتيارات (إسلامية وليبرالية ويسارية)، حيث تُؤَوَّل أفعال هذه الكائنات وأعمالها كوجوه محتملة وممكنة لتحقق المعنى الأخلاقي في السياسة، كما أنها تفتح آفاقًا واسعة لتوليد الأحكام وإضفاء الشرعية على التشريعات الوضعية.

خــاتــمــة

لقد مر الفكر السياسي الإسلامي الحديث والمعاصر بمجموعة من الأطوار والتحولات أظهرت في عمومها حجم وقيمة الجهود التجديدية والاجتهادية التي بذلها عدد من المبدعين، من أجل حفظ الدين وصون رسالته الأخلاقية في سياق النازلة السياسية الحديثة والمعاصرة، التي نزلت بديار العرب بجلاء خلال القرن التاسع عشر. ويكشف التتبع الدقيق لهذه التحولات الفكرية السياسية التي قمنا بالإشارة إلى بعضها في هذه الورقة عن مجموعة من الحقائق منها: روح الابتكار والتجديد التي امتاز بها هذا الفكر خلال قرن ونصف تقريبًا من الزمان، وسعيه الحثيث إلى التوافق مع معطيات الظرف والتاريخ.

- إن أطروحات الفكر السياسي الإسلامي ونظرياته لم تكن أطروحات طائفية ومنغلقة تهم الحركات الإسلامية وأتباعها، بل كانت في أصلها جوابًا واقتراحًا للأمة حتى تتجاوز مآزقها الأخلاقية التي أوقعها فيها التاريخ.

- إن النظرية القيمية بالرغم من قدراتها الدلالية والحجاجية في تجاوز مآزق كل من الحاكمية والمدنية، فإنها لا زالت في بداياتها وغير نافذة في الواقع نفوذًا قويًّا، ولعل الظرف الحالي قد يساعدها على النفوذ.

- إن هذه التطورات الاجتهادية التي عرفها الفكر السياسي الإسلامي في الفترة الحديثة والمعاصرة، من الجامعة الإسلامية إلى النظرية القيمية، لم تتحمس لها التيارات والحركات الإسلامية التي بقي كثير منها دون أطروحة الوقت، فعلى سبيل المثال في الوقت الذي نتحدث فيه اليوم عن نظرية حاكمية القيم لا زال البعض من هذه الحركات غارقًا في نقاش الحاكمية والخلافة.. وهو ما يعكس أزمة مزدوجة لدى هذه التيارات، أزمة علاقة الفكر بالواقع والثقافة من جهة، وأزمة مكانة الفكر وسلطته من جهة ثانية.

 

[1] لقد اعتنى الفكر السياسي الإسلامي بعدد من القضايا والظواهر السياسية، لكننا في هذه الورقة سنركز حديثنا بالدرجة الأولى على قضية الشرعية الدينية لنظام الحكم منذ العهد العثماني وإلى يومنا هذا.

[2] امحمد جبرون، نشأة الفكر السياسي الإسلامي وتطوره، الدوحة: منتدى العلاقات العربية والدولية، ط.1/ 2015.

[3] نقصد بالفترة الحديثة والمعاصرة الفترة الواقعة بين النصف الثاني من القرن 19م إلى اليوم، وهي الفترة التي تزامنت مع دخول الغرب ساحة العالم العربي ونجاحه في احتلال الكثير من بلدانه، بدءًا من احتلال الجزائر سنة 1830م. وهي الفترة – أيضًا – التي تزامنت مع ضعف الخلافة العثمانية وعجزها عن الحفاظ عن نفوذها شرقًا وغربًا.

[4] إن عصر التدوين السياسي بدأ في المائة الثانية للهجرة وانتهى تقريبًا حوالي القرن الخامس الهجري، ومنذ ذلك التاريخ لم تحصل تطورات نوعية ذات قيمة في الفكر السياسي الإسلامي وحتى النصف الثاني من القرن 19م، ويكاد يكون المنجز الخلدوني (القرن 8هـ) الاستثناء الوحيد في هذه المرحلة.

[5] جمال الدين الأفغاني، العروة الوثقى، ع. 22 مايو 1844، ص. 220.

[6] محمد عبده، الأعمال الكاملة (الإصلاح الفكري والتربوي والإلهيات)، تحقيق محمد عمارة، دار الشروق، طبعة مكتبة الأسرة، القاهرة، 2010، ص. 76.

[7] نفسه، ص. 96.

[8] عبد الرحمن الكواكبي، الأعمال الكاملة (أم القرى)، تحقيق محمد عمارة، القاهرة: دار الشروق، ط. 3/ 2014، ص. 317- 327.

[9] إبراهيم السنوسي، النور اللامع في بيان الأصل الجامع أو الجامعة الإسلامية، دراسة وتحقيق عبد الله المرابط الترغي ومصطفى عبد الله الغاشي، منشورات باب الحكمة، تطوان، ط. 1/ 2016، ص. 102، 103.

[10] رشيد رضا، الخلافة، مؤسسة هنداوي، القاهرة، 2013، ص. 11، 14.

[11] عبد الرزاق السنهوري، فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية، تحقيق توفيق الشاوي ونادية السنهوري، مؤسسة الرسالة ناشرون ومنشورات الحلبي الحقوقية، ط. 1/ 2008، ص. 80.

[12] انظر في هذا المعنى ما كتبه الدكتور توفيق الشاوي في بحثه "شرح وتقييم لمشروع إعادة الخلافة عند السنهوري"، (السنهوري، فقه الخلافة، م. س. ص. 367).

[13] أبو الأعلى المودودي، نظرية الإسلام السياسية، بيروت: دار الفكر، ط. 1967، ص. 26، 27، 31، 45. أبو الأعلى المودودي، الخلافة والملك، ترجمة أحمد إدريس، الكويت: دار القلم، ط. 1/ 1978، ص. 11، 80.

[14] أبو الأعلى المودودي، المصطلحات الأربعة في القرآن، الكويت: دار القلم، ط. 5/ 1971، ص. 31، 33.

[15] سيد قطب، معالم في الطريق، القاهرة: دار الشروق، ط. 6/ 1979، ص. 85، 91، 92.

[16] فعلى هامش تفسيره للآية 44 من سورة المائدة يقول سيد قطب، "إن المسألة في هذا كله مسألة إيمان أو كفر، أو إسلام أو جاهلية، وشرع أو هوى. إنه لا وسط في هذا الأمر ولا هدنة ولا صلح، فالمؤمنون هم الذين يحكمون بما أنزل الله – لا يخرمون منه حرفًا ولا يبدلون منه شيئًا – والكافرون الظالمون الفاسقون هم الذين لا يحكمون بما أنزل الله. وأنه إما أن يكون الحكام قائمين على شريعة الله كاملة فهم في نطاق الإيمان. وإما أن يكونوا قائمين على شريعة أخرى مما لم يأذن به الله، فهم الكافرون الظالمون الفاسقون. وأن الناس إما أن يقبلوا من الحكام والقضاة حكم الله وقضاءه في أمورهم فهم مؤمنون.. وإلا فما هم بالمؤمنين.. ولا وسط بين هذا الطريق وذاك، ولا حجة ولا معذرة، ولا احتجاج بمصلحة. فالله رب الناس يعلم ما يصلح للناس، ويضع شرائعه لتحقيق مصالح الناس الحقيقية." ( في ظلال القرآن، القاهرة: دار الشروق، ط. 32/ 2003، ص. 888).

[17] يوسف القرضاوي، الدين والسياسة، القاهرة: دار الشروق، ط. 1/ 2007.

[18] انظر على سبيل المثال النقاش الذي أطلقه المستشار محمد سعيد عشماوي في كتابه أصول الشريعة الإسلامية، حيث أخرجها من كونها تعني جملة أحكام إلى أنها تعني المنهج. (العشماوي، أصول الشريعة، القاهرة: مكتبة مدبولي، ط. 4/ 1996، ص. 177).

[19] العشماوي، المصدر السابق، ص. 22.

[20] إن النقد الذي تعرضت له نظرية الحاكمية لم يضعفها بل عدلها وأضفى عليها قدرًا من التوازن، ومن هذه الانتقادات ما صدر عن العلامة أبي الحسن الندوي، الذي رأى في نظرية الحاكمية كما عبر عنها المودودي وسيد قطب من بعده سيست الإسلام أكثر من اللازم، وكتب مؤلفًا في الموضوع وراسل صاحبها المودودي سنة 1978م. (أبو الحسن الندوي، التفسير السياسي للإسلام في مرآة كتابات الأستاذ أبي الأعلى المودودي والشهيد سيد قطب، دراسة وتعليق عبد الحق بن ملا حقي التركماني، بيروت: دار البشائر الإسلامية ومركز دراسات تفسير الإسلام، ط. 1/ 2014).

[21] سعد الدين العثماني، تصرفات الرسول بالإمامة، الدار لبيضاء: منشورات الزمن، مطبعة النجاح، ا، ط. 2002.

[22] سعد الدين العثماني، الدين والسياسة: تمييز لا فصل، بيروت: المركز الثقافي العربي، ط. 1/ 2009.

[23] امحمد جبرون، مفهوم الدولة الإسلامية: أزمة الأسس وحتمية الحداثة، الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط. 1/ 2014. امحمد جبرون، هدي القرآن في السياسة والحكم، سيصدر قريبًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة.

[24] نشر محمد بن المختار الشنقيطي في مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق بالدوحة عددًا من المقالات عن أمهات القيم السياسية في القرآن والسنة.

(https://www.cilecenter.org)

شارك :

التعليقات (0)

أضف تعليق